ظن البعض فى قيام الكنيسة المصرية باعتماد مواد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، أنه نهاية جيدة لحالة الجدل التى استمرت لسنوات بين الكنيسة وأبنائها، لكن لم تفلح، ورفع أقباط رايات البشارة بتلك الموافقة فى خنق أصوات المعارضة على القانون والإجراءات التى يتبعها. وأعلنت الكنيسة اعتمادها مؤخرًا جميع مواد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، تمهيدًا لعرضه على الدولة، لكن المفاجأة كانت تتمثل فى توسيع القانون الجديد لأسباب بطلان الزواج لتشمل الإدمان والإلحاد والأمراض التى يستحيل معها إقامة علاقة زوجية، وقد اتفق الآباء المطارنة والأساقفة على إقرار الهجر بين الزوجين لمدة خمس سنوات كسبب للطلاق، على أن تنظر الكنيسة فى أمر منح تصريح الزواج الثانى بعد ذلك؛ حسبما ترى باعتبار الزواج سرًا مقدسًا. الكنيسة تدافع عن القانون الجديد فى هذا السياق، قال نجيب جبرائيل، المستشار القانونى للكنيسة، إن قانون الأحوال الشخصية تضمن عدة تعديلات يأتى الهجر فى طليعة هذه التعديلات، فضلا عن التوسع فى أسباب الزنا الحكمى ليشمل المراسلات والكتابات وشات الموبايل والشذوذ وتحريض الزوج على الفسق ليأتى ذلك فى صالح المواطن.
وأشار جبرائيل، فى تصريحات ل"المصريون"، إلى أن مشكلة هذه التعديلات تكمن فى أنها تتعارض مع المادة الثانية من الدستور التى تقضى بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، لافتا إلى أن الكنيسة ستحتكم فى حجتها على المادة الثالثة التى تقضى باحتكام المسيحيين إلى شريعتهم فى أحوالهم الشخصية.
وتابع: تعديلات القانون ليست ثابتة بالنسبة للطوائف الثلاث كما يشاع، مؤكدا أن الموافقة على القانون ستكون النتيجة الحتمية التى يقرها البرلمان قبل شهر يونيو من هذا العام.
ومن جانبه قال فادى يوسف، مؤسس ائتلاف أقباط مصر، إن القانون لا يحتمل انتقادات لأن تعديلاته لقيت موافقة الطوائف الثلاث وأصحاب المشاكل، مشيرا إلى أن المشكلة تكمن فى موافقة الدولة على بند الزنا الحكمى لتوسع الكنيسة فيه وهذا يتعارض مع قناعة الدولة التى تحتكم إلى الشريعة الإسلامية فى هذا الأمر. وأشار يوسف، فى تصريحات ل"المصريون"، إلى أنه إذا لم يوافق البرلمان على التعديلات فيكون دور الكنيسة انتهى "الكنيسة عملت اللى عليها " على حد تعبيره، موضحا أن الأمر يقع فيما بعد على عاتق الدولة لكونها مسئولة عن إيجاد الحل، لأن من حق المسيحيين الاحتكام إلى شرائعهم وفقا للمادة الثالثة من الدستور.
وأضاف يوسف، أن هذا القانون قدم العام الماضى لوزارة العدالة الانتقالية ولكنه رفض لاشتماله على بندى التبنى والزنا الحكمى، مشيرا إلى أن الكنيسة ارتضت بالأمر وأنهت قضية التبنى لكن أبقت على الزنا الحكمى وتوسعت فيه لأنها لا ترى حلاً غيره وعلى الدولة القبول بالأمر.
وتابع: الكرة الآن فى ملعب الدولة هى المسئولة عن حل هذه الأزمة، مؤكدا ضرورة التوافق مع الأقباط والكنيسة.
الصيرفي: الكنيسة لم تراع الدستور واختلاف الطوائف الثلاث بهذا القانون قال نادر الصيرفي، المتحدث باسم رابطة أقباط 38، ردًا على الكنيسة، إنها أقرت قانون الأحوال الشخصية دون أن يحظى على قبول الطوائف الثلاث، مشيرا إلى أنه كان لا بد للكنيسة أن تصدر قانونًا خاصًا بكل طائفة لأن لكل منها لائحة خاصة به.
وتابع: الكنيسة خرجت بقانون واحد تريد فرضه على القضاء دون مراعاة أو اعتبار لباقى الطوائف أو حتى القضاء، معتبرًا الكنيسة تخالف قانونًا دستوريًا، وهذا يهدد القانون ويعرضه للطعن بعدم دستوريته وهذا ما يجعل مصير القانون الرفض.
وأشار الصيرفي، إلى أن مشكلة القانون لن تظهر فى الطلاق وإنما فى إعطاء الكنيسة تصريحًا بالزواج الثانى لأنها لن تسمح بذلك وفى هذه الحالة ستتجدد مطالبات الأقباط ما يدفع الكنيسة لتجميد القرار فى النهاية، مؤكدا أن الزنا الحكمى غير دستورى ويسيء لسمعة المسيحيات فالكنيسة تشرع القانون دون النظر للدستور ولا الطوائف.
3 روايات صادمة لمتضررى الأحوال الشخصية فى الوقت الذى ألمحت فيه الكنيسة للرأى العام بانقضاء أزمة الأحوال الشخصية، كشف متضررو الأحوال الشخصية عن الجانب الغامض لهذا القانون من خلال رواياتهم وأسباب تخوفهم واعتراضهم على التعديلات.
"أعانى منذ ما يقرب من 13 عامًا من تاريخ زواجى ولا يشعر أحد بحجم معاناتى".. هكذا استهل سامى نبيل، أحد متضررى قانون الأحوال الشخصية روايته ل"المصريون "، موضحا: "لم أنجب وأريد أن أطلق زوجتى التى أعلم تمام العلم أنها سيدة فاضلة ولكن رغبتى فى الأبوة غلبتنى وأريد تطليقها والزواج مرة أخرى.
وأضاف: "ناديت كثيرا للكنيسة أنا وغيرى لإيجاد حل، لتخرج الكنيسة أخيرا بالقانون الذى طالما حلمنا به، لكننا وجدنا أن القانون أحاط به الكثير من الحواجز التى تحول أيضا بيننا وبين حل أزمتنا ليبقى الحال على ما هو عليه".
وتابع: الكنيسة رفضت وألغت قانون 38 الذى اشتمل على 9 حالات للطلاق لتخرج بقانون واحد تحت بند "الزنا الحكمى" فمن يرتضيه سببا معبرا عن رفضه أن يحصل على الطلاق تحت اسم الزنا غير أن الكنيسة هى من بيدها أمر الزواج الثانى، ومن الممكن ألا توافق على زواجى الثانى فأكون تركت زوجتى وقتها ولم أتمكن من الزواج مرة ثانية والإنجاب حسب ما أتمنى فماذا افعل؟
ويروى مجدى لمعى معاناة أخرى ل"المصريون" والتى عبر بها عن يأسه من أزمة الأحوال الشخصية ويأسه من الكنيسة، قائلا: "مدة خمس سنوات للهجر كثيرة واللجوء للمحاكم يدفعنا للانتظار عشرات السنين حتى الحصول على الحكم".
وأضاف: "أعيش حالة هجر أسرى منذ 8 سنوات أود الطلاق والزواج مرة أخرى، أتجدون أنه من العدل أن أنتظر 5 سنوات أخرى غير سنوات القضية فى المحاكم لأطلق وأتزوج ثانية، ولكن أرفض أن تكون الكنيسة هى ملجأى للزواج الثانى، أنتمى للكنيسة الأرثوذكس ولدى العديد من المشاكل معها لأننى معترض على بعض طقوسها والتى تخالف ما جاء فى الإنجيل، واعترضت علانية على الأمر ولجأت للدولة وطلبت ردًا من الكنيسة التى أقرت أننى لم أكن موظفًا بها لتفصلنى.
وتابع لمعى: "الكنيسة تتاجر باسم الدين وأرغب فى الطلاق ولكنى أرفض الزواج بها حتى لا أخضع لقانون لا يضع فى اعتباره الطوائف"، وقال والأسى فى لهجته: "الدولة سايبانا للكنيسة تعمل اللى عايزاه فينا ونحن مواطنون مصريون فأنادى الدولة أن تنظر إلى الطوائف".
وأوضح لمعى: "الكنيسة سمحت بالطلاق لكن تبقى المشكلة فى مشاكل كثيرة والأزمة هتكون فى الزواج الثانى".
وروى لمعى رواية إنسانية لإحدى السيدات التى تعانى هى وزوجها، فالاثنان لديهما رغبة فى الطلاق منذ 25 عامًا ولا تستطيع العيش على نفقة الزوج ولم تجد بدًا من أن تصبح خادمة فى البيوت وأصبحت عجوزًا لم تمنحها الكنيسة لقب مطلقة وليس من حقها الحصول على معاش والدها لأنها متزوجة والكنيسة تعطيها 60 جنيهًا شهريًا، فكيف لها أن تعيش وهذا ما فعلته الكنيسة فى أبنائها.
أزمة الأحوال الشخصية تضرب البرلمان وبدت حالة من تضارب الآراء بشأن قانون الأحوال الشخصية داخل البرلمان، حيث رفضه البعض لتعارضه مع المادة الثانية للدستور والتى تقضى بالأخذ بالشريعة الإسلامية التى تقر بالزنا الفعلى بالأدلة والشهود وترفض فكرة الزنا الحكمى، بينما رأى البعض أن من حق الأقباط الاحتكام إلى شرائعهم كما أن هذا القانون هو الحل الوحيد للأزمة ليبقى الأمر رهن قرار البرلمان.
فى هذا السياق، قالت إيمان سالم، النائبة البرلمانية المستقلة، إنه من الصعب أن يوافق البرلمان على مثل هذا القانون، لأنه لا بد وأن يعتمد على شيء مقنع للنواب ولا يتنافى مع الشريعة والعادات والتقاليد المجتمعية، لافتة إلى أن الزنا الحكمى سيلقى اعتراضًا من قبل الكثير من النواب.
وتابعت: أن القانون يحتاج لتوضيح من قبل الأقباط والنواب لدراسة حيثيات القانون التى تقدمها الكنيسة، وقد نطالب بتعديلات للقانون لكن الموافقة عليه بهذا الشكل غير ممكنة، مؤكدة: لا أحد يوافق على زنا دون أدلة أو شهود. وعلى صعيد آخر، قالت إليزابيث عبد المسيح، النائبة القبطية، إن القانون لم تتم دراسته بعد وسنجتمع مع البابا تواضروس الأسبوع القادم ومع رؤساء الطوائف للوصول لرأى توافقى ليتم حسم الموضوع إما بالموافقة أو التعديل، مشيرة إلى أن القانون ليس به أى أسباب للرفض.
وتابعت: على المسيحيين الاحتكام إلى شريعتهم والمحكمة تعلم تمام العلم بالاختلافات، ولذا لا أظن أن المحكمة ستعترض على الزنا الحكمى بأى شكل، لأن للأقباط شريعتهم التى أقرت بذلك.
قانونيون: "موافقة المحكمة على الزنا الحكمى أمر مستحيل" ويبدو أن قانون الأحوال الشخصية سيواجه العديد من العقبات فإذا نجا من مخالب متضررى الأحوال الشخصية يقع فى فخ البرلمان، وإذا نجا من فخ البرلمان وقف خلف أسوار المحكمة إلى الأبد لاصطدامه مع قناعة المحكمة وافتقاده للأدلة والشهود.
فى هذا السياق قال نبيل مصطفى خليل، أستاذ القانون بأكاديمية الشرطة، إن موافقة الدولة على إقرار قانون الأحوال الشخصية وفقا للتوسع فى أسباب الزنا الحكمى بناءً على ما توصلت إليه الكنيسة أمر مستحيل، مشيرا إلى أن المحكمة لا تقر بالزنا إلا إذا كان فعليًا ووفقًا للضوابط والأدلة مطابقة بالقانون الجنائى والشريعة الإسلامية.
وأشار خليل، فى تصريحات ل"المصريون"، إلى أن إقرار الكنيسة هذا القانون يترتب عليه تصادم مع المحكمة التى تشترط وجود الشهود وتوافر كل أدلة الزنا، موضحًا أن الكنيسة كان بإمكانها تحاشى هذه الأزمة تحت أى مسمى آخر غير الزنا كالهجر أو الطلاق أو الانفصال الحكمي.
وتابع: الكنيسة من مصلحتها أن توجد الحل لأزمة الطلاق لكثرة الحالات، ولكن لا بد أن يكون هذا الحل فاتحًا لباب جديد من الصراع حتى لا يحدث خلط للأمور.
فيما قال المستشار رجب عزوز، قانونى ومحام بمحكمة النقض، إن الأسر المتضررة من الأحوال الشخصية انتقدت القانون ورفضته بشدة، وذلك لما وجدوه من أن 5 سنوات هجر مدة كبيرة وطالبوا بألا تزيد عن عامين، مشيرا إلى أن المحكمة قد تلقى اعتراضا على بند الزنا الحكمى لأنها لا تعترف بغير الدلائل والشهود والزنا الحكمى لا يدعم ذلك.
وتابع: المحكمة قد ترتضى بالزنا الحكمى فى حالة وجود محاضر رسمية، أما ما يتعلق برسائل وخطابات فإذا لم تشمل اعترافًا صريحًا بالزنا مستحيل أن تقبل المحكمة بالأمر، مشيرًا إلى أن الأمر يحيط به الشك، وبالتالى تبقى المشكلة عالقة بين الأقباط والقانون الذى يحول بينهم وبين ارتضاء المحكمة بالزنا الحكمى.