أري أن مصر لن تحرز التقدم الذي ننشده جميعا إلا إذا أتقن كل منا عمله ..ونحي التسيب والإهمال جانبا واضعا نصب عينيه الآثار والنتائج التي يمكن أن تترتب علي هذا العمل. تعرضت لحادث سير كاد أن يودي بحياتي وحياة أسرتي الصغيرة في الواحدة والنصف من صباح السبت 6 أكتوبر..ولم يكن ذلك ناتجا عن خطأ مني وإنما كان نتيجة مباشرة لمظهر من مظاهر الإهمال والتسيب التي نعاني منها في معظم مناحي الحياة اليومية بسبب تهاون البعض واستهتارهم بأرواح الآخرين بشكل شبه متعمد..وقد خلت نتيجة لهذا الإهمال أنني في مواجهة كمين ووقعت فريسة لإحدي العصابات المسلحة التي انتشرت علي جانبي هذا الطريق منذ بدأت حالة الانفلات الأمني في الظهور إبان ثورة يناير واستمرت حتي بداية الشهر الماضي عندما قاد اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية بنفسه عددا من الحملات الناجحة لتطهير المكان..وخاصة بحيرة المنزلة من البلطجية والخارجين عن القانون الذين كانوا لاشغل لهم ولاشاغل سوي ترويع الآمنين واختطاف المسالمين طلبا للفدية حيث كانوا ينصبون الشباك والفخاخ للإيقاع بكبار التجارالذين كانوا يحملون الأموال ..ووصل الأمر في مرات عديدة إلي ارتكاب جرائم قتل راح ضحيتها عدد من الأبرياء علي هذا الطريق وسرقة مافي حوزتهم من أموال وممتلكات. حدث هذا بينما كنت في طريقي إلي القاهرة عائدا من بلدتي بمحافظة دمياط سالكا الطريق الدولي الساحلي بداية من دمياطالجديدة مرورا بدائري بورسعيد الإسماعيلية بصحبة أسرتي الصغيرة وهو طريق مظلم وخال تماما من أعمدة الإنارة رغم أهميته وحيويته في الربط بين عدة محافظات تجارية لكنه بالرغم من ذلك أفضل حالا من البديل وهو الطريق الزراعي المؤدي من دمياط إلي القاهرة عبر المنصورة عاصمة الدقهلية وبنها الذي انتشرت به المطبات الصناعية بشكل مفزع ومستفز في آن واحد نظرا للمبالغة في إنشاء هذه المطبات وكأنها جزء لايتجزأ من أصول إنشاء الطرق الأمر الذي يقصر من عمر السيارة ومستخدمها. فوجئت قبل مكان يسمي بكوبري اللنش بشيء غريب يحتل منتصف الطريق تماما بعرض نحو مترين ليحل محل الجزيرة الوسطي التي لاوجود لها في هذه المنطقة رغم ازدواج حركة السير بها.. مع الوضع في الاعتبار أن الرؤية في هذا الطريق المظلم تنعدم تماما في حالة وجود سيارات مقابلة تضيء الأنوار.. وإذا بالموقف أصبح كما يلي: أمامي اثنان من الشباب لم يتجاوز أي منهما العشرين من عمره يغطان في نوم عميق علي كرسيي بحر "شيزلونج" تحت البطاطين ومن فوقهما شمسية وكأنهما يجلسان نائمين علي "البلاج".. وأمامهما حاجزان حديديان علي أحدهما سهم ضعيف الإضاءة يشير إلي الاتجاه يسارا بطريقة تنم عن إهمال شبه متعمد واستهانة بأرواح المواطنين لايري إلا عن قرب.. وإذا بيمين الطريق الذي أسير فيه مغلق بأحجار من الحجم الكبير.. ومن خلفي سيارة بيجو "أجرة".. وفي الجهة اليسري المقابلة سيارة نقل ثقيلة تري ماذا تفعل لو كنت مكاني وسرعتك مابين 90 و100 كم..؟! إذا إتجهت يمينا فأنا إلي المجهول في حالة تخطي السياج الحديدي إلي أرض بحيرة المنزلة.. وإذا إتجهت يسارا فأنا إذن أستقبل بقسوة شديدة سيارة النقل الثقيل وملقياً بنفسي إلي هلاك محقق..وإذا نجحت في إيقاف السيارة علي بعد أقل من مترين من الحواجز الحجرية المظلمة تعرضت لإرتطام شديد من الخلف من جانب البيجو المسرعة خلفي..لهذا لم يكن أمامي رغما عني وليس خيارا لي أن أقتحم تلك الحواجز الظالمة التي اتضح بعد ذلك أن إحدي الشركات التابعة لهيئة الطرق والكباري اسمها "سامكو" تقوم بعمل إصلاحات أعلي كوبري اللنش مستهينة بحياة وأرواح المواطنين الأبرياء..وتعرض باطن سيارتي لأضرار جسيمة حيث انحشرت الأحجار بباطن السيارة وظهرت من الداخل رغم أنها مصفحة من أسفلها..ولولا عناية الله لكنت ومن معي من الهالكين. زد علي ذلك إحساسنا بالرعب ظنا منا أننا قد وقعنا في كمين لإحدي العصابات المسلحة بهذه المنطقة "هكذا كان يوحي المشهد".. والغريب أن أحد الشابين قد استيقظ من نومه العميق علي أصوات الارتطام التي وقعت.. وقال لي بمنتهي اللامبالاة: "مش تبقي تاخد بالك ياأستاذ"..!!! دارت أحداث كثيرة متلاحقة إنتهت بحضور عدد من سيارات الشرطة ..ورجل مرور إتضح أنه معين نوبتجي بهذا المكان لكنه لم يكن موجودا وترك جهاز اللاسلكي الخاص به والعصا المنيرة في أحضان الشاب النائم..المهم أن الضباط والجنود ساعدوني بإنزال السيارة من فوق الأحجار قبل إنقلابها.. وطلبت عمل محضر إثبات حالة ضد إهمال شركة الطرق.. ورفضت أن أبرح مكاني حتي أثبت حقي أولا في الرجوع علي هذه الشركة.. وحتي أضمن اتخاذ الإجراءات اللازمة حتي لايتعرض غيري للموت المحقق علي الأسفلت نتيجة إهمال شركة الطرق والكباري و"سامكو" التي لاأعرف عنها شيئا ولم تكلف نفسها ولاأعرف من سمح لها بعمل هذه الحواجز غير المرئية ولا الآمنة دونما كتابة أي حرف لتحذير المواطنين من قائدي السيارات الذين يقودهم حظهم العاثر للمرور بهذا الطريق. المهم في النهاية..وعندما لم يساعدني ضباط الشرطة والأفراد الذين حضروا للمكان لا بتحرير محضر ولا بالاستجابة لطلبي الملح لمعرفة اسم الشركة وبيانات الأفراد النائمين أو المهندس الذين قالوا أنه تركهم بالمكان دون تعليمات أمان لم أجد أمامي إلا الاستعانة باللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية الذي إتصلت به علي هاتفه المحمول فسارع بالرد علي رغم عدم معرفته بالمتصل في لفتة تثبت بما لايدع مجالا للشك أنه رجل جدير بأن يجلس علي هذا الكرسي حيث أدرك بحسه الأمني أن الذي يتصل به في حوالي الثانية والربع صباحا إنما هو ملهوف يطلب النجدة وليس شرطا أن يكون معلوما لديه..وقام بعمل اللازم فورا عن طريق قيادات مديرية أمن بورسعيد.. فالشكر كل الشكر لهذا الرجل النشيط. .. وأهمس في أذن المسئولين عن الطرق والكباري: إلي متي سيظل الإهمال يعشش ويخيم علي كل ركن من أركان شركتكم.. وحتي لانجمع: إلي متي تتركون أرواح الناس ضحية لإهمال عدد من المهندسين بالشركات ولاأعرف حتي الآن إن كانت هذه الشركة تابعة أم مقاول من الباطن..والذي أعرفه جيدا أن حياة الناس غالية وأن الإهمال والتسيب عدو النجاح.