هذا العنوان ليس من باب الدعاية السياسية ، ولكنه مضمون بعض الكتب والدراسات والمقالات التي صدرت ونشرت في العشر سنوات الأخيرة في العالم الغربي ، ومن أشهر هذه الكتب كتاب يورابيا Eurabia أو أوروبا العربية للباحثة اليهودية "بات يؤور " בת יאור التي ولدت في القاهرة عام 1933 .. وحصلت على الجنسية البريطانية .. واسمها الحقيقي "جيزيل ليتمان". لقد حذرت "يؤور" العالم الغربي في كتابها هذا ، وفي كتب أخرى من تحول أوروبا المسيحية إلى أوروبا العربية Eurabia التي سوف تشكل تهديدا كبيرا على المشروع الغربي المسيحي الصهيوني . و لم تكن "يؤور" وحدها هي التي تتبنى هذه الفكرة ، وأعني بها فكرة هذا الذوبان الثقافي الغربي أمام (الغزو الثقافي العربي والإسلامي) نتيجة عوامل متعددة منها الهجرات المتزايدة من العالم العربي إلى أوروبا ، وارتفاع معدل المواليد بين العرب والمسلمين عن نظيره الغربي .. لم تكن" يؤور" وحدها بل تبعها كتاب غربيون آخرون منهم الكاتب الصحفي "بروس بور" في كتابه "بينما كانت أوروبا نائمة" While Europe slept .. والأعجب أن هذه الفوبيا قد امتدت إلى أساتذة مرموقين في مجالات الفيزياء والرياضيات في الجامعات الأمريكية مثل البروفيسور بيل وارنر أستاذ الرياضيات والفيزياء الذي كتب كتابا ( ليس عن ميكانيكا الكم ) بل كان الكتاب بعنوان "قوانين الشريعة لغير المسلمين " Sharia Law for Non- Muslims .. ، وغير ذلك من الكتب التي تدور كلها حول فكرة واحدة هي الهزيمة الثقافية للمشروع الغربي والقيم الليبرالية الغربية أمام المشروع الإسلامي ! والسؤال الذي يطرح نفسه : هل هذه الًإصدارات والتخوفات في محلها أم هي مجرد "بروباجاندا "غربية لابتزاز واستفزاز تلك الشعوب ضد كل ما له علاقة بالإسلام .. ولتحقيق مكاسب سياسية على مستويات مختلفة ؟ إن هذا السؤال يجعلنا نعيد تقييم الوضع الراهن للعالم الإسلامي والمشروع الإسلامي بشكل عام .. مع تنامي حالة الإحباط (السياسي) للشعوب العربية .. وهي ترى أمام أعينها انهيار كثير من الأحلام والطموحات السياسية المشروعة للنهوض من حالة التردي الحضاري المستمر لعدة قرون في مختلف بلدان العالم الإسلامي بسبب الأنظمة الشمولية والتواطؤ الغربي بل والهجمة الاستعمارية التي تسعى دون تراجع لتمزيق العالم الإسلامي . يمكننا أن نقول بأنه لا خلاف على تراجع العالم الإسلامي سياسيا .. وهذا الواقع المؤلم في كثير من دول ودويلات العالم الإسلامي مثل سوريا والعراق والصومال وأفغانستان .. وغيرها هو أكبر دليل على ذلك الانهيار السياسي .. لكن تقييم الأمور بهذه الطريقة الأحادية .. يتعارض مع الموضوعية العقلانية ويفسح المجال لكثير من حركات التطرف والعنف والإرهاب ... وهو ما حدث و يحدث بالفعل . لكن في واقع الأمر .. فإن العالم الإسلامي في مرحلة من أقوى مراحله الثقافية .. للدرجة التي جعلت كتابا كبارا يحذرون من التحول الأوروبي الناعم للإسلام ، ومن سقوط المشروع الغربي أمام المشروع الإسلامي . لابد من النظر إذن إلى نصف الكوب المملوء لا الفارغ .. لندرك حقا أن أوربا لم تعد هي أوربا القديمة .. ويكفي هذه المظاهر الثقافية التي نراها في كثير من دول العالم الغربي حتى نظن في بعض الأحيان ونحن نتجول في بعض الشوارع الأوربية أننا نتجول في شوارع القاهرة أو الرياض . لقد كان لشبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي دور مهم في كسر الحواجز التي كانت تفرضها المؤسسات الراديكالية الغربية أمام المد الإسلامي حتى بدأت الحقائق تنكشف شيئا فشيئا عن عظمة هذا الدين وقيمه الحضارية الكبرى من حرية ومساواة وعدالة وتنوير . بل و عن دور الإسلام في تشكيل العالم الحديث والمشروع الحضاري الغربي ، كما أن زيف وخرافات وأساطير العقائد الأخرى انكشفت بوضوح أمام حقيقة التوحيد . لقد وقع الإسلاميون في عدة أخطاء حين اعتمدوا على الشحن الجماهيري العاطفي ضد العالم الغربي حين اختزلوا الصراع في الشكل السياسي فقط .. فأججوا المشاعر الغاضبة وغذوا حركات الإرهاب باسم الجهاد دون أن يلتفتوا إلى أوجه أخرى من أوجه الصراع وهي الصراع الحضاري والثقافي والقيمي .. وهي المعركة التي ينتصر فيها الإسلام يوما بعد يوم بطريقة مطمئنة وتبعث على التفاؤل ، حتى وجدنا كتابا غربيين يحذرون من تحول أوربا إلى أوربا العربية . تفاءلوا يرحمكم الله