25 يناير و30 يونيو لا يمكن وصفهما ب"ثورة" إنما هبات جماهيرية "الزند" أكثر تشددًا من تيار الإسلام السياسى كله.. والدليل مطالبته ب"حدود الشريعة" النظام مُجبر على تطبيق العدالة الاجتماعية خِشية الثورة عليه حقوق الإنسان تراجعت والأمن له تجاوزات كبيرة "المطبلاتية" فى الإعلام يشكلون خطرًا على نظام "السيسى" نشهد غيابًا ل"رجال الدولة".. والسيسى يحتاج إلى مستشارين بعض المنظمات الحقوقية تشكل تهديدًا على الأمن القومى "الحبس الاحتياطى" تحول إلى اعتقال وتجب إعادة النظر فيه السيسى يحاول مسك العصا من المنتصف بعدم استفزاز رجال الأعمال وسائل التواصل الاجتماعى تمثل ضغطًا على السلطة ولكنها غير كافية
"مفكر" سياسى، يتمتع بقدرة كبيرة على إثارة الجدل، ليس من منطلق لفت الانتباه إنما إيمانًا منه بأفكاره التى دائما ما يغرد بها خارج السرب، اشتهر بمواقفه الرافضة ل"تسييس" أى "مشادة" بين المسلمين والمسيحيين، أو وصفها على أنها اضطهاد، ودائماً ما يؤكد أن مصر وطن واحد لكل المصريين دون تمييز، الأمر الذى جعله يدخل فى صدامات كبيرة لعل أشهرها مع الراحل البابا شنودة الثالث، بطريرك الكرازة المرقسية. أعلن اختياره لمرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى إبان ترشحه للرئاسة عام 2012 ضد الفريق أحمد شفيق، الأمر الذى أدى إلى تعرضه لهجمة شرسة فى كثير من الأوساط السياسية والكنسية، إلا أنه عاد وهاجم جماعة الإخوان بضراوة عقب الإعلان الدستورى، وأعلن رفضه القاطع لما يسمى ب "أخونة الدولة"، وبعد سقوط "الجماعة" عن حكم البلاد أعلن تأييده ل30يونيو، إلا أنه لا يزال مؤمنًا من وجهة نظر ال"مفكر" بالرأى الذى قد يصيب الكثير من الثوار بالإحباط، وهو رفضه الدائم لتوصيف ما حدث فى مصر حتى الآن ب"الثورة". إنه المفكر الكبير جمال أسعد، يحدثنا فى هذا الحوار عن رؤيته للوضع السياسى بالبلاد، ولماذا يرفض وصف ما حدث فى 25يناير و30يونيو ب"الثورة"؟ وما حقيقة جدية النظام فى الإصلاح؟ وهل يمكن للبرلمان بصورته الحالية فى ظل ما اسماه "الإيجار الجديد" لمرشحى الأحزاب أن يحقق آمال الشعب؟ ولماذا يعتقد بأن حل البرلمان قرار موجود فى "أدراج" السلطة؟ وأسباب رفضه لمطالبات الانتخابات الرئاسية المبكرة؟ ولماذا يعتبر وجود بعض المنظمات الحقوقية تهديدًا للأمن القومى؟ ورأيه فى أداء وزارة الداخلية وسقف الحريات الآن.
بعد ثورتين.. كيف ترى أحوال البلاد وهل تحققت طموحات الشعب؟ لا أستطيع أن أصف ما حدث فى مصر ب"الثورتين"، بل يمكن أن نطلق عليهما هبتين جماهيريتين، ففى 25 يناير قامت هبة جماهيرية أسقطت مبارك ولكنها لم تسقط نظامه، وتحولت الثورة إلى روح هائمة تبحث عن جسد تتقمصه وحتى هذه اللحظة لم تجده، وكذلك 30 يونيو يمكن أن نطلق عليها هبة جماهيرية أسقطت نظام الإخوان وليس "مرسى"، لأن آثار نظام مبارك كانت ولازالت موجودة حتى هذه اللحظة وتتفاقم وتتزايد. والثورة تعنى التغيير الجذرى فى جميع النواحى السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا لم يحدث معنا، ونحن فى حالة إصلاحية بعد اكتمال الشرعية الدستورية بوجود دستور ورئيس وبرلمان، وشعارات الثورة التى كانت تُردد ما زالت مبادئ يمكن أن تتحقق. النظام الحاكم.. هل هو جاد فى الإصلاح ولاسيما فيما يخص مطالب العدالة الاجتماعية؟ العدالة الاجتماعية من منظور ثورى لها مفهوم ومن منظور سياسى نظامى حكومى لها منظور آخر، فمن المنظور الأول هى إزالة الفوارق بين الطبقات والقضاء على الفساد، إنما من منظور الحكومات فهى تُجبر على أن تقيم "ظلال" العدالة الاجتماعية، وذلك لصالحها وليس حبًا فى الجماهير، لأنه عندما تتراكم المشكلات ويزداد الفساد والفوارق الكبيرة بين الطبقات فى ظل غياب للعدالة ودولة القانون فهذا يمهد للثورة عليها. والحقيقة أن ما يتم تحقيقه فى المرحلة الحالية الإصلاحية الآن من قبل النظام لا يتوافق مع أحلام وطموحات الشعب المصرى التى كان يأملها، لأن آمالاً عريضة بُنيت لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسن فى التعليم والصحة والمسكن وتطبيق القانون ولا نستطيع أن نقول إن ما يتم إنجازه يرضى هذه المطالب. والحكومة هى الجهاز التنفيذى الذى يفعل بقراراته وقوانينه وبرامجه العدالة الاجتماعية، ولا يمكن أن يكون هناك إصلاح حقيقى إلا إذا استطاع النظام من الأساس أن يحتوى الجماهير من خلال حياة حزبية حقيقية لها برامج وجماهير ومن خلالها يتشكل رأى عام يكون ضاغطًا على الحكومات لتحقيق مصالحها. وهل ترى أن ذلك الأمر متحقق فى الوضع الحالى الآن؟ لا أستطيع أن أقول بأن ذلك متحقق كما ينبغى أن يكون، إنما أى مجتمع من المجتمعات لا بد أن يكون به رأى عام ضاغط وحتى لو لم يكن هناك حياة حزبية أو معارضة توصف فى وقتنا بالخيانة. ولكن الرأى العام الحاضر حتى الآن هو على مواقع التواصل الاجتماعى فقط، والدليل إقالة وزير العدل بعد الهجوم الذى تعرض له بسبب تصريحاته المثيرة للجدل، وإن كان لدينا تحفظات على هذه الآلة، لكنها أصبحت أداةً للتعبير عن هذا الرأى، ولكن هذا لا يكفى لأنه ليست هناك ديمقراطية بدون تعددية ولا يمكن أن تتواجد التعددية بدون أحزاب. بذكر المستشار أحمد الزند.. ما رأيك فى قرار الإقالة فى هذا التوقيت.. وهل كان لصالح النظام؟ قرار التعيين من البداية كان خطأ، وتصريحاته العنترية الذاتية قبل توليه فاقت كل الحدود من مارس 2012، فهو يرى أن القضاة هم الأسياد وغيرهم العبيد، وكان لا بد من محاكمته بدلاً من تعيينه وزيرًا للعدل، والزند ليس كما هو معروف عنه بأن توجهه الأيديولوجى ضد الإخوان، فإذا كان الإخوان يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية، فالزند عندما كان يؤدى العمرة طالب بتطبيق الحدود فى القانون الجنائى المصرى، فهو تجاوز الإخوان الذين ما كانوا يجرأون أن يطالبوا بتطبيق الحدود إلا بعد سنوات من الحكم. الزند زايد على الجماعات الإسلامية والإخوان وعلى التيار الإسلامى بأكمله، فتوجهه من الأساس "إسلام سياسى" ولكن مصلحته كانت مع نظام مبارك، فتناقض مع جماعة "استقلال القضاة" فى نادى القضاة ليس حباً فى مبارك ولكن كى يكون رئيس نادى القضاة، وعندما اختلف معهم أسقط المستشار زكريا عبد العزيز وأصبح رئيس النادى ليكون مع النظام، والدليل أنه أثناء 25 يناير وصف الثوار ب"البلطجية"، وبعدما جاء الإخوان تناقض شكليا معهم حتى يكون متواجداً، لأنه يعلم أن الإخوان لن يعطوه أى مناصب، فقرر أن يظهر بأنه بطل يعادى الإخوان لأنه لو لم يُظهر عداءه لهم لما حصل على أى شيء سواء منصب أو "شو"، ومن هنا جاءت تسميته الصورية ب"أسد القضاء" وبدأ نزعة أنه مفجر الثورة تسيطر عليه، وتصريحاته الطبقية التى تهدر تطبيق القانون والدستور، فأصبح عبئاً على النظام ومن هنا كان ضرورى التخلص منه. البرلمان بصورته الحالية.. ماذا تتوقع منه الفترة القادمة؟ هذا البرلمان لا يمثل حقيقة الشعب المصرى لأنه جاء ب25% من الشعب، وبالتالى لا يمثل "أغلبية"، إضافة إلى الطريقة التى جاء بها من الأساس والتى هى أمنية بحتة، وليست ديمقراطية، فالأمن "ركب" قائمة "فى حب مصر" على البرلمان، والأفراد المستقلون، الذين هم أغلبية، يعنون بوجودهم أنه لا علاقة لهم بالعمل السياسى، لأن المستقل ليس له فكر سياسى أو أيديولوجية سياسية، والدليل أننا لم نر حزبًا ببرنامج انتخابى، وحتى مرشحى الأحزاب كانوا أشبه ب"الإيجار الجديد" وليس لهم علاقة بالأحزاب وأفكارها وتوجهاتها وبرامجها، فالبرلمان بكامله فاقد السياسة والكل يدعى أنه مؤيد، ويتنافسون على رضا النظام ويشنون هجومًا على من يعارض إذا "أين السياسة؟" وإذا كان هذا البرلمان بهذا المستوى فكيف يحقق مطالب الجماهير؟! هل تتوقع أن يتم حله؟ ذلك الأمر يخضع لظروف سياسية، وإذا كان هناك خطر حقيقى سيُحل، فالقرار موجود داخل "الأدراج"، لأن هناك دعاوى فى المحكمة الدستورية وقائمة أو بمعنى أدق "عندما تريد السلطة أن تحله ستقوم بذلك؟". المطالبات بتعديل الدستور.. ما رأيك بها؟ هناك بعض الأفراد الوصوليين و"المطبلاتية" الذين يسعون إلى مصالحهم الذاتية ويدعون الوطنية وهم فى الحقيقة ينافقون الرئيس ويطالبون بتعديل المواد التى تقلل من صلاحيات الرئيس وهذا هو الخطر الحقيقى، لأن هؤلاء إذا كان لديهم "نخوة سياسية" عليهم أن يخجلوا من أنفسهم، فالجماهير هى صانعة الدستور فكيف تتناقض الجماهير التى من المفترض أن يمثلها أعضاء البرلمان مع مصالحهم، فضلا عن مطالب البعض الآخر بمد فترة الرئاسة ما يعنى إعادة استنساخ التاريخ مرة أخرى وكأننا لا نتعلم من الماضى. كيف ترى مبادرة حمدين صباحى "لنصنع البديل"؟ البديل بنص الدستور هو المعارضة، وأظن هو لا يقصد بديل أشخاص إنما بديل للنظام الحاكم، والديمقراطية تقول بأن الحزب الذى يأخذ أغلبية يشكل الحكومة، والبديل يُصنع من خلال الحياة الحزبية والحياة الديمقراطية والارتباط بالجماهير التى تصنع البديل والسؤال "هل حمدين يريد أن يُفَعل حزبًا جماهيريًا ويطوف به المحافظات؟" فهذا حقه، أما إذا كان يقصد بديلاً ثوريًا فهذا أمر مختلف، إلا إذا كان تصوره بأن يقوم بكتابة ورقة ويعرضها على السيسى ويقول له "نفذ هذا" فهذا غير موجود بالسياسة. والهجوم الذى تعرض له سببه أننا أمام إعلام "المطبلاتية" الذين يظهرون للسيسى أنهم معه طوال الخط، وهذا خطر على السيسى والنظام، لأنه أصبح العادى أن أى شخص ينتقد أو يعارض أو يطرح وجهة نظر مختلفة يُهاجم ولاسيما إذا كان مثل حمدين الذى كان منافسًا سابقًا للسيسى فى انتخابات الرئاسة ف"السيساوية"، إذا جاز التعبير أن نطلق عليهم، يواجهون حمدين من هذا المنطلق وليس كمواطن له حق فى أن يبدى رأيه، فضلا عن أن السياسة السائدة هى من "ليس معنا فهو ضدنا". وما رأيك فى الدعوات التى يطالب بها البعض بانتخابات رئاسية مبكرة؟ من يطالبون بذلك عليهم أن يدركوا أن الظروف إبان مرسى مختلفة تماماً عن الآن، والسبب أن جماعة الإخوان لم تحكم الإمساك بفرصة التاريخ فكانت فكرة "التمكين" تسيطر عليها، والبيان الدستورى أظهر ما فى صدورهم فكانت الانتخابات الرئاسية المبكرة بتلك الفترة مواتية وسبيلا للخروج من الأزمة. أما الظروف الحالية فهى مختلفة تماماً، فنحن نواجه إرهابًا ونعيش أزمة اقتصادية طاحنة، وبالتالى الانتخابات الآن لا تناسبنا واعتبرها "تزيد فى ديمقراطية غير موجودة" وعلينا أن نفرق بين النظام والدولة، وتحدثنا فى السابق عن أن السيسى رئيس الضرورة ونختلف معه فى كثير من النقاط والأمور، والمطلوب فى الوقت الراهن رأى عام حقيقى للمشاركة فى اتخاذ القرار حتى نحافظ على الوطن. البعض يقول إن المشكلة الحقيقية هى عدم وجود بديل؟ البديل السياسى لا بد أن يكون قائمًا طوال الوقت، لأنه لا يوجد شخص مخلد، ونحن كشعب فرعون نقدس الحاكم وتوارثناها منذ زمن، وفى عهد مبارك ظل 30 عامًا يحكم لدرجة أننا تصورنا موت الحياة السياسية، وقلنا إنه ليس هناك بديل له، لكن بعد ذلك جاء المجلس العسكرى وتولى الحكم، ثم جاء مرسى وبعدها عدلى منصور، والسيسى لم نكن نعرفه، وبعد ذلك ظهر للشعب وأصبح بديلا بعد موقفه فى 30 يونيو، لذا عندما يأتى وقت الانتخابات القادمة والمنافسة الحقيقية سيتواجد البديل. لكنهم يتحدثون عن بديل يحقق مطالب الثورة؟ ذلك الأمر مرتبط بحياة حزبية حقيقية تفرز كوادر سياسية تصلح أن تكون البديل. وهل ترى أن الوضع والمناخ يسمحان بذلك فى ظل "تراجع الحريات"؟ الممارسات الأمنية الأخيرة تجاه الحريات العامة أساءت للنظام، أما الأحزاب الموجودة من المفترض ألا يحدها شيء وعليها أن تناضل من أجل حريتها، وللأسف الكثير منها غير مؤمن ببرامجه، لأن الحريات تنتزع ولا تُمنح، وبالتالى الأحزاب إذا كانت هى التى تعلم السياسة غير قادرة على انتزاع حريتها فكيف ستعلمها للجماهير. أداء وزارة الداخلية.. هل أنت راضٍ عنه؟ نحن مع حقوق الإنسان قولاً واحداً، والدستور الجديد به 43 مادة تتحدث عن الحقوق، وهى ليست سياسية فقط، بل إنسانية واقتصادية وشتى نواحى الحياة للإنسان المصرى، وللأسف هناك تراجع كبير فى حقوق الإنسان والأمن له تجاوزات كبيرة، ولكنى فى الوقت نفسه ضد أن تستغله دول بعينها للضغط على مصر، لأن هذه الدول تبحث عن مصالحها فى المقام الأول وسبق أن استخدمت ورقة الأقباط من قبل الخارجية الأمريكية للضغط على النظام. لكن كثيرًا من المنظمات الحقوقية فى الداخل نبهت إلى انتهاكات حقوق الإنسان وجزاء بعضها حملات تشويه بين التمويل والعمالة.. ما ردك؟ المنظمات الحقوقية كانت موجودة فى البلاد منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكانت تتفق مع المبادئ الإسلامية والمسيحية، واعتمدت فى تمويلها على أموال المصريين، لكن بعض المنظمات الحالية مرتبطة بمنظمات أجنبية وتتلقى منها تمويلات. والجهات التى تمولها لا تفعل ذلك لوجه الله ولكن لها أجندات معينة ومن يتلقى أموال عليه أن يخضع لمن يعطى، وهذا الأمر يمثل خطورة على الأمن القومى، وعندما يكون هناك لبعض المنظمات فى الداخل علاقة بمنظمات خارجية فهذا يعد أمرًا بالغ الخطورة فى ظل تحول البعض منها إلى "سبوبة". قلت فى إحدى مقالاتك "محاكمة حاتم أم حرق الوطن".. ماذا قصدت؟ قصدت كل منحرف وفاسد من أمناء الشرطة وغيره ممن يخالفون القانون، وهم لا بد أن يُحاكموا حتى لا يُحرق بسببهم الوطن. ولماذا لا يقدم النظام على محاكمة أمثال "حاتم" من وجهة نظرك؟ قبل 25 يناير كان هناك موقف واضح وهو لا يمكن محاكمة أى رجل أمن مهما اقترف من جرائم سواء تعذيب أو قتل، أما الآن فالوضع بات مختلفاً لوجود رأى عام ضاغط، وما ينساه البعض أنه بعد و25يناير و30 يونيو، تم كسر حاجز الخوف لدى المواطن، وأصبح للرأى العام تأثير كبير قبل من قبل أو آبى من آبى، ولكننا نريد المزيد من المحاكمات. كيف ترى التصعيد من جانب الاتحاد الأوروبى تجاه مقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى؟ غياب الشفافية كان من أهم أسباب تفاقم الأزمة، وهذه الشفافية غائبة منذ إسقاط الطائرة الروسية فكانت التصريحات متناقضة ومتخبطة إلى أن أعلن الرئيس أنها ناجمة عن عملية إرهابية على الرغم من تصريحات النفى المتكررة من جانب الحكومة، وعند مقتل الطالب الإيطالى كان لا بد من الشفافية منذ اللحظة الأولى ومتابعة من الداخلية وليس الخروج من آن لآخر بتصريحات متناقضة فهذا ليس أسلوب إدارة دولة، والوطن لا ينهض إلا بالدستور والقانون والشفافية. وبيان الاتحاد الأوروبى هو سلسلة متلاحقة من موقف سياسى كتوزيع أدوار، والدليل أن الحكومات الأوروبية تتواصل مع مصر، ومع هذا لا يمكن أن يكون الرد على بيان الاتحاد الأوروبى على طريقة أننا نرفض التدخل، فكان لا بد من معالجة حقوق الإنسان لا من أجلهم بل من أجل المواطن المصرى أولاً. هل ترى أن النظام لم يأخذ الأمر بالجدية الكافية؟ بالتأكيد.. وهذا موروث لدينا منذ زمن بعيد، فعندما تواجهنا مشكلة نأخذها ببساطة شديدة، وعندما نجد أنفسنا تورطنا بها نبدأ فى أن نفيق على ما نحن عليه من مشكلات كبيرة. أداء الرئيس السيسى.. كيف تراه؟ وما الملفات التى نجح فيها؟ السياسة الخارجية نجح فيها إلى حد كبير وجعل مصر تستعيد بعضًا من مكانتها سواء فى الغرب أو شرق آسيا، أما على المستوى المحلى نجده يتجه إلى المشروعات الكبيرة وهى مطلوبة، ولكن لا تتوافر احتياجات آنية حياتية للمواطن الفقير المعدم، لأنه لا يعنيه المشروعات الكبيرة، لذا فنحن بحاجة إلى المشروعات الصغيرة، والرئيس شخصية وطنية لكنه يفتقد إلى وجود مستشارين له، لأن المناخ العام من خلال ملاحظتنا لكثير من الأحداث يشهد غيابًا تامًا لرجال الدولة. ما رأيك فيمن يقولون إننا نحيا زمن مراكز القوى؟ نحن ننسى أننا لازلنا نعيش فى جزء كبير من الفوضى التى حدثت بعد 25يناير، وفى ظل غياب القانون وعدم تفعيل الدستور والعدالة تظهر مراكز القوى وهناك "لوبيات" تسعى طوال الوقت أن تكون مراكز قوى. والجهاز الأمنى الآن ليس بالقوة التى كان عليها قبل 25يناير، وهو يحاول أن يستعيد عافيته من خلال ترديد: "نحن يا ريس نسعى لأمانك وحمايتك"، وهذا خطأ كبير، لأن الجماهير أصبحت لا تخشى أحدًا وتقول رأيها بصراحة، ومراكز القوى الموجودة قد تكون أيضاً مجموعة من رجال الأعمال الذين وافقوا على 30 يونيو ثم تخاذلوا عن تقديم مساعدة حقيقية لها ولم يتبرعوا بالشكل المطلوب لصندوق "تحيا مصر"، ويستغلون الآن قنواتهم التليفزيونية وجرائدهم من أجل توظيفها لصالحهم سواء لمساندة النظام أو للضغط عليه فى أوقات أخرى. وتعليقك على الأحكام الصادرة بحق الكثير من شباب الثورة؟ هذه الأحكام تمت بناء على قانون التظاهر الذى يحتوى على بعض المواد الواجب تعديلها، وكان لا بد من عدم أخذ الأمور بهذه الحدة مع الشباب، خاصة أن الداخلية والنظام لم يستطيعا أن ينفذا هذا القانون على الجميع مثل أمناء الشرطة، لذلك كان لا بد من المساواة فضلا عن وجود ما يُسمى ب"الحبس الاحتياطى" والذى تحول إلى اعتقال وتجب إعادة النظر فيه. الأزمة الاقتصادية.. ما رأيك فى التعاطى معها؟ هى متراكمة وليست وليدة اليوم فقبل 25 يناير كان هناك عجز فى الموازنة العامة ونسبة تضخم كبيرة، وخلل فى ميزان المدفوعات فى الوقت الذى كانت فيه نسبة النمو 7%، ولكن المشكلة كانت عدم وجود عدالة فى التوزيع والتى كانت تستحوذ عليها طبقة معينة أما المواطن الفقير فكان يعانى. وبعد الثورة ونتيجة الفوضى التى حدثت تأثر الاقتصاد فى عدة قطاعات وازداد عجز الموازنة خاصة فى الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يصل إلى 320 مليار جنيه، فضلا عن أن عجز ميزان المدفوعات وصل إلى 50 مليار جنيه، فالمشكلة ليست فى سعر الصرف، لأنها نتيجة وليست سببًا. والخلاصة أنه لا يمكن أن تبنى دولة اقتصاد دولة أخرى، بمعنى أنه لا يجوز أن يحيا اقتصاد دولة على المعونات من الدول، فلا بد من الإنتاج وتعظيم الإيرادات وتقليص الاستيراد والتقليل من النفقات وعدم الاعتماد فى إيراداتنا على قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين فى الخارج فقط، لأنها عندما انخفضت واجهنا أزمة كبيرة الآن. الرئيس طالب الشعب بأن يتبرع ولو ب"جنيه".. البعض يقول إن هذا يعنى تحمل الفقراء للفاتورة فى الوقت الذى يُترك أصحاب الثراء الفاحش دون قرارات تنصف الشعب؟ حقيقة الأمر أن المليارديرات الذين لا تنتهى ثرواتهم كثيرون، وكان لا بد من تطبيق الضريبة التصاعدية عليهم، والنظام يريد أن يمسك العصا من المنتصف ويجامل كل الناس، يريد مجاملة الفقراء بزيادة علاوة وغيره وفى الوقت نفسه يجامل رجال الأعمال ولا يريد فرض ضرائب تصاعدية عليهم، بل وصل الأمر إلى أنه ألغى الضرائب على أرباح الأسهم والسندات، وكذلك الضرائب على الدخل أكثر من 10 ملايين خفضت، وكذلك خفض لهم أسعار الغاز وللأسف هذه الأمور ليس فيها إنصاف للشعب. المصالحة مع رجال أعمال مبارك وعودة الأموال المهربة.. ماذا عنها؟ المصالحة معهم لم تأت ثمارها حتى الآن، ولجان تأتى وأخرى تذهب ولا يعود شيء من الأموال، ومنذ 5 سنوات يقول على سبيل المثال حسين سالم إنه سيتنازل عن نصف ثروته ولم يحدث نتيجة. وللأسف النظام منذ 25 يناير غير جاد فى موضوع استرداد الأموال، ولا يريد إثارة مشاكل، ولكن من استولى على الأراضى بغير حق واختلس لا بد أن يُحاسب ولا يمكن محاكمة الفساد إلا بتطبيق القانون، والنظام حتى الآن له مواءماته والتى يكون بها أبعاد سياسية. كيف ترى مستقبل النظام؟ حتى هذه اللحظة غالبية الشعب يأملون أن يحقق السيسى آمالهم، وعليه أن يستثمر ما هو متبقٍ من شعبيته، ولا يخسر كثيرًا من مؤيديه وينظر إلى الجماهير المحرومة من الغذاء والصحة والسكن، ويؤكد للشعب الفقير من خلال قرارات أنه معهم.