شن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حملة هجومية على معسكر اليسار التونسي، واصفًا إياه ب"المتطرف الذي يفوق الإسلام السياسي شراسة". وأثارت الرسائل المتعدّدة التي وجّهها السبسي، خلال زيارته مملكة البحرين، أخيراً، إلى أحزاب اليسار واليمين التونسية، ردود فعل واسعة وتحديدًا الأوساط اليسارية في البلاد. وكان السبسي، قد انتقد أداء "الترويكا" التي حكمت بعد الثورة (النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي)، بشكل سريع، مشيراً إلى زوال ما سمّاه "خطر الإسلام السياسي" في البلاد، ومطمئناً إلى أنه "لا خوف من حركة النهضة الإسلامية". وتحدّث قائد السبسي عن خصومه السياسيين، وخصوصاً ما سمّاه ب"اليسار المتطرف"، قائلاً، إنّ "تونس نجحت في تطويع الإسلام المتطرف في حين لا تزال تقاوم اليسار المتطرّف"، ملمّحاً إلى تصريحات النائب عن "الجبهة الشعبية" اليسارية، عمار عمروسية، في جلسة سابقة في البرلمان، واصفًا إياه ب"اليساري المتطرف". وكان عمروسية استنكر في مداخلته أثناء الجلسة، اتهام "الجبهة الشعبية" بتقديم الأموال لمندسّين لتخريب المنشآت إبان الاحتجاجات التي انطلقت في محافظة القصرين، أخيرًا. وتحدّى عمروسية الرئيسي التونسي أن يقدّم دليلاً واحدًا على تورط "الجبهة" في أعمال التخريب. وبدا تحدي النائب اليساري دافعًا للسبسي ليخصّه بالذكر في حواره لصحيفة بحرينية، كنموذج للتطرف. ويُعرف القيادي عمروسية بين أوساط "حزب العمال"، وهو من قيادات انتفاضة "الحوض المنجمي" عام 2008. وساهم برفقة آخرين في تأطير تحركات المحتجين آنذاك، وإبقائها في إطار سلمي حفاظاً على أرواح المدنيين واتقاءً لضراوة نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وردّ عمروسية على السبسي في تصريحات لصحيفة "العربي الجديد"، قائلاً إن "الجبهة الشعبية يسارية بالفعل، لكنّها ليست متطرفة"، مضيفاً أنّ "التعرّض لتفاصيل الحياة السياسية واتهام المعارضة من منابر أجنبية تصرّف غير مسؤول، ويعكس رغبة في توجيه الأنظار نحو أعداء جدد في محاولة لخلط الأوراق في إطار حسابات إقليمية". وجدّد عمروسية مطلبه من السبسي، في إعطاء دليل على اتهاماته، مذكّراً إياه بتصريحات رئيس الحكومة، الحبيب الصيد أمام البرلمان حول الاحتجاجات، التي أكد فيها أن المنحرفين اندسوا وسط المتظاهرين لتحويل وجهة الاحتجاجات نحو العنف رغبة في الاستفادة من حالة الانفلات الأمني. ويرى مراقبون أنّ تغيّر موقف الرئيس التونسي تجاه حلفائه السابقين اليساريين ليس وليد اليوم، بل يعود إلى انطلاق التفاهمات مع حركة "النهضة" التي أعادت ترتيب الأدوار، إذ قفزت "الحركة" إلى قائمة الحلفاء، وخصوصاً بعدما امتنعت عن تقديم مرشح للرئاسة يزاحم السبسي ولم تساند خصمه منصف المرزوقي. ونزلت بذلك "الجبهة الشعبية" إلى مرتبة الأعداء، إذ لطالما رفضت مغازلات السبسي المتعددة، فلم تصوّت له في الدور الثاني للرئاسة، ولم تدخل معه في ائتلاف حاكم ولا في تشكيلة حكومية وتصدّرت المعارضة البرلمانية.