شهدت الأوضاع العمالية حالة من عدم الاستقرار في السنوات التي سبقت الثورة تمثلت في تزايد حالات وحدة الاضرابات والاحتجاجات وتشكيل النقابات المستقلة التي طالتها مؤخراً اتهامات بتلقي أمد من الخارج.. بهدف اضعاف وتفتت الحركة العمالية وتشتيت الجهود في صراعات لا طائل من ورائها سوي الانقسام والتراجع وضياع حقوق العمال. المساء الأسبوعية التقت السفير أسامة العشيري مستشار العلاقات الدولية السابق باتحاد عمال مصر في حوار حول العديد من القضايا العمالية الهامة. * ما رأيك في الاتهام الموجه من اتحاد عمال مصر إلي الاتحاد المستقل بتلقي أموال من الخارج بهدف ضرب الحركة العمالية؟ ** بالفعل هذا الكلام حقيقي فالاتحاد الدولي للنقابات الموجود في بروكسل ويضم الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية وإسرائيل يقوم بمنح العمال في بعض الدول أموالاً بهدف تأسيس تنظيمات نقابية مستقلة وذلك لاضعاف وتفتيت الكيان النقابي والحركة العمالية. وأي إنسان عاقل لابد أن يتوقف أمام هذه الظاهرة التي تحولت إلي فوضي في ظل حالة عدم الاستقرار الذي عاشته مصر علي مدار الثلاث سنوات الماضية. وللأسف مضارها وتداعيتها كارثية علي العمل النقابي خاصة أن اتحاد عمال مصر يعد من أهم الكيانات القوية التي سعي البعض إلي تدميرها مثلما كان يحدث نفس السيناريو مع سائر مؤسسات الدولة. ومن المعروف أن أمريكا وإسرائيل هما الممولان لأنشطة الاتحاد الدولي الذي يقدم التمويل اللازم لأعضاء النقابات المستقلة لحضور الاجتماعات والمؤتمرات في الخارج. مخاطر وتهديدات * هذا الكلام يؤكد أننا دولة مستهدفة؟ ** بالطبع نحن نتعرض لمخاطر وتهديدات بشكل دائم وأخطر ما يحيط بنا هو التدخلات غير المباشرة التي تستهدف مصر سياسياً واقتصادياً وإحداث حالة عدم التماسك المجتمعي فتصدير الأزمات يعمل علي اضعاف قوي الدولة ويؤثر علي دورها الإقليمي لذلك أطالب العمال وقياداتهم بتغليب مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية والسياسية والحزبية وإبعاد العمل السياسي عن العمل النقابي حتي نستطيع عبور هذه المرحلة الصعبة بكل مؤشراتها السلبية وتكوين مظلة عمالية واحدة قوية وصلبة. * هل النقابات المستقلة تعمل وفق خريطة أو أجندات خارجية؟ ** لا استطيع أن أصف الجميع بهذا لكن المؤكد أن بعضهم يعمل وفقاً للتوجهات والأفكار الخارجية لذلك نحتاج ليقظة ووعي العمال حتي لا ينخدعوا في الشعارات البراقة التي يرفعها هؤلاء بهدف استقطابهم. * لماذا لم يتم التواصل الرسمي مع الاتحاد الدولي لإيقاف أية محاولات للتدخل في الشأن العمالي؟ ** قبل قيام ثورة يناير أرسلت خطاباً لرئيس الاتحاد الدولي للنقابات الدعوة لزيارة مصر والتعرف علي أعضاء اتحاد عمال مصر ومناقشة كافة الأوضاع والسياسات والمحاور المتعلقة بسوق العمل ولكنه لم يبد أي اهتمام أو رغبة في إقامة علاقات شراكة أو تعاون فقط اكتفي بالتواصل مع أعضاء النقابات المستقلة ومساندتهم في الداخل والخارج. الحريات النقابية * لكن قانون الحريات النقابية يسمح بالتعددية؟ ** ليس صحيحاً فالحريات النقابية لا تعني التعددية فهل يعقل أن يكون في منشأة واحدة أكثر من كيان نقابي بالطبع أمر خاطئ لأنه في حال حدوث أي خلاف أو مشكلة مع صاحب العمل من سيكون له حق التفاوض والحوار لإنهاء الخلافات. ولن نذهب بعيداً فمنذ قيام ثورة يناير وهناك العديد من النقابات المستقلة ومع ذلك لم نستطع حل المشاكل العمالية وإنهاء حالة الاضطرابات ومساندة العاملين في مواجهة القضايا المتراكمة منذ سنوات طويلة والتي تفاقمت بسبب إهمال حلها لعقود طويلة. لذلك أؤكد أن تعدد التنظيمات سيكون الرابح من ورائه هم أصحاب الأعمال وليس العمال. تراجع مركز مصر * الملاحظ أن التقارير الدولية في مرحلة ما قبل الثورة وضعت مصر في مرتبة متدنية بسبب عدم إنشاء النقابات المستقلة؟ ** هذه التقارير الصادرة عن لجنة المعايير بمنظمة العمل الدولية كانت بسبب عدم وجود قانون الحريات النقابية وعلي أي حال فهذا القانون مازال محل دراسة بين التنظيمات العمالية ووزارة القوي العاملة للتوصل لصيغة يتم التوافق عليها لتبدأ بعد ذلك مرحلة العرض علي مجلس الشعب القادم بعد الانتخابات البرلمانية.. * بعد ثورة يناير تم إعداد مشروع قانون بإصدار قانون للحريات النقابية لعام 2011 فماذا عنه؟ ** هذا المشروع كان مقترحاً من أعضاء النقابات المستقلة ولم يكن هناك اتفاق من جانب الاتحاد الرسمي أو وزارة القوي العاملة علي النصوص المقترحة ومن ثم لم يتم إقراره من السلطة التشريعية في هذا الوقت. * يقال إن العمال يرغبون في وجود كيانات موازية لأن الكيان الرسمي لم يرع مصالحهم؟ ** هذا ليس صحيحاً تماماً فالاتحاد طوال تاريخه ليس تابعاً للحكومة ولا يتلقي أوامر منها بل هو المدافع عن حقوق مصالح العمال باستثناء بعض الفترات التي تواجد فيها علي رأس الاتحاد بعض الشخصيات لا داعي لذكرها أفرطت في موالاة النظام القائم ونقل صورة غير حقيقية عن القاعدة العمالية ومشاكلها مما ساهم في ضياع الحقوق وصبغ الكيان العمالي الرسمي بأنه لا يراعي مصالح العمال. تعديل القوانين * هل قانون النقابات العمالية بحاجة إلي تغيير؟ ** بالفعل القانون رقم 35 لسنة 76 الخاص بالتنظيم النقابي بحاجة إلي تعديل علي الرغم من التعديلات لبعض أحكام القانون التي تمت خلال العام الماضي والخاصة باستبعاد أي عضو بمجلس أي نقابة عمالية بعد تجاوزه لسن المعاش وذلك بهدف ضخ دماء جديدة للتنظيمات النقابية. كما أن مجلس إدارة اتحاد العمال تغير أكثر من مرة بعد الثورة والقيادات العمالية الآن واعية وتقود العمل النقابي بروح ومبادئ الثورة. علي أية حال المرحلة القادمة تستوجب إجراء التغييرات في القوانين بما يحقق طموحات عمال مصر وبصفة خاصة في قانون العمل رقم 12 لسنة .2003 * بماذا تفسر زيادة حركة الاحتجاجات العمالية؟ ** لاشك أن ثبات الوضع السياسي طوال 30 عاماً أثر علي الحركة العمالية وكذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مما ساهم في تفاقم المشاكل التي تعاني منها تلك الطبقة ونتيجة لاهتمام النظام الحاكم بطبيعة رجال الأعمال علي حساب العمال تضاعفت وتضخمت المشاكل ولم يستطع الاتحاد مواجهتها مما كان سبباً في انطلاق شرارة الاعتصامات والاضرابات قبل ثورة يناير. تغول رجال الأعمال في سنوات ما قبل الثورة فاق احتمال العمال بدرجة غير مسبوقة وهو أحد الأسباب في زيادة الإضرابات. أوضاع سيئة * ما تقييمك للأوضاع العمالية بعد مرور هذه السنوات؟ ** بدون مجاملة أوضاع العمال سيئة للغاية في الوقت الحالي نتيجة لعدة أسباب منها إغلاق بعض المصانع لسوء الأوضاع الاقتصادية إلي جانب حالات التعثر في نسبة لا يستهان بها. مما أدي إلي تخفيض أعداد العاملين بهذه المنشآت كل هذه الأسباب أدت إلي تفشي البطالة في المجتمع العمالي وهذا أمر كارثي. * هل يساهم الحد الأدني للأجور في تحقيق العدالة الاجتماعية والتخفيف من حدة الاحتجاجات؟ ** سوف يحل جزءا من المشكلة ولكن ينبغي أن يكون هناك نوع من التدرج فلا يعقل أن يحصل العامل في بداية عمله علي 1200 جنيه ويتساوي مع زميله الذي يسبقه في الخبرة والمهارات. هذا اتجاه ولابد أن يواكبه خطوات أخري تتعلق بتوفير رعاية صحية كاملة ومسكن ملائم وبرامج تدريبية للارتقاء بالقدرات والمهارات الفنية بما يلبي احتياجات سوق العمل. لكي يتم تطبيق منظومة للعدالة الاجتماعية لابد من توافر مفهوم اقتصادي متحضر حديث يراعي البعد الإنساني للتنمية ولا يكون معدل التنمية مجرد رقم مادي في حين نجد أن معدلات التنمية في المجتمعات الغربية ترتبط مؤشراته بجودة الحياة. نحن بحاجة إلي رؤية استراتيجية لتصحيح المسار ولابد من التوافق بين أطراف العمل الثلاثة العمال وأصحاب الأعمال والحكومة . * هل هناك تعاون مع منظمة العمل الدولية؟ ** بالطبع هناك تنسيق وتعاون مستمر بين مصر والمنظمة علي كافة المستويات والقضايا المتعلقة بالعمل والعمال وخاصة علي صعيد الحريات النقابية وقضايا التشغيل والحماية الاجتماعية ومصر حريصة علي الالترام بتطبيق كافة الاتفاقيات المصدق عليها والصادرة من المنظمة من منطلق حرصها كافة التزاماتها الدولية. وبصفة عامة مصر تشارك في كافة اجتماعات مجلس إدارة المنظمة بجنيف لمناقشة كافة المستجدات بشأن أوضاع العمالة حول العالم وحالياً مصر تتمتع بعضوية في مجلس الإدارة حتي نهاية عام 2014 وهذه العضوية لا تتكرر سوي كل عقدين تقريباً. * أين دور المنظمة لمواجهة هذه التدخلات؟ ** بخبرتي في التعامل مع العاملين في منظمة العمل الدولية أجد أن كل ما يشغلهم هو تحسين أوضاع العمال من حيث الأجور وتوفير الرعاية الصحية المناسبة وخلق بيئة سليمة للعمل. * ما رأيك في إلغاء نسبة ال 500% للعمال والفلاحين من الدستور؟ ** هذه النسبة لم يستفد منها العمال والفلاحون مطلقاً وحصلت عليها فئات أخري وبالتالي كان من الصعب وضع ضوابط لضمان التمثيل العمالي في مجال الانتخابات والترشح بمجلس الشعب. أولويات العمل * هل تعتقد أن المرحلة القادمة تستوجب أولويات علي قائمة عمل الاتحاد؟ ** بالطبع ولكن لابد أن يكون هناك ترابط وتعاون بين الأعضاء للوقوف إلي جانب العمال ليس بهدف ارضاء جهة دولية ولكن للمحافظة علي حقوق كل العاملين وحسم كل القضايا المعلقة بما يدفع عجلة الإنتاج فلابد أن تتحرك كل الطاقات الاجتماعية إلي طاقات إنتاجية تجنباً لأي آثار سلبية علي مناخ العمل.