ناقش خبراء تونسيون تصريحات وزير المالية، سليم شاكر، التي ذكرها في منتدى رويترز بالقاهرة حول حقيقة تردّي الوضع الاقتصادي، واستعمال آلية الصكوك للحصول على تمويلات إضافية مقابل رهن بعض المنشآت العمومية. وطرحوا في تصريحات منفصلة للأناضول رؤيتهم للخروج من الأزمة الاقتصادية القائمة. وفي هذا السياق، قال الاستشاري في الاستثمار محمد الصادق جبنون "لو كنت مكانه لما قلت هذا الكلام بمثل هذه الصفة الدراماتيكية، لأن تونس لم تلعب أوراقها بعد"، مضيفا "مثل هذه التصريحات تخيف المستثمر الأجنبي والمحلي على حد السواء وترفع أسهم المغرب الأقصى الشقيق على حساب تونس". واكدّ جبنون أنّ "مثل هذه التصريحات المرتبكة تعطي أثرا سلبيا، فماريو دراغي محافظ البنك المركزي الأوروبي لا يلقي مثل هذه التصريحات أثناء الأزمات المالية الكبرى، لا يتكلم كثيرا ولكنه بجملة واحدة، عندما يعلن تمويل الدين اليوناني يقلب كامل السوق، وهذه الميزة التي يجب أن تتوفر في وزير المالية ومحافظ البنك المركزي بصفة عامّة". وحول حقيقة الوضع الراهن في تونس ومدى تشابهه مع الوضع اليوناني، أكد جبنون أنّ "الوضع في تونس لم يصل بعد إلى هذا الحدّ، هناك أوراق لتونس يمكن أن تلعبها وأقلها علاقة تونس بالصين، فالمطلوب اليوم لقاء تونسي صيني أو آسيوي لأن آسيا والصين والهند (بمثابة)الممول الرئيسي للاقتصاد العالمي وتبحث الآن على مناطق ارتكاز بين أوروبا وأفريقيا". وأضاف "تونس يمكن أن تمثل المحطة المثالية للاستثمارات الصينية والآسيوية بصفة عامة لكن بشرط الانطلاق وانجاز الإصلاحات الهيكلية في أقرب وقت ممكن وخاصة مقاومة البيروقراطية". وأردف "يمكن بعد ذلك تحقيق قفزة نوعية ويمكن الوصول إلى نسبة نمو في حدود 3 في المائة، وإذا انفتحنا على المجالين الآسيوي والافريقي يمكن للاقتصاد التونسي أن يسترجع نسبة نمو 5 في المائة". من جهته، اعتبر أستاذ الاقتصاد رضا قويعة أنّ تصريحات وزير المالية في المنتدى تمّ خلالها عرض برنامج الحكومة لعام 2016 والتي ذكر فيها أن نسبة النمو ستكون في حدود 2.5 في المائة. وأضاف أنّ "نسبة 2.5 في المائة يمكن تحقيقها، لكن إذا نظرنا لما حدث في عام 2015 التي كنا ننتظر تحقيق نسبة نمو 2.8 في المائة، والتي تراجعت إلى 0.5 في المائة ويمكن أن تكون 0.0 في المائة حسب العديد من الخبراء، بالتالي ففي هذه الحالة فإن النسبة المتوقعة لعام 2016 يصعب تحقيقها". وبيّن أستاذ الاقتصاد، أنّ عدم تحقيق هذه النسبة يعود إلى أسباب عدّة منها "عدم استقرار الوضع الأمني، وعدم ايجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية (تطاحن في مستوى الأحزاب، اضرابات مبرمجة وأخرى غير شرعية، مشاكل اجتماعية كثيرة)، ودون تحسّن هذه الأوضاع سيكون من الصعب تحقيق نسبة 2.5 في المائة". واعتبر قويعة أنّ اللجوء إلى الاقتراض الