فى المقال السابق استعرضنا ما حدث فى الاتحاد الأوروبى من أزمة الديون الحكومية وهو أيضاً واقع الحال فى الكثير من الدول فى العالم الآن وبالطبع عندنا هنا فى مصر. لكن السؤال المهم هنا، هل فعلاً قضية الديون الحكومية تهدد الاقتصاد والأمن القومى فى البلدان المختلفة؟ والإجابة كلا، بل فى بعض الأحيان قد يكون المطلوب هو أن تستدين الحكومة لسد العجز فى مصروفاتها ونفقاتها! بل أحياناً تتعمد الحكومات لأن تزيد مصروفاتها عن إيراداتها حتى تستطيع أن تزيد من مشروعات التنمية التى تخدم صالح الاقتصاد كمشروعات للطرق وللكبارى والمستشفيات والمدارس ومترو الأفاق أو تعمير المدن الصحراوية. ولكن إذا كان الأمر كدين، فما هو إذاً خطورة دين الحكومة. ولماذا إذا كانت حالة الرعب والفزع التى اجتاحت الدول الأوروبية والأمريكية؟ والحقيقة أن الرعب والفزع كان نتيجة مصدر هذا الدين وليس الدين نفسه. فكانت الدول الغربية والأمريكية على حد سواء تعتمد منذ عقود على تمويل عجز ميزانياتها بالاقتراض، فلم تكن مشكلة طالما كان الاقتراض من الداخل أى من الأفراد والمستثمرين من داخل المجتمع، لأنها فى النهاية "زيتنا فى دقيقنا" . فإن اقترضت الحكومة من أفرادها فإنها ستكون ملزمة برد الدين متبوعًا بالفوائد. لكن تكمن المشكلة حينما أصبح الدائن أجنبياً، أصبح الخطر يتزايد من تدخل الدول الأجنبية فى صنع القرار الاقتصادى بما يؤثر على استقلالية الدولة. لكن من اللافت للانتباه هو تزايد الدين الداخلى والخارجى لمصر خلال الأونة الأخيرة، ومن المتوقع أن يأخذ الدين فى التزايد فى الفترة المقبلة، طالما زادت حاجة الدولة إلى التوسع فى الأنشطة الاستثمارية، ففى التصريحات الأخيرة للحكومة المصرية أعلنت أن حجم العجز فى الموازنة العامة بلغ 160 مليار جنيه ستقوم بتمويل العجز على النحو التالى: أولا: خفض النفقات الحكومية وترشيدها ب 20 مليار جنيه. ثانيا: الاقتراض من البنوك بمبلغ 80 مليار جنيه. ثالثا: الاقتراض من الخارج سواء عن طريق المساعدات والمنح والقروض بمبلغ 60 مليار جنيه. لكن قبل هذه الخطوة كان ينبغى على الحكومة أن تكاشف المجتمع، خاصة إذا كان هناك برلمان منتخب لأول مرة فى مصرمنذ عقود حتى نعلم حقيقة الوضع الذى نحن فيه، فالحديث الذى أدلى به وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات من أن عدد المسشارين فى الوزرات والهيئات الحكومية بلغ 93 ألف مستشار يعملون فى الجهات الحكومية المختلفة، بلغت أجورهم 18 مليار جنيه أى أن ثمن العجز فقط رواتب للسادة المستشارين، إذ نحن فى حاجة ماسة إلى تنظيف دوائرنا بنزاهة وشفافية حتى نستطيع معرفة جميع بنود النفقات وترشيدها. أما الشق الآخر الذى ينبغى التركيز عليه ألا وهو شق الإيرادات من الموازنة والمقصود هنا هو كيف نزيد الإيرادات؟ فالايرادات تتمثل فى الضرائب والرسوم والتعريفات والمنح التى تدخل إيرادًا للدولة، والإجابة فى قول واحد هو تحسين كفاءة الجهاز الضريبى يمكن أن تكون بنعم إذا استطعنا بناء جهاز ضريبى فعّال دون زيادة معدلات الضرائب. إن قدرة الجهاز الاحصائى الدقيق على حساب النفقات والدخول يُمكِّن إدارة الدولة من اتخاذ قرارات صحيحة لصالح الطبقات المتدنية فى الدخول بما يضمن لها حدًا أدنى من مستوى المعيشة المناسب والكريم. إن الولاياتالمتحدة ساعدت ما يقارب من 4.5 مليون أسرة فى منتصف عام 2011 في حين كانت 2 مليون أسرة فى عام 2005 بمدفوعات شهرية سواء أكانت نقدًا أو أطعمة. إننا فى مصر فى حاجة إلى هذه التوليفة المركبة من حب للحكومة وتصديقها وإعطائها حقها وهى على الجانب الآخر عليها أن تبادر حبنا لها بحب آخر، من حسن فى المعاملة وصدق فى الوعود وطهارة فى اليد وحزم مع موظفيها وكفاءة عالية فى أداء المنوط بها. إن على الحكومة أن تغير من أساليب إدارتها التى أكل عليها الدهر وشرب إلى أسلوب إلكترونى سهل وفعال ويُمكن المواطن من الخدمة حتى ولو كان فى بيته دون أن يتكلف عناء الذهاب إلى مكان الخدمة . مصطفى محمود شاهين [email protected]