عامر: أتمنى أن ألحق به سريعا.. توفيق: كان يعرف أنه سيموت لكنه لم يبال.. فاضل: خير له الرحيل فى هذا الوقت.. وحامد يدخل فى صمت من الصدمة برحيل عمار الشريعى فقدت الدراما التليفزيونية فى مصر أفضل ألحانها، فالشريعى الذى جعل أغنيات المسلسل أول عوامل الجذب للمشاهدة قبل أبطال العمل، ولأن الشريعى شارك فى تقديم الموسيقى لأهم الأعمال التليفزيونية فى الثلاثين عاما الماضية فقد كانت الصدمة كبيرة على صناع الدراما مثلما كان واقعها على الوسط الغنائى فى مصر.
الكاتب محمد صفاء عامر أحد المقربين من الشريعى وأكثرهم عملا معه فى مجال الدراما التليفزيونية قال: «رغم وجودى على فراش المرض لكن مصيبتى لا تقدر بفقدان جزء من قلبى وهو عمار الشريعى، لقد اشتركنا فى عدة أعمال تليفزيونية منها مسلسل عدى النهار وكان آخر عمل جمعنى به هو حدائق الشيطان».
وأضاف عامر قائلاً: «لقد شكلت أنا وهو ومعنا المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ ثلاثى نجاح لعشرات السنين، فقد كان عمار عِشرة عمر وكان يضفى البهجة على أى مكان يتواجد فيه، أتمنى أن ألحق به سريعا».
الفنان القدير محمد وفيق، الذى سبق أن تعامل مع الشريعى فى مسلسلات «رأفت الهجان» قال فى تصريحاته إن الشريعى كان يملك شعورا أنه سيموت وكان لا يبالى بكلام الأطباء، كان شخصا يتحدى أى أمر يقف أمامه حتى نهاية حياته.
الفنانة هالة فاخر هاجمت إهمال الدولة لحالة الشريعى الصحية وقالت: «أشجب تباطؤ السلطات فى التعامل مع حالته الصحية وسفره للخارج لأن الشريعى قدم الكثير للوطن وكان يجب أن يراعى أكثر من ذلك».
الفنانة صابرين والتى شاركت الشريعى فى أعمال كثيرة منها «ليالى الحلمية»، «أهالينا»، و«أم كلثوم» قالت: «الشريعى هو الضلع الثالث الذى فقدناه من مثلث الدراما بعد رحيل أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ، كلهم رحلوا فى ظروف وأحداث سيئة على مصر»، واختتمت صابرين بكلمة: «يابخت من فات فى هذا الوقت العصيب».
فيما وصفت الفنانة إلهام شاهين عمار بالمبدع الذى لن يتكرر مرة أخرى وقالت: «آخر مرة تقابلنا فيها كان منذ شهرين أو ثلاثة عندما ذهبت لزيارته فى باريس فى المستشفى، كان معه الفنان محمود عبدالعزيز والمخرجة إيناس الدغيدى وكانت حالته الصحية فى البداية غير جيدة وعضلة القلب ضعيفة، وقالوا إنه بعد عمل العملية الخاصة له فى القلب سيمتثل للشفاء، وبعد نجاح العملية أكدوا أن حالته الصحية جيدة وواضح أن الكلام الذى قيل لم يكن صحيحا».
وأكدت الفنانة كريمة مختار أن خسارة مصر كبيرة لفقدها موسيقارا عظيما بحجم عمار الشريعى فهو شخص لا يوجد له نظير، وأضافت الفنانة كريمة مختار قائلة: «لا أعلم بعد فقدان الشريعى ماذا سوف يرسل لنا الله، فهو قيمة كبيرة وله إخلاص كبير فى الفن ومهما قيل من كلام لا يمكن وصفه أو التحدث عنه».
