مشهد من مسلسل » الجماعة« لا يعرف الكثيرون أن أول ظهور للموسيقي التصويرية كان في عام 586 ق.م حيث وجدت مدونة موسيقية في معبد مدينة "دلفي" الإغريقية عبارة عن أغنيات لأبوللو بعنوان "أغنيات التنين" تصف خمس حالات انفعالية في خمس حركات موسيقيه هي الاستعداد، التحدي، الحرب، المديح، رقصة النصر. ومنذ منتصف القرن التاسع عشر ظهرت الموسيقي التصويرية تحت مسمي "موسيقي البرامج" حيث استخدم الموسيقيين المضامين الأدبية، والشعرية، والتصويرية، لتأليف موسيقي مستوحاة منها وكان منهم آنذاك "برليوز، وليست"، وتبعهم بعد ذلك في عصور لاحقة عليهم "ريتشارد شتراوس، بارتوك، سترافنسكي، وهيندميت". ومع ظهور السينما الصامتة في بداية القرن العشرين كان للموسيقي التصويرية دور أساسي لأنه كان يتوجب عليها التعليق علي الموقف الدرامي لتعويض دورالحوار الكلامي، وكان أولي الأفلام السينمائية الصامتة التي وضع لها موسيقي تصويرية هو فيلم "اغتيال دوق ديجايز" عام 1908م ووضع موسيقاه آنذاك الموسيقي الفرنسي "كاميل سانت ساينز" ، وتوالي بعدها استخدام الموسيقي علي الأفلام الصامتة ولعل من أبرزها في فرنسا أفلام تشارلي شابلن. وفي أمريكا قام رائد السينما الأمريكية د. و. جريفيث بتأليف الموسيقي التصويرية لفيلميه الشهيرين "مولد أمة" عام 1915، و"تعصب" عام 1916، والتي قامت بعزفها فرقة موسيقية أثناء عرض الفيلمين. وكانت الموسيقي التصويرية ترافق عرض الأفلام الصامتة الضخمة الإنتاج، وكان بعضها يؤلف كمقطوعات موسيقية مستقلة تناسب مشاهد الفيلم، أو يتم اختيارها من المؤلفات الموسيقية الشهيرة. وكانت تقوم بعزفها فرق موسيقية ضخمة في مقدمة المسرح في دور السينما الفخمة الموجودة في المدن الكبري. أما في المسارح الصغيرة الموجودة في الأقاليم فكانت تلك المهمة توكل إلي عازف بيانو يعزف المقطوعات الموسيقية المناسبة لمشاهد الفيلم. وتتطلب الموسيقي التصويرية دقة متناهية في التوقيت لكي تتزامن مع الصورة، كما تتطلب جهدا كبيراً وموهبة في التأليف الموسيقي. وقد واجه كبار المؤلفين الموسيقيين صعوبات كبيرة في أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي عندما أصبح تأليف الموسيقي التصويرية جزءاً أساسياً من مقومات الفيلم السينمائي في هوليوود. فقد فرض ظهور "المدرج الصوتي المتزامن" علي المؤلف الموسيقي قيود جديدة، حيث أنه وجد نفسه ملزماً بإخضاع ألحانه الموسيقية لفترات زمنية بالغة الدقة لتتماشي مع الصورة، إضافة إلي إخضاعها لمقتضيات حبكة قصة الفيلم وتعقيدات المدرج الصوتي، بما فيه من حوار ومؤثرات صوتية وألحان موسيقية .
و الموسيقي التصويرية في الأعمال الأدبية هي المعادل المسموع للصورة المرئية سواء في المسرح أو الإذاعة أو السينما أوالتليفزيون ، ووظيفتها ابراز الحالات الإنفعالية المختلفة للممثل ، والمواقف الدرامية المتعددة . وكانت الموسيقي التصويرية في بادئ الأمر تعتمد علي الموسيقي البحتة فقط ، أما الآن فقد اقتحم الغناء مجال الموسيقي التصويرية جنبا الي جنب الموسيقي البحتة. وفي مصر أصبح شهر رمضان مسرحا للتباري في مجال التأليف الموسيقي، والغناء، من خلال فيض المسلسلات التي تتزايد عاما بعد عام . وفي هذا العام تواجد عدد كبير من أسماء الموسيقيين والمطربين المطربات منهم المخضرمين في هذا المجال، ومنهم الأجيال الجديدة، وآخرون كان رمضان هذا العام ميلادا لهم في هذا المجال . وقد تصدرت ألحان الموسيقي الكبير عمار الشريعي من حيث الكم تترات المسلسلات الرمضانية لهذا العام والتي بلغ عددها سبع مسلسلات هي "شيخ العرب همام"، "أكتوبر الآخر"، "سنوات الملح" وجميعهم من غناء علي الحجار . اغتيال شمس" غني تتريه محمد الحلو، "سامحني يازمن" من غناء غادة رجب، "مذكرات سيئة السمعة" غناء جنات، "بيت الباشا" غناء صوت جديد هو أحمد جمال . وبذلك نجد أن عمنا عمار أعتمد في هذا العام علي التترات المغناة فقط. وكان للملحن محمود طلعت نصيب كبير أيضا في تترات المسلسلات لهذا الرمضان فقد وضع ألحان خمسة مسلسلات جميعها من نوع التترات الغنائية، كتب كلماتها الشاعر الموهوب أيمن بهجت قمر حيث كان هذا الثنائي تميمة النجاح للعديد من تترات المسلسلات في السنوات الخمس الماضية، وهذه المسلسلات هي "بابا نور" و "اللص والكتاب" وكلاهما من غناء مدحت صالح والأخير في مقام الكرد ،علي إيقاع الدويك . "حكايات وبنعيشها" الجزأين وكان اللحن في مقام الكرد أيضا ، وعلي إيقاع دويك ، وغنته جنات. و"ماما في القسم" وغني تتر البداية أحمد فهمي في مقام الحجاز علي إيقاع الدويك، وتتر النهاية غناه المطرب الشعبي عبد الباسط حمودة في مقام الصبا، وعلي إيقاع الدويك أيضا الذي سيطر علي ألحان تتراته في هذا العام، وأخيرا "فرح العمدة" غناء كارول سماحة التي تخوض مجال تترات المسلسلات لأول مرة، وهذا التتر من كلمات مصطفي إبراهيم.
أما الموسيقيان الكبيران عمر خيرت، وياسر عبد الرحمن وهما نجمان هامان في تاريخ الموسيقي التصويرية في مصر، فقد وضع كلا منهما لحن مسلسل واحد فقط، فالأول وضع تتري مسلسل "الجماعة" وهو من نوعية التترات الموسيقية، وكان في مقام النهاوند علي ايقاع غربي رباعي الميزان، وقد استخدم آلات الأوركسترا الغربي في التنفيذ الموسيقي. أما ياسرعبد الرحمن فوضع ألحان مسلسل "موعد مع الوحوش" وهو من نوع التترات الموسيقية أيضا، وقد لحن تتر البداية من نغمات مقام البياتي، علي ايقاع الصعيدي، وآخر من ابتكاره، وقد استخدم في التنفيذ الموسيقي آلات المزامير _عطاء المعادل السمعي بالبيئة الصعيدي التي يدور فيها المسلسل. وهناك عودة للملحن هاني مهني لمجال الموسيقي التصويرية من خلال مسلسل "امرأة في ورطة" من غناء غادة رجب. وعودة أميرعبد المجيد من خلال تتر مسلسل "قضية سعيد مهران" من غناء المغربية أسماء لمنور. أما خالد حماد فوضع تتر مسلسل "بالشمع الأحمر" من نوعية الموسيقي البحتة، وهو يضع تترات مسلسلات الفنانة يسرا منذ عدة سنوات ماضية. ومن الموسيقيين السوريين الذين وضعوا تترات المسلسلات كان رعد خلف الذي عرفه الجمهور المصري العام الماضي من خلال مسلسل "قلبي دليلي" ، والذي وضع هذا العام تتري مسلسل "ملكة في المنفي" في مقامي النهاوند، والكرد، علي ايقاعات ذات طابع غربي، مستخدما آلات الأوركسترا، وموظفا الكورس الصناعي في التترين، ومسلسل "عابد كرمان"، وكلاهما من تترات الموسيقي البحتة. وهناك مجموعة ملحني أغنيات الألبومات الذين اقتحموا مجال الموسيقي التصويرية أيضا، ولعل من أبرزهم محمد مصطفي الذي وضع لحن تتري مسلسل "برة الدنيا" وغناه أحمد سعد من كلمات بهاء الدين محمد. ومحمد رحيم الذي وضع تتري مسلسل "مملكة الجبل" الذي غناه أحمد سعد أيضا بكلمات عبد الرحمن الأبنودي . أما وليد سعد فوضع تترات مسلسلي "العار" الذي غناه الصوت اللبناني آدم ، و"أهل كايرو" غناء الإماراتي حسين الجاسمي، وكلاهما من كلمات أيمن بهجت قمر، وهما من التترات المميزة في هذا العام. لأول مرة : وهناك فئة أخري من الملحنين والمؤلفين الموسيقيين تواجدت أسمائهم علي تترات المسلسلات الرمضانية لأول مرة ونذكر منهم : عمرو إسماعيل الذي وضع تترات مسلسلات "زهرة وأزواجها الخامسة" وغنته جنات في مقام النهاوند والكرد، وايقاع المصمودي الصغير، و والكلمات لنجل مؤلف المسلسل وهو حسين مصطفي محرم، ومسلسل "الكبير" غناء بطل العمل أحمد مكي، و "قضية صفية" و "شاهد إثبات" من نوع تترات الموسيقي البحتة. نبيل علي ماهر الذي وضع لحن تتري مسلسل "أزمة سكر" وغناه الصوت الجديد ممدوح بيرم في مقام الحجاز وعلي ايقاع المقسوم البطئ. والسكندري حمدي رؤوف الذي وضع لحن تتري السائرون نياما وغناه علي الحجار في مقام الحجاز في تتر البداية، وشاركتة فردوس عبد الحميد في تتر النهاية الذي جاء في نغمات مقام النهاوند وعلي ايقاع الفلاحي، وكلمات الأغنيات لجمال بخيت. تامر كروان وضع لحن تتري مسلسل "ريش نعام" غناء هدي عمار ومن كلمات إبراهيم عبد الفتاح في مقامي النهاوند، والكرد علي ايقاع غربي وآخر شرقي هو الوحدة الكبيرة. هاني فاروق الذي وضع لحن تتر مسلسل "الحارة" غناء طارق الشيخ ووضعه في مقامات شرقية هي البياتي والصبا. وأخيرا هشام جبر الذي قدم موسيقي تتري مسلسل "عايزة أتجوز" وهي من نوع تترات الموسيقي البحتة في مقامي النهاوند والكرد وإيقاعات غربية منها الريجي . ومما سبق يتضح لنا أن التترات المغناة طغت علي تترات الموسيقي البحتة، ذلك لأن الموسيقي البحتة هي الأصعب في التأليف والتوزيع الموسيقي من ناحية، ومن ناحية أخري أن معظم واضعي التترات من الملحنين وليس المؤلفين، حيث أن المؤلف الموسيقي يجب أن يمتلك المعرفة بعلوم الموسيقي الذي يمكنه من كتابة النوتة الموسيقية الموزعة علي الآلات الموسيقية والمعروفة ب"البرتاتورا". كذلك نجد أن جميع تترات المسلسلات الصعيدي كتبت باللهجة الصعيدي. وأن مقامي النهاوند والكرد طغيا في تلحين تترات المسلسلات سواء المغناة، أو الموسيقية فقط، وذلك مقارنة بالمقامات الأخري التي تواجدت في موسيقي التترات. وأخيرا نجد أن تترات المسلسلات أصبحت وجهة لجميع مطربي الوطن العربي في هذا الشهر الكريم نظرا لكثافة المشاهدة من جانب، والتواجد الفني من جانب آخر، خاصة وأن العديد من المطربين والمطربات كان ميلادهم من خلال تترات المسلسلات في شهر رمضان الكريم ونذكر منهن حنان ماضي من خلال مسلسل "المال والبنون"، ووعد البحري من خلال مسلسل "أسمهان".