يأتى إعلان مصر اعتزامها المشاركة في لجنة رباعية عربية مكونة من كل من "مصر وتونس وليبيا والعراق" لاسترداد الأموال المهربة في الخارج، ليعيد إلى الأذهان التجارب المصرية السابقة لاسترداد هذه الأموال، التي فشلت القاهرة فيها جميعًا في استرداد مليم واحد، فهل هذا الاختلاف في التعامل سيترتب عليه نتيجة مختلفة خاصة بعد أيام قليلة من إعادة لوكسمبورج أموالاً مهربة من نظام بن على إلى تونس، أو هي خطوة تشبه ما سبقها ولا فرق بينها إلا في الشكل فقط. قال الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، إن حظوظ هذه الدول مجتمعة في استرداد أموالها المهربة في الخارج ضعيف، لأن أسباب الفشل لا زالت قائمة حتى بعد هذا التشكيل الجديد شارحًا أنه لو كانت هذه الدول تمتلك القدرة على استرداد أموالها منفردة لما لجأت للدخول في تكتلات أو تجمعات. وتابع "الإشكال يرجع في الأساس لسببين الأول هو عدم قدرة هذه الدول على إثبات وجود أموال مهربة فعلاً بالخارج إلا جزء قليل منها في ظل إنكار وتعنت الدول التي فيها هذه الأموال، والثانى يتمثل في عدم توفر الآليات التي تتمكن من خلالها هذه الدول من استرداد أموالها بعد تعقيد الإجراءات والقوانين الدولية التي تعتمد قوانين قاسية في هذا الصدد. وتشكل هذه الإجراءات عقبات كبيرة تتمثل في التعاون على المستوى الدولى وتخاذل بعض البلدان الأوروبية عن تقديم أية معلومات ومطالبة سويسرا للجنة بإثبات أن هذه الأموال تم الحصول عليها بشكل غير مشروع وهو ما يحول بين اللجنة وبين الأموال علاوة على افتقاد بعض الدول شرط حسن النوايا لاستعادة الأموال ومصادرتها لصالحها مما يعنى حرمان مصر من ثرواتها المنهوبة، إضافة إلى تغييرات الساحة السياسية المتعاقبة، مما جعل تلك الدول تشكك في جدية مصر من استعادة أموالها المهربة. وقال الدكتور مختار الشريف، الخبير الاقتصادي إن المشاركة في هذا التكتل هي لإحداث ضغط على الدول المحتمل عندها أموال مهربة، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى توافر شروط معينة أبرزها توافر مبدأ تأييد الديمقراطية لدى الدول التي لها أموال في الخارج. وأكد أن دولاً كثيرة نجحت في استرداد أموالها بعد اتخاذ إجراءات كثيرة والصبر لسنوات مثل دول الفلبين والمكسيك وأنجولا. أما حجم الأموال المهربة من هذه الدول فمتفاوت بين دولة وأخرى، تشير تقارير صادرة عن مؤسسات دولية إلى أن حجم الأموال المهربة من مصر يبلغ 143 مليار دولار، فيما تُقدر منظمة الشفافية التونسية غير الحكومية حجم الأموال المنهوبة من قبل بن على وأقاربه ب32 مليار دولار، أما ليبيا فيؤكد مسؤولون أنها أكثر من 68 مليار دولار، فيما تتصدر العراق القائمة بتريليون و14 مليون دولار وفقا لهيئة النزاهة العراقية. وكان ملف استرداد الأموال المصرية المهربة بالخارج قد شهد تشكيل 8 لجان نيط بها جميعًا وظيفة استرداد أموال مبارك ورموز نظامه عقب ثورة 25 يناير، كان أولها في شهر أبريل عام2011 إبان حكم المجلس العسكرى مرورًا بعدة لجان تشكلت لاحقًا لنفس الغرض تعددت صفتها ما بين رسمية وشعبية، إلا أن القاسم المشترك بينا جميعًا هو فشلها الكامل في إرجاع أي جنيه فضلا عن استهلاكها 64 مليون دولار في شكل مصروفات لاسترداد الأموال والأصول المهربة بالخارج. وتعد جريمة نهب الأموال العامة وتهريبها هي إحدى جرائم الفساد والذي ليس له تاريخ ميلاد، كما أنه ليس له تاريخ انتهاء صلاحية في أي زمان أو مكان، ولعلها أخذت طابعها القوي في المنطقة العربية تحديدًا خلال العقود الأخيرة في ظل مرحلة استقرار لأنظمة الحكم السائدة والمسيطرة خلال تلك الفترة، ورغم توسعها لدرجة خيالية تعدت أرقامها أضعاف إجماليات الموازنات العامة إلا أنها لم تخرج للوجود كمطلب حقوقي للرأي العام، إلا مع ثورات الربيع العربي وما نتج عنه من إطاحة بأنظمة حاكمة في بعض الدول العربية لتطفو على السطح المطالب الشعبية بملاحقة واسترداد الأموال المنهوبة والمهربة. وكان المستشار أحمد الزند، وزير العدل، قد أعلن أنه يجرى العمل على إنشاء لجنة مصرية ليبية تونسية عراقية مشتركة، تكون مهمتها التنسيق والتعاون، من أجل العمل على اتخاذ خطوات لاسترداد الأموال المهربة من تلك الدول إلى الخارج خلال أنظمة الحكم السابقة.