المخرج محمد فاضل الذى شارك الشريعى فى تقديم عدد من موسيقى أعماله مثل «أخو البنات» و«قال البحر»، قال معلقا على وفاة الشريعى: «لقد فقدنا شخصا من أعظم ما أنجبه الفن حيث خلق لنا نوعا جديدا فى الموسيقى ولديه موهبة لا تعوض فى الموسيقى التصويرية، لقد عملنا معا كثيرا وكان معنا سيد حجاب، قمنا بعمل أول فيلم لى به موسيقى تصويرية وهو «حب فى الزنزانة»، كما أضاف فاضل قائلا: «خيرا للشريعى رحيله فى هذا الوقت حتى لا يرى ما تمر به مصر فى الوقت الحالى».
وكانت صدمة السينارست وحيد حامد هى الأكبر فعندما سمع الخبر أثناء محادثتنا له هاتفيا لم يكن قد علم بالخبر بعد فصمت ولم يتكلم.
أبناء الشريعى يودعونه لطيفة: أذاقنى طعم النجاح.. أنغام: كل عمل معه يعتبر نقلة فى حياتى آمال ماهر: الخبر نزل على رأسى كالصاعقة.. غادة رجب: رحل فى وقت صعب لا نرى فيه سوى الحزن والبكاء
عبر مشواره الفنى الطويل كان للشريعى أبناء قدمهم للساحة الغنائية قبل أن يتحولوا إلى نجوم لكن دعمه لهم استمر على المستويين الفنى والشخصى، وهو ما جعله بالنسبة لبعضهم أشبه ب«الأب الروحى» وهى الكلمة التى ترددت عندما تحدثوا عن رحيل الشريعى..
المطربة غادة رجب إحدى تلميذات الشريعى والتى قدمها مع منتصف التسيعينات قالت عن وفاة الشريعى: «فقدت أستاذى ووالدى الفنى، رحل فى وقت صعب لا نرى فيه سوى الحزن والبكاء»، واعتبرت غادة أن العالم العربى فقد أهم أعلامه فى عالم الموسيقى فى ال30 سنة الأخيرة، كما اعتبرت أنها الخسارة الأكبر لمصر على المستوى الموسيقى فى الفترة الأخيرة. المطربة التونسية لطيفة صرحت من لبنان قائلة: «أشعر بحزن بالغ على فراق عمار الشريعى، فعمار هو أخى الذى لم تلده أمى، ولا أعرف كيف ستكون الحياة بدونه، لأنه دائما ما كان يساندنى فى جميع الأزمات والنجاحات، لم أعرف طعم النجاح إلا معه».
وأضافت أنها قامت بمكالمته هاتفيا الأسبوع الماضى وكانت حالته الصحية قد بدأت فى الاستقرار وبدأت معنوياته فى الارتفاع، وأنها كانت تتمنى التواجد فى القاهرة لتقديم العزاء لأسرته لكنها تتواجد حاليا فى بيروت وستنتقل لدبى لارتباطها بعدة أعمال، وهو ما سيحول دون مشاركتها فى عزائه، لكنها أكدت اتصالها بزوجته التى أصابها الانهيار، حسب تصريح لطيفة.
آمال ماهر إحدى اكتشافات الشريعى الأخيرة قالت: «الخبر نزل على رأسى كالصاعقة، فمهما عرف الجميع عن طيب علاقتى به فلن يصلوا إلى الحقيقة»، ورغم عدم تعامل آمال مع الشريعى منذ فترة طويلة إلا أنها اعتبرت أنها فقدت جزءا من مسيرتها الفنية بخسارة والدها الفنى كما تحب أن تطلق عليه.
أنغام التى شاركها الشريعى فى عدد كبير من أغنياتها فى بداية مسيرتها الغنائية، قالتك «لا أعرف كيف أرثى الشريعى.. صدمة كبيرة جدا علينا جميعا، افتقدنا الصديق والأستاذ».. أنغام قدمت مع الشريعى عددا من الأغنيات الوطنية بالإضافة لتتر مسلسلى «العائلة» و«حديث الصباح والمساء»، واختتمت حديثها قائلة: «عمار قيمة لن تتكرر فكل عمل له كان يعتبر نقلة فى حياتى».
جوائز وتكريمات فى مشوار الشريعى جائزة مهرجان «فالنسيا»، إسبانيا عام 1986. جائزة مهرجان «فيفييه»، سويسرا عام 1989. وسام التكريم من الطبقة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد، سلطنة عمان عام 1992. وسام التكريم من الطبقة الأولى من الملك عبدالله بن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية. العديد من جوائز الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما والمركز الكاثوليكى للسينما ومهرجان الإذاعة والتليفزيون عن الموسيقى التصويرية من عام 1977 حتى عام 1990. جائزة الحصان الذهبى لأفضل ملحن فى إذاعة الشرق الأوسط ل17 عاما متتالية. جائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2005. وسام التكريم من الطبقة الأولى مرة ثانية من السلطان قابوس بن سعيد، سلطنة عمان، عام 2005.
رباعى الشريعى يتحدثون ل«الصباح»: ودع الأبنودى فى مكالمة تليفونية.. وحجاب: كلماتى بدون موسيقى عمار ليس لها هدف.. والحجار: كل صناع موسيقى المسلسلات الآن تقليد للشريعى لم يعرف الوسط الدرامى فى مصر رباعيا بقوة «عمار الشريعى، الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، والشاعر سيد حجاب، والمطرب على الحجار».. إنهم الأقوى على الإطلاق فى الثلاثين عاما الأخيرة، يكفى أن تبدأ ب«زينب والعرش» وتنتهى ب«شيخ العرب همام»، وما توسطهما كان أقوى..
الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى كان من أكثر المصدومين برحيل الشريعى، الأبنودى قال فى بداية كلامه: «الأمر كارثة بالنسبة لى لأننى أفتقد «الونيس»، عشرتى بعمار تجاوزت 30 سنة بدأت بمسلسل عبدالله النديم وبعدها رحلة أبوالعلا البشرى وفيلم البرىء، واختتمنا المشوار بثلاثية الرحايا وشيخ العرب همام ووادى الملوك»، وأضاف الأبنودى قائلا: «الشريعى كان قامة على المستوى الإنسانى، فهو لديه قدرات لا تقل عن مجدد الأدب العربى الدكتور طه حسين، والمتابع لرحلته منذ البداية يعرف ذلك، فقد دخل مدرسة فاقدى البصر وبعدها تعلم الموسيقى وأتقنها ليتحول لصانع ويترجمها كناقد فى برنامج مرئى وهو سهرة شريعى الذى أذيع على قناة دريم ومسموع وهو غواص فى بحر النغم، أعتقد أنه حالة لن تتكرر مرة أخرى فى تاريخ الموسيقى».
وعن آخر اتصال جمع بينهما قال الأبنودى: «فوجئت من 3 أيام وهو يعرف أننى أنام فى وقت مبكر، باتصال تليفونى منه فى وقت متأخر من الليل ووجدته يتحدث معى عن الصداقة اللى بينا ومشوارنا المشترك وأمور خاصة وعاد للحديث عن طفولته وكلمنى عن أمه وعن أيام المدرسة وعن صديقنا المشترك إبراهيم محمد إبراهيم، وكان قد زارنى قبل سنة مع على الحجار ومحمود سعد فى الإسماعيلية.. كانت المكالمة كأنها مكالمة وداع وأحسست وقتها بأنه مجهد فطلبت منه النوم لأن النوم كان عزيزا عليه جدا فى هذا التوقيت».
الشاعر الكبير سيد حجاب أحد أكثر الشعراء تعاملا مع الشريعى خاصة فى أغنيات المسلسلات قال عن رحيل الشريعى: «لقد أصبت بصدمة، ولا أعرف كيف أرثيه فهو الصاحب والصديق والأخ والرفيق، كلماتى بدون موسيقى عمار ليس لها هدف، والشريعى اسم كبير فى الموسيقى لا يمكن أن نختصره فى كلمة.. ربنا يلهمنا الصبر على رحيله».
الفنان على الحجار أكثر من تغنى بألحان الشريعى والذى اعتبر أن جزءا كبيرا من نجاحه الطويل فى أغنيات الدراما أو أغنيات ألبوماته كانت يعود للشريعى، وعبر الحجار عن ذلك قائلا «كنت دائم التردد عليه طوال الفترة الأخيرة، مشوارى مع عمار يحتاج إلى كتب فقد بدأت معه منذ عام 1979، يمكننا أن نعتبر أن عمار هو عبدالوهاب زمانه، هو الذى وضع شكلا لأغنيات المسلسلات والباقون قلدوه، لقد استطاع مع سيد حجاب والأبنودى أن يضعوا شكلا جديدا لأغنيات التترات، وقدموا الأغنيات الداخلية للمسلسلات والتى لم تكن موجودة من قبل»، وأضاف الحجار قائلا: «لقد غنيت معه أغنيات مسلسل الأيام وكانت 50 أغنية، وفى عبدالله النديم 22 أغنية، وفى قال البحر 17 أغنية وفى حدائق الشيطان وغيرها، يمكن أن تقول إننى قدمت مع الشريعى أكثر من 1000 أغنية».
ويتذكر الحجار أحد المواقف الشهيرة له مع الشريعى والتى قال فيها «عندما قدمنا أغنية الجزء الثانى من مسلسل المال والبنون، رفض الشريعى أن يلغى موسيقى بليغ التى قدمها فى الجزء الأول وقال بليغ لا يقارن بأحد».
علىّ أكد أنه كان يجتمع بعمار فى منزله كل خميس حيث كان منزله أشبه بالصالون الثقافى، وعلق على ذلك قائلا «كنا نتكلم فى الأدب والغناء والبلد وكان دائما ما يقول أمام الناس: على الحجار بيخلينى أغنى وأنا سايب إيدى.. لقد استفدت من عمار وعلمنى أول قاعدة فى حياتى وهى كيف أغنى بشكل مختلف، وكيف أبذل مجهودا أكبر فى الأغنية»، واختتم الحجار كلامه قائلا «أتذكر أنه فى غناء الأغنيات الداخلية لفيلم «البرىء» قال لى: متغنيش كده غنى عادى والطرب هييجى بعدين».
رحلة الأستاذ من سمالوط إلى سمالوط كان الحزن ظاهرا بقوة على وجوه حضور افتتاح مهرجان الموسيقى العربية الأخير فى الإسكندرية الذى أقيم فى شهر نوفمبر الماضى، حينما ظهر عمار الشريعى على المسرح. فالرجل الذى اعتاد جمهوره أن يشاهدوه وهو يتحرك بمرح ظهر مريضا هذه المرة، لكن كان للشريعى رأى آخر فى حالة الحزن التى خيّمت على المسرح فى هذه اللحظة، حيث قرر أن يلقى كلمة بسيطة اختتمها بدعابة ليترك المسرح والجمهور فى حالة سعادة، قد يكون هذا آخر ظهور جماهيرى للشريعى، لكنه يلخص حياته لرجل طالما كان وسط جمهوره ليصنع لهم السعادة.
ولد عمار على محمد إبراهيم على الشريعى الشهير ب«عمار الشريعى» فى 16 أبريل عام 1948 بمدينة سمالوط بمحافظة المنيا، ولد كفيفا ودرس بمدرسة المركز النموذجى لرعاية وتوجيه المكفوفين، تلقى علوم الموسيقى الشرقية بمدرسته الثانوية وهو ما جعله يتقن العزف على آلة البيانو والأكورديون والعود وأخيرا الأورج.
ورغم دراسته للغة الإنجليزية وحصوله على ليسانس الآداب فى اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة عين شمس، إلا إنه لم يتخل عن حبه لدراسة الموسيقى، حيث درس التأليف الموسيقى فى مدرسة «هادلى سكول» الأمريكية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، قبل أن يلتحق بالأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى.
بدأ الشريعى حياته العملية عام 1970، حيث عمل كعازف لآلة الأكورديون ثم تحوّل لعازف للأورج حيث بزغ نجمه فيها كأحد أبرع عازفى السبعينيات. مع منتصف السبعينيات اتجه للتلحين الموسيقى، حيث قدم أولى ألحانه لأغنية «امسكوا الخشب» للمطربة مها صبرى عام 1975 وهى الأغنية التى حققت وقتها نجاحا كبيرا.
قدم الشريعى خلال تاريخه 150 لحن لكبار مطربى مصر والعالم العربى وقدم عددا كبيرا من الأصوات الشابة ففى عام 1980 قدم «منى عبد الغنى وحنان وعلاء عبد الخالق» من خلال فرقة «الأصدقاء»، كما قدم فى بداية التسعينيات المطرب حسن فؤاد من خلال تتر مسلسل «أرابيسك» وهدى عمار التى حصلت على اسمه كلقب فنى لها، كما شارك أيضا فى تقديم عدد من المطربين الشباب منهم «ريهام عبد الحكيم ومى فاروق وآمال ماهر وأحمد على الحجار».
النجاح الأكبر للشريعى كان فى الأعمال الدرامية، حيث قدم حوالى من 150 عملا خلال مشواره أشهرها فى السينما «البرىء، البداية، حب فى الزنزانة، كتيبة الإعدام، حليم»، وفى التليفزيون «الأيام، بابا عبده، دموع فى عيون وقحة، رأفت الهجان، عصفور النار، دموع فى عيون وقحة، أرابيسك، العائلة، الراية البيضا، الشهد والدموع، زيزينيا، امرأة من زمن الحب، أم كلثوم، حديث الصباح والمساء، لا، حدائق الشيطان، ريا وسكينة، شيخ العرب همام»، كما قدم فى المسرح عددا من المسرحيات الغنائية الشهيرة منه «علشان خاطر عيونك، والواد سيد الشغال، وإنها حقا عائلة محترمة، ويمامة بيضا».
عام 1998 تزوج الشريعى من الإعلامية ميرفت القفاص التى رافقته حتى نهاية حياته وأنجبت له ابنه الوحيد مراد، ولم يغب اسم الشريعى عن الثورة فهو يعد من أوائل الفنانين دعم للثورة من خلال تصريحاته التى هاجم فيها الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك أو وزير إعلامه أنس الفقى فى كثير من التصريحات التليفزيونية، بالإضافة لتواجده الدائم فى ميدان التحرير رغم حالته الصحية وقتها، ومن المقرر أن تنتهى رحلة «الأستاذ» كما يعرف الشريعى فى الوسط الفنى فى مدينته سمالوط حيث يدفن كما بدأت أيضا. الغواص فى بحر النغم.. وداعا «البرىء».. «كتيبة الإعدام».. «ليالى الحلمية».. «الشهد والدموع».. «رأفت الهجان»، و«أرابيسك»، ألحان وأغانى هذه الأعمال لا يمكن أن تنصرف آذاننا عندما نسمعها دون أن تستوقفنا، بل تذوب دواخلنا من صدق وعمق هذه الموسيقى. تلك التى شكلت الكثير من وعينا وإحساسنا بالرسائل التى حملتها هذه الأعمال، فهو آخر ضلع فى أهم مثلث درامى مثله مع أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ الذين حوّلوا الدراما المصرية إلى حالة أدبية، دخلت بهم كل بيت عربى. الغواص فى بحر النغم أو الموسيقار الكبير عمار الشريعى الذى فارق عالمنا هذا الجمعة الماضى، ربما لا نجد اسما أهم منه فى صناعة الموسيقى التصويرية، هذا الاسم الذى تربينا على أنغامه، وتذوق ألحانه جيل بعد آخر على مدار 40 عاما هى عمر إبداعه الفنى، أبحر ليكتشف جديد الموسيقى التى عشنا فيها بل عاشت معنا، فهو أهم من وضع الموسيقى التصويرية فى تاريخ الفن المصرى، بل إنه ساهم فى تطوير الموسيقى التصويرية من مجرد خلفيات لمقطوعات مجردة، إلى اكتشافه الموسيقى التعبيرية التى تساهم فى التجسيد الدرامى بجانب العناصر الفنية الأخرى، وهو أبرز من حافظوا على الهوية المصرية فى موسيقاه، خصوصا فى الألحان التى أعاد فيها تقديم التراث الشعبى فيها، مثل تتر «شيخ العرب همام»، «واقف فى وش الرياح»، أو تتر مسلسل «حليم»، بل ينسب إليه اختراع عدد من الإيقاعات الشرقية المصرية التى سجلت باسمه، واختراع ثلاثة أرباع تون.
وعلى الرغم من الرصيد الضخم من الأعمال الفنية التى قدمها الشريعى، إلا أن حجم التكريمات التى نالها لا تتناسب مع حجم إسهامه فى تطوير الموسيقى المصرية، ونجد أن معظم تكريماته جاءت من خارج مصر أصلا، إلا أن الموسيقار عمار الشرعى لا يحتاج إلى تكريمات مادية فوجوده بموسيقاه وأغانيه داخل كل مصرى وعربى تأثر به هو التكريم الأعظم الذى سوف يخلّد اسمه كلما رنت أنغامه فى مسامعنا.
وصية الشريعى الأخيرة: «ادوا فلوس علاجى للمحتاجين» مرّ الموسيقار عمار الشريعى قبل وفاته بحالة عصيبة من المرض، فقد احتاج للسفر لأمريكا لزراعة قلب، وهو الأمر الذى استخدمه الكثيرون كنوع من الدعاية لصالحهم دون النظر إلى تدهور حالته يوما بعد آخر. ويبقى إهمال علاج الشريعى معلقًا فى رقبة الكثير من الجهات، يأتى على رأسها الدولة التى تأخرت فى علاجه، وتعاملت مع الأمر كدعاية سياسية لها دون أن تنفذ وعودها بسرعة علاجه على نفقة الدولة، كما تتحمل نقابة الموسيقيين المسئولية أيضا التى تنافس أعضاؤها المختلفون فى الأساس على الظهور بمظهر الداعم للشريعى دون أن يقدموا أى دعم حقيقى له، وأخيرا تبقى هيئة العلاج التى كلفت بعلاجه هى آخر المسئولين، خاصة مع ظهور الكثير من التصريحات بالحاجة لسرعة علاجه فى الخارج وهو الأمر الذى تأخر حتى وفاة الموسيقار الكبير.
إيمان البحر درويش، نقيب الموسيقين، قال ل«الصباح» إن الشريعى رفض أن تنفق الدولة على علاجه لأنه من العائلات ميسورة الحال، ولم يكن فى حاجة للعلاج على نفقة الدولة. وقال إن الشريعى صرّح له: «بدل ما الدولة تصرف على علاجى، ادوا الفلوس دى للمحتاجين»، وأن ما يذاع عن إنفاق الدولة على علاجه كذب لأنه تحمل كل النفقات. وفى الأسبوع الأخير لرحيله ضعفت عضلة القلب لتصل إلى 5%، لكنه كان يصارع المرض ويسخر من الأوضاع السياسية الراهنة للبلاد كعادته، وكان يتحدث كثيرا لزائريه، وعلى رأسهم رفيق دربه المخرج عمرو الصيفى.
وأضاف أن الشريعى كان عبقريا وقادرا على تحدى كبار الموسيقيين فى العالم، كما أنه قدّم العديد من المواهب التى صارت نجوما، وكان لابد من تكريم الدولة له بشكل لائق، وأن تقدم أعماله بصفة مستمرة إعلاميا، كما أكد أنه سيتم وضع صوره على جدران النقابة، ورغم الخلاف القائم بينه وبين بعض أعضاء النقابة، إلا أنه سيتم اختيارأفضل تكريم للشريعى بالاتفاق معهم.