ما يحدث في مصر من رفض أي شيء وكل شيء.. أمر يمكن تفهمه وتحمله والدخول في حوار حوله والوصول إلي حل فيه بالمنطق والحجة والإقناع. وما يحدث في أحيان كثيرة من خرق متعدد ومتصاعد للقانون ابتداء من الاحتكاكات والتطاول والبزاءات والسرقات وصولا إلي البلطجة بشتي أنواعها.. أمر هو الآخر متوقع خاصة في ظل انفلات ثم غياب أمني صارخ في الشارع ولكن يمكن إنهاء هذه المهزلة بسهولة بعودة الأمن للشوارع. لكن.. ما حدث ويحدث في قنا علي وجه الخصوص هو أمر عجيب وغريب ومريب.. وليس له سوي معني واحد: ان هناك من لا يريد لمصر ان تستقر وتنهض وتنطلق. *** لنترك الرفض.. فهو قصة.. لها بداية وعقدة وخاتمة. ولندع خروقات القانون بكل أشكالها وأنواعها ودرجاتها لأنها أيضا حكاية محفوظة بمكوناتها الثلاثة والحل في أيدينا. وتعالوا نتوقف أمام ما حدث ويحدث في قنا.. قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير. *** بداية.. وحتي لا يساء الفهم أو يتحرك الخيال المريض لدي البعض ويتهمنا بأننا ندعي ان ما حدث ويحدث في قنا سببه ثورة 25 يناير.. نؤكد وبوضوح لا يحتمل اللبس أو التأويل ان هذه الثورة المباركة لا دخل لها من قريب أو بعيد بالأحداث المخزية في قنا. قبل الثورة كانت هناك أصوات من الاخوة الأقباط ضد محافظ قنا اللواء مجدي أيوب وهو أيضا قبطي. بعد اندلاع الثورة زادت الأصوات المسيحية الرافضة لأيوب والتي تتهمه بالتسبب في هضم حقوق الأقباط وتطالب بعزله هو ومحافظا المنيا وحلوان خاصة بعد الحادث الطائفي الذي دمر كنيسة الشهيدين بقرية "صول" بأطفيح والتي أعادت القوات المسلحة بناءها من جديد علي نفقتها وأقيم بها أمس الأول قداس الشعانين. فجأة.. تم إقالة محافظ قنا وحبسه شهرا.. ثم أجريت حركة المحافظين وتم تعيين اللواء عماد ميخائيل محافظا جديدا لقنا.. وهنا قامت الدنيا ولم تقعد حتي الآن. اكتظت شوارع قنا بالمتظاهرين الذين يرفضون المحافظ الجديد قبل ان يروه. البعض قال إن المتظاهرين خليط من الأقباط والمسلمين الرافضين لتعيين محافظ قبطي بحجة ما عانوه من سلفه مجدي أيوب وهو احتمال ضعيف جدا. والبعض الآخر يؤكد ان المتظاهرين -كل المتظاهرين- من الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة الرافضين ان يكون المحافظ قبطيا!!.. وهو الاحتمال الأقرب إلي الواقع. *** في رأيي.. ان ما حدث ويحدث في قنا مهزلة بكل ما تحمل من معني.. مهزلة وهذه صورها: أولا: ان المحافظ السابق مجدي أيوب ثبت انه بريء من كل الاتهامات التي وجهت إليه وتم الإفراج عنه.. وهذا حقه علينا بأن نعلن براءته. ثانيا: اعتراض بعض الإخوة الأقباط علي المحافظ السابق لا يعني بأي حال من الأحوال انهم يرفضون تعيين محافظ قبطي.. من يتبني نظرية الرفض مهرج ومغرض لأنها لا تتفق مع العقل وطبائع الأمور. ثالثا: انتشار الإسلاميين وخصوصا السلفيين في الشارع القناوي يضر بسلام المجتمع.. خاصة بعد ان طبقوا الحدود بأيديهم وقطعوا أذن قبطي ولا أدري علي أي أساس منحوا أنفسهم سلطة الحاكم؟! رابعا: الفوضي العارمة التي يثيرها الإسلاميون في قنا والتي وصلت إلي حد قطع الطرق ومنع القطارات وإعلان العصيان المدني ومنع الموظفين من ممارسة أعمالهم ببحور دم وفتنة طائفية لن تبقي ولن تذر.. ليس في قنا وحدها ولكن في العديد من المحافظات فهل هذا هو المقصود؟ أم المقصود وأد الثورة وركوبها ومحاولة فرض الدولة الدينية خاصة ان هناك مؤشرات سبقت ذلك في الإسكندرية وغيرها ولافتات رفعت تقول "إسلامية وليست مدنية"؟! *** مشاهد غير معقولة وتفكير لا يصدقه عقل. اننا نرفض تصنيف الشعب الواحد علي أساس ديني أو عقائدي.. فالدين لله والوطن للجميع. نرفض كل محاولات نثر بذور الفتنة والكراهية. نرفض الخروج علي الدولة بأي حجة أو سبب. نرفض من يهدم مبادئ المواطنة والأخوة والتسامح والمحبة. ان هدفنا جميعا يجب ان يكون واحدا وهو النهوض بمصر وإعادتها إلي محورها الطبيعي العربي والأفريقي. ومصيرنا جميعا مشترك.. ومن صالحنا ألا نتمزق وننساق خلف دعاوي وشطحات هدامة لن يستفيد منها سوي أعدائنا. ربنا يستر