نور اليقين امتلك وجدان كل إنسان رجلا أو أمرأة. وهذه واحدة من النساء قد حباها الله ببسطة في الجسم والجمال. فعلاوة علي كل هذه المقومات الجسمانية كان نور الهداية قد استقر في صدرها. كما أنها لعبت دوراً بارزاً في هدم عادة استمرت لدي العرب سنوات طويلة وهي عادة "التبني" والتي تعرف بأن كل واحد من العرب في مقدرة أن يحتضن طفلاً صغيراً ليس من بين أولاده من صلبه ويظل يرعاه وحين يكبر يصبح ابناً له يحمل اسمه. ويعامل هذا الابن معاملة الابناء من كل وجه في الخلوة وغير ذلك. ورغم أن الله قد أمر بضرورة دعوة هؤلاء الأبناء بالتبني لآبائهم الحقيقيين إلا أن الله أراد هدم هذه السعادة فعلاً. وقد تحقق ذلك وكانت السيدة التي تحن بصدد الحديث عنها في هذه السطور هي التي قامت بدور أساسي مع سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في القضاء علي هذه العادة التي لازمت العرب فترات طويلة. السؤال الذي يتبادر للذهن هو: من تكون هذه السيدة؟ وإلي أي أسرة تنتسب؟ أنها حفيدة عبدالمطلب بن هاشم سيد قريش واسمها زينب وأبوها جحش بن رباب بن يعمر. فهي زينب بنت جحش. وأمها أميمة بنت عبدالمطلب التي أطعمها رسول الله صلي الله عليه وسلم أربعين وسقا من تمر خيبر كما في كتاب "طبقات ابن سعد" جزء 8 ص46 أما خالها فهو حمزة بن عبدالمطلب. وأخوها عبدالله بن جحش والذي نال شرف اختياره ليكون حامل أول لواء عقده رسول الله صلي الله عليه وسلم لجيش المسلمين في الحرب مع المشركين وإليه يعزي بأنه أول من اقترح أن يسن للنبي صلي الله عليه وسلم "الخمس" من غنيمة الحرب التي يكسبها المسلمون في معركتهم مع المشركين. وقد نزل قول الله تعالي مؤيداً لرأيه. يقول رب العالمين "واعلموا إنما غنتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" الآية 41 الأنفال. أما زينب فهي فتاة وهبها الله صفات أهلتها لأن تكون من بين نساء قريش ومن أكملهن صفات كأنثي. وهذه المؤهلات الخلقية جعلتها تعتز بهذه المقومات وذلك الجمال بالإضافة إلي اعتزازها بهذا النسب الرفيع بين فتيات مكة ونسائها. ومما جاء في كتب السيرة والتراجم أن زينب كانت تقول "أنا سيدة أبناء عبد شمس" كما ورد في كتاب "نساء انزل الله فيهن قرآناً" للدكتور عبدالرحمن عميرة نقلاً عن "السمط الثمين" للطبري. زينب اعتنقت الإسلام منذ أن وعت علي هذه الدنيا واتجهت مع أخويها عبدالله وأحمد تردد آيات القرآن الكريم. وقد تغلغل نور الإيمان في صدرها فعاشت في جوار المسلمين بأم القري تعاني كما كان المسلمون الأوائل يعانون. وعندما سمح الرسول للمسلمين بالهجرة إلي المدينةالمنورة هاجرت مع أخويها. وعاشت تلك المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وهي من أفضل العلاقات التي ربطت بين أبناء الإسلام فانصهر الجميع "مهاجرين وانصارا" في بوتقة واحدة. زينب بنت جحش هي الفتاة التي اختارها رسول الله صلي الله عليه وسلم لتلعب دوراً رئيسياً في اذابة الفوارق بين أبناء الإسلام التي توارثوها علي مدي أجيال متعددة. حيث ان هناك طبقة "السادة" و"الموالاة" وهم المحررون بعد الرق. هؤلاء طبقة أدني. والزواج من النادر أن يتم بين فتاة من طبقة السادة وفتي من الطبقة الأدني. ولكن هذه الفتاة قد وقع عليها الاختيار للقيام بهذا الدور. تأكيدا علي أن الإسلام هو دين المساواة بين الناس "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن إكرمكم عند الله أتقاكم أن الله عليم خبير" 12 الحجرات. وقد كانت زينب بنت جحش هي التي كان لها دور رئيسي في تأكيد فضيلة المساواة بين الناس جميعاً خاصة بين أهل الإسلام. وغداً نستكمل هذا الدور لهذه الفتاة المسلمة.