حين تسقط موهبة وتفارقنا شخصية نادرة في زمن قلت فيه المواهب تكون الضربة موجعة تدمي القلب وتدمع العين هذا ما حدث مع رحيل عمار الشريعي أحد أعمدة النهضة الموسيقية المصرية كما تصفه دائماً هذه الصفحة والذي كان دائماً أخباره وتحليل أعماله ركن بارزاً في هذه المساحة ليس لأنه فنان له تواجد في الوسط الفني وله اسهامات إعلامية وشخصية جذابة ولكن لقيمته العلمية ولدوره البارز في تطور موسيقانا. لقد أكدنا بالدراسة والتحليل انه الموسيقار الوحيد علي الساحة الان التي تواكب موسيقاه الكلمات وتوازيها بعد ان تفوقت الكلمة الشعرية علي الموسيقي.. عمار شخصية مثقفة يمتلك بصيرة الناقد العميقة والقدرة الكبيرة علي التذوق والاحساس بالجمال والتي تجلت في برنامجه الإذاعي غواص في بحر النغم وبرنامجه التليفزيوني "إزاي نشوف الموسيقي" الذي يلقي الضوء من خلالها علي جمال الموسيقي التصويرية في الأفلام ولعبت هذه البرامج دوراً كبيراً في الارتقاء بذوق الجمهور. عمار كانت جذوره الصعيدية وشعبياتها ومفردات موسيقاها وكلماتها الشعرية وأيضاً احتكاكه عقب دراسته الجامعية في القاهرة بفرق الموسيقي التقليدية وتعرفه علي الفن الشعبي الوافد مع الوجه البحري وعلي تقنيات العازفين المحترفين في شارع محمد علي ليس هذا فقط وإنما تذوقه للموسيقي العالمية الأوروبية وقراءته المستفيضة في تاريخها وتحليلها ساعده عليها إتقانه للغة الانجليزية بالاضافة لتعليمه المبكر والمتعدد في الموسيقي كل هذا انصهر في بوتقة إبداعه المميز استناداً علي موهبته التي منحها له الله سبحانه وتعالي. عمار وجد ضالته في الموسيقي التصويرية التي تعبر عن أحداث بعينها وكانت فرصته في التجديد التي بدأ بالموسيقي البحتة كما في رأفت الهجان وحين تدخل الكلمات ويستعين بالصوت البشري تتجلي الموهبة كما في "أبوالعلا البشري" و"وبوابة الحلواني" و"زيزينيا" و"المصراوية" وغيرها ولا يرضي ان يستمر معتمدا علي الغناء الفردي فنجده يقدم تجربة جديدة اعتمد فيها علي الغناء الثنائي وذلك في مسلسل "سعد اليتيم" وظل النضج يتوالي ليفاجئنا بمسلسل "ريا وسكينة" التي بدا فيه التعليق علي الأحداث بغناء رباعيات بصوته ثم يصل للذروة في مسلسل "الرحايا" التي تعانقت كلمات الأبنودي وصوت علي الحجار مع موسيقي وألحان الشريعي الذي يوظف كل هذا في اطار أدبيات فن السيرة الشعبية للدرجة التي جعلتنا علي هذه الصفحة نقترح ان يتم صياغتها كملحمة غنائية من جنوب مصر تحمل عبق الفن والأدب الشعبي لهذه المنطقة والتي تجمع بين اثنين من العبقريات المصرية وياليت استمع المسئولون للنصيحة لكان أشرف بنفسه الشريعي علي هذا المشروع ليضفي عليه مفاهيمه الواعية. أما الأغنية الفردية اذا لحن إحداها نجد التطور الموسيقي يبرز أمامنا واضحا وخير مثال سبق ان تناولناه علي هذه الصفحة أغنية شادية "أقوي من الزمن" للنموذج الحديث للأغنية التعبيرية ذات الكاية والتي رسمها علي صوت شادية المليء بالاحساس وجعل لكل آلة دوراً يعبر عن المعني أيضاً من أعماله الخالدة والتي تناولناها أيضاً أغنية "هنا القاهرة" ذات الالحان الثرية والتي موسيقاها وتوزيعها الموسيقي والكورالي ذات قيمة فنية عالية ولا أدري لماذا يغنيها الحجار دائما بدون مصاحبة موسيقية ما أشرنا إليه نقطة في بحر انجازاته التي توجها بكونشرتو العود والأوركسترا والمتتالية العربية التي عزفها مع أوركسترا عمان عام 2005 واني للأسف لم يقدمها الأوركسترا المصري حتي الآن. وماذا بعد والسؤال الان ماذا نفعل لنستفيد من ابداعات عمار الشريعي الذي غاب عنا وتوقفت رحلة ابداعه؟والاجابة ان تشكل لجنة لجمع أعمال عمار من الأكاديميين ويتم تحقيقها وتوثيقها وتصدر للجمهور علي شكل سيديهات وان يتم توزيعها علي الفرق الرسمية هذا ليس فقط تكريما له ولكن حفاظا علي هذا الابداع المتميز لتنهل منه الأجيال الحالية والقادمة لأن ما قدمه لنا عمار خطوة كبيرة متطورة في مسيرة نهضتنا الموسيقية وهذا ما كان ينوي عمار ان يقوم به ولم يمهله القدر. وداعا عمار الشريعي أحد أعمدة النهضة الموسيقية في مصر بلدك التي عشقتها وشاركت في ثورتها ورويت وجدان شعبها بنغماتك الرائعة.