توجد بلا شك أزمة فى الوقود سيما البنزين.. والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود لا تكذب.. والأزمة تأتى فى سياق سياسى ومجتمعى لا يفصله عن الذكرى الأولى للثورة سوى أيام قليلة. تزامن الأزمة مع قرب 25 يناير، وفى بيئة إعلامية تحريضية، تدفع فى اتجاه الإحساس بأن وراءه نيات سيئة إلى حد بعيد. يوم أمس الأول.. سألتنى مذيعة بإحدى القنوات الفضائية العربية، ما إذا كانت الأزمة "عادية" أم "مفتعلة".. وهو السؤال الذى يعكس التوجس والانطباعات العامة المتشككة بشأنها وفى هذا التوقيت بالذات. والسؤال تبعه سؤال آخر: فإذا كانت "مفتعلة" وهو الاحتمال المرجح للأسباب التى أشرت إليها فيما تقدم.. فما الجهة التى تقف وراءها؟، ومن المسئول عنها؟! وزارتا البترول والتضامن تبادلتا الاتهامات.. وبشكل أقرب إلى "الشوشرة" وبدون تقديم أى مبررات مقنعة بشأن موقفهما من الأزمة.. وعلى نحو يشير إلى أنهما لا تعلمان عن أسبابها شيئًا. حالة الارتباك فى الجهات المسئولة عن توفير الوقود.. تشى بأن شيئًا آخر يقف وراء الأزمة، وأن ثمة ما يخيف فعلا حال استمرت إلى ليلة الخامس والعشرين من يناير.. فسوق الوقود بكل أنواعه، ظل هادئًا طوال الأسابيع الماضية، ولم يشكُ إلا من أزمة طبيعية كثيرًا ما كانت تتكرر سواء قبل الثورة أو بعدها، وهى أزمة أنابيب الغاز. البعض يرى أن "الجشع" هو الأصل فى المشكلة.. وهو احتمال أيضًا وارد.. ولعلنا نتذكر عمليات تهريب "السولار" و"بنزين 80 " عبر المصرية الفلسطينية لقطاع غزة وبيعه بأسعار خيالية. المعلومة الغائبة فى هذا السياق، هى أن غالبية محطات الوقود لا يمتلكها إلا أعضاء المجالس المحلية وأعضاء سابقون بمجلس شعب "سرور" و"أحمد عز".. وجميعهم كانوا نشطاء بالحزب الوطنى المنحل.. ويصنفون سياسيًا ك"فلول".. ولا ندرى على وجه الدقة أو التقريب، مدى صلتهم بقيادات سياسية كبيرة لا يزال ولاؤها على ذات الحماس للنظام السابق.. وهى الحالة التى ربما تفسر جانبًا من الأزمة. الجشع لا يفسر وحده "سر" الأزمة.. لأنها من الاتساع على نحو يحيلنا إلى الاعتقاد بأنها مرتبة ومنظمة لأسباب سياسية محضة.. خاصة أنها مصحوبة بغطاء إعلامى يستهدف التهييج والتحريض، والدفع بالناس للنزول إلى الشارع مرة أخرى يوم 25 يناير القادم ليس للاحتفال بالذكرى الأولى للثورة.. وإنما للصدام مع السلطة، وصوغ "شرعية" بديلة تعتمد على "العنف الثورى" عوضًا عن "الشرعية الديمقراطية"، التى أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة. [email protected]