الهداية من الرحمن الرحيم هذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر. من يهد الله فما له من مضل. ونور الايمان يجذب أهل الحق. فيقدمون علي اقتحام الصعاب مهما تكن . يضحون بأغلي ما لديهم في سبيل البحث عن نور اليقين. فها هي فتاة من أهل مكه جذبتها أنوار الحق فأخذت تتحين الفرصة للتوجه إلي مصدر هذه الانوار. وفي ليلة هادئة بينما الأهل في انشغال ببعض شئونهم خرجت أم كلثوم بنت عقبة بن معيط أحد صناديد كفار مكه ومن أشد الناس عداء لله ورسوله. قاصدة المدينةالمنورة تريد اللحاق بسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. فقد تشوقت روحها لهذه الهداية. استقلت راحلتها وانطلقت في طريقها إلي هذه الديار التي تنبع الانوار من كل جوانبها وخلال سيرها صادقت رجلا يقصد هو الأخر المدينةالمنورة. فكان رفيقها في هذه الرحلة المباركة. لم تكد أم كلثوم تستقر في مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي فوجئت بأخويها. الوليد وعقبه يريدان العودة بها إلي مكه لكنها لجأت إلي رسول الله لعل الله ينقذها من اخويها فتظل بالمدينةالمنورة لانها شعرت بالسعادة والاطمئنان وسط هؤلاء المسلمين حيث لم تشعر بأي فرق بين المهاجرين والانصار لأن الجميع انصهروا في بوتقة واحدة الكل اخوة متحابون الحب والمودة تربطان القلوب فلا تكاد تفرق من المهاجر ومن من الانصار "محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار. رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود". علي الجانب الأخر توجه الوليد وأخوه عمارة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وطلبا منه تسليم اختهما أم كلثوم وفقا للاتفاقية التي تم توقيعها في صلح الحديبية. لكن الرسول أخبرهما بأن هذا الأمر قد انتهي بالنسبة للنساء بينما أم كثلوم التي كانت تتابع حوار أخويها مع سيد الخلق صلي الله عليه وسلم وحينما وجدت الحسم من جانب الرسول واقتناع أخويها بما قاله الرسول وانصرفا عائدين إلي أم القري. كادت أم كلثوم تطير من الفرح لأنها ستقيم مطمئنة في الديار التي كانت روحها تصفو للاقامة بها وتعيش في رحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم تتمتع بجواره وتهنأ بما تكتسبه من قيم واخلاق ومودة في هذا المجتمع المتآلف فهم خير أمة. وأم كلثوم سعيدة بهذا المجتمع والروابط التي تربط بينهما. بعد مضي فترة قصيرة من سفر أخويها لمكه. استعادت أم كلثوم نضارتها خاصة أنها فتاة جميلة تتمتع برشاقة وجاذبية بالاضافة إلي تمسكها بمبادئ الدين الحنيف فهي الطاهرة العفيفة الملتزمة بشأن كل فتاة عربية من أسرة عريقة تحافظ علي سمعتها وتصون كرامتها ولذلك كانت مطلبا لكل راغبي الزواج. كل واحد يتمني أن يظفر بهذه الفتاة العربية. وقد تهافت علي طلب يدها كل من: زيد بن حارثه والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف وعمرو بن العاص. وقد انتابت أم كلثوم الحيرة. وترددت فيمن تختار من هؤلاء الخطاب. بعد فترة من التفكير اهتدت إلي طريقة حالفها التوفيق فيها وتمثلت في أنها لجأت إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم تستشيره في هؤلاء الخطاب وقدمت له الاسماء. فأشار عليها بأن تتزوج زيد بن حارثة حبيب رسول الله صلي الله عليه وسلم واستجابت أم كلثوم. وتم زفافها إلي زيد فعاشت معه وانجبت منه زيداً ورقية. وقد مات زيد صغيراً. ثم طلقها زيد. وأما رقية فقد كانت في حضانة عثمان بن عفان أخو أم كلثوم لأمها.. وغداً نتعرف علي مسيرة هذه الفتاة وحياتها بالمدينة.