ملف الأيتام فى مصر يحمل بين طياته الكثير والكثير ، ولكن لا أحد ينتبه إليه أو يتحدث فيه ، ولكننا فى المقابل نتذكرهم كل عام فى أول جمعة من أبريل!! مع العلم أن الأيتام يمثلون شريحة كبيرة فى المجتمع المصرى . إن واقع دور الرعاية فى مصر فى غاية السوء – إلا ما رحم ربى – سواء العام منها أو الخاص ، وبالنسبة للخاص فقد تحول الموضوع ل ” سبوبة ” أو تجارة ، وأى تجارة ؟ إنها تجارة مربحة جداً ! وهى أيضا الطريق السريع للشهرة والغنى ؛ وذلك من جراء التبرعات من الداخل والخارج ، خاصة وفى ظل عدم وجود رقابة من أجهزة الدولة المعنية ، ولا حتى الرقابة الشعبية ؛ فأصبح بإمكان أى شخص أن يستأجر شقة صغيرة ويسكن فيها مجموعة كبيرة من الأيتام يدرون عليه ربحاً مع إعطائهم بصيص من حقوقهم النفسية والصحية والانسانية ، وقد يكون صاحب هذا الدار غير سوى نفسياً وغير مؤهل ، كما أنه لا يخضع لأى اختبارات أو يتلقى أى تدريب .
من ضمن مشكلات دور الأيتام فى مصر أيضا مشكلة الأم البديلة ، وهى فى الغالب فتاة صغيرة السن من الاقاليم ، تأتى للقاهرة للإغتراب والحصول على عائد مادي جيد مع توفير الأمان والمسكن والغذاء ، ولا تحمل أى خبرة خاصة فى الأمومة ، ولا تتلقى أي تدريب أو تأهيل لتقوم بدورها في حياة هؤلاء الأطفال على الوجه الامثل ؛ فنرى معظمهم يتعاملون مع الأطفال كألات بلا روح ، ويعيش الطفل مراحلة الأولى متنقلاً بين أكثر من أم بديلة ، وقد يصاب بالصدمة عند تغيير الأم وظهور شخصية جديدة بطباع وأخلاق جديدة خاصة وبعد التعود على الأم التى قبلها .
ومن مشكلات دور الرعاية للأيتام المشكلات الجنسية ، ولا تقتصر تلك المشكلات بكل أنواعها بين النزلاء من الأطفال والمراهقين فقط، بل يتعداهم إلى وجود أشكال كثيرة وشائعة من الإستغلال الجنسي من قبل القائمين على الدار أو بتسهيل منهم، وقد تناول الإعلام قضية إحدى المديرات المشرفات على دار للإيواء والتي كانت تسمح لإبنها الشاب بالدخول إلى الدار ليغتصب ما يشاء من البنات المراهقات في الدار ليلاً !
وقصة اخرى لأحد الشواذ كان يمر كل يوم علي دار للأطفال الأيتام، ليأخذ طفلا معه الفيلا في التجمع الخامس حيث يسكن بمفرده ليمارس معه الشذوذ الجنسي ولكنه أمام مسئولي الدار كان أحد المحسنين الكبار !وما خفى كان اعظم وابشع .
كل هذه المشكلات وغيرها من معاملة سيئة وتعامل غير تربوى مع وجود الإستعداد لذلك من قبل هؤلاء الأطفال فتنتشر المشكلات النفسية والسلوكية لديهم والكثير منهم يحاول الإنتحار، وهناك ما لا يقل عن مائة محاولة مسجلة للإنتحار في بعض دور الرعاية ولا يستبعد وجود محاولات ناجحة أو غير مسجلة في هذه الدور.وكل هذا يظهر صداه بوضوح عند احتكاك وتعامل هؤلاء الاطفال مع الاخرين فى المجتمع مستقبلاً .
ولذا فهؤلاء الاطفال فى حاجة ماسة إلى تغيير النظام المتبع في التعامل معهم ودون استثناء، يحتاجون إلى رعاية طبية واجتماعية ونفسية مستمرة وإلى تلقى التعليم المناسب . على أجهزة الدولة المعنية النظر إلى وتفعيل اللوائح التى تنظم التعامل معهم داخل هذه الدور والجمعيات ،ويجب أن يراعى فيها حمايتهم من كافة سبل الاتجار بهم، واستغلالهم والتسبب في أي نوع من الأذى لهم سواء كان جسدياً أو نفسياً، كذلك تطبيق إجراءات تفصل بينهم في السكن وفق النوع والسن، وتنظيم الأنشطة التي تقام للأطفال بحيث تفي باحتياجاتهم التعليمية والثقافية والترفيهية. كما يجب تفعيل الخط الساخن لنجدة الطفل 16000 والذي يشوبه الكثير من السلبيات .
ولا يفوتنى أن أذكر أن هناك بعض النماذج الناجحة لرعاية الايتام فى مصر ، ولكنها تحتاج إلى دعم ورعاية مع ضرورة تعميميها . أنقذوا هؤلاء الأطفال وتحملوا مسئولياتكم الاخلاقية والدينية والانسانية تجهاهم .
* باحث بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة