نجح الاستعمار الغربي خلال ما يزيد على قرنين من الزمان في إشاعة روح الهزيمة النفسية في البدان التي احتلها من خلال الترويج لنظرية مزيفة تتحدث عن تفوق العقل الغربي والجنس الآري على سواه من الأجناس الأخرى .. وأن هذه الحضارة الغربية كانت منبتة الصلة عن أي تأثير شرقي أو مصري قديم . وقد كان الهدف من ذلك عنصريا بالأساس حتى تقبل تلك الشعوب المستضعفة والمحتلة بفكرة الهيمنة الغربية على ثرواتها والقبول بعملية الاستنزاف والنهب هذه دون مقاومة . لقد كان الأورروبيون ينظرون إلى الشعوب الأخرى بنوع من الغطرسة والاستعلاء نتيجة لما أحدثه ظهور بعض الحركات و التيارات المتعصبة كالرومانسيين الأوروبيين وكتابات منظريهم من الفلاسفة والمؤرخين المتطرفين من أمثال المفكر الفرنسي " إرنست رينان "Ernest Renan(1823- 1892). وقد نشأ عن تلك النظرية العنصرية ظهور ما يسمى بالمعجزة اليونانية أو The Greek Miracle التي تعزو التفوق اليوناني في الفلسفة والفنون والآداب إلى جذور يونانية خالصة لا علاقة لها بغيرها من الحضارات القديمة الفرعونية والفينيقة وغيرها . وربما كان لهذه الفكرة ذلك الأثر الواضح على تفشي العنصرية الغربية ضد كل ما هو عربي و إسلامي وشرقي بشكل عام . وعلى الرغم من هذا الترويج الفج .. فقد ظهرت كتابات غربية في السنوات الأخيرة تعترف بفضل الحضارة العربية والإسلامية ليس على تشكيل أوروبا فقط . ولكن على تشكيل العالم الحديث عموما .. ومن هذه الكتب : كيف شكل الإسلام العالم الحديث How Islam Created The Modern World لمارك جراهام ، لكن العجيب في الأمر .. أن هناك كتابات أخرى قد ظهرت في الآونة الاخيرة تشكك في الدور الرائد لفلاسفة اليونان أنفسهم ، وأنهم ليسوا إلا مجرد ناقلين أو سارقين للتراث المصري القديم .. ، وأن كثيرا من فلاسفة اليونان وعلماءهم قد تلقوا تعليمهم في مصر . وقد استند هؤلاء إلى مقولات لبعض المؤرخين القدماء مثل "هيرودت ".. ، و من تلاه ك كليمنت السكندري وغيرهما . وقد ألف الدكتور حسن طلب (الشاعر الكبير ) دراسة قيمة في هذا الموضوع بعنوان : " أصل الفلسفة " يثبت فيه تهافت نظرية المعجزة اليونانية . وعلى الرغم من أن بعض الكتابات الغربية قد سبقت دراسة دكتور حسن طلب في هذا الموضوع .. فإنه يحسب له أنه لم يكن مثل كثير من المفكرين المصريين والعرب المولعين بترديد المقولات الغربية دون مناقشة كأنها مسلمات ومقدسات علمية . لقد كان حسن طلب شديد الشعور بالغيرة الوطنية شديد الاستهزاء بالعنصرية الغربية والمؤرخين الغربيين الجهلاء وفق تعبيره . ومن أشهر الدراسات الغربية التي بدأت تشق طريقها في الدراسات الأكدايمية الغربية كتاب التراث المسروق : Stolen Legacy ل George G. M. James وكتاب أثينا السوداء Black Athena لمارتن بيرنال Martin Bernal . يستعرض فيه المؤلفان أثر الحضارة الفرعونية على فلاسفة اليونان للدرجة التي جعلت البعض يشير إلى أن النظريات الهندسية الشهيرة كفيثاغورث ونظريات إقليدس قد تم السطو عليها من قبل هؤلاء اليونايين . ويقدم الباحثون المؤيدون لفرضية الدور الذي لعبته الحضارة الفرعونية والفينيقية على فلاسفة و علماء اليونان في أنه لا يمكن قبول أن هناك طفرة قد حدثت بهذه الفجائية لما يسمى بالمعجزة اليونانية دون مقدمات واضحة وملموسة . فلم يكن لهؤلاء اليونانينن آثار واضحة تشير إلى وجود حضارة قامت وفق الشروط اللازمة لقيام أية حضارة ، أما أن تتطفو وتبرز إلى السطح هكذا دون مقدمات فهو نوع من التزييف الذي يمارسه الغرب ينم عن عنصرية بغيضة في استباحة تراث وحضارة الآخرين .لقد أثارت تلك الكتابات التي تهدم فكرة المعجزة الغربية جدلا كبيرا في الأوساط الأكاديمية الغربية وحتى في الأوساط العادية ، حتى انتفضت بعض الدرسات المضادة التي تنفي ذلك جملة وتفصيلا . ومنها كتاب ليس بسبب أفريقيا : Not out of Africa للباحثة ماري ليفكويتز Mary Lefkowitz. ومع هذه الهزات التي بدأت تضرب الأساس المزيف لتفرد الحضارة الغربية (المسروقة ) .. ينبغي للأجيال الجديدة أن تستعيد الثقة بتراثها الفرعوني والعربي والإسلامي ، وأن تدرك أنه لولا جهود أجدادهم من العلماء والمفكرين و لولا الحضارة الإسلامية الفذة التي نسفت أسس الأساطير والخرافة ، ورفعت من شأن العقل والعلم ، ما كان لهؤلاء أن يصلوا إلى هذا التقدم التكنولوجي . نحن في حاجة إلى استعادة الثقة في قدراتنا وعقولنا وتراثنا لمقاومة المشروع الغربي الذي بدأ يلفظ أنفاسه بالفعل . وسيكون المشروع العربي الًيل هو البديل الموضوعي والعادل شريطة التخلص من حكم الاستبداد الذي يعرقل المشروع العربي لصالح أجنات غربية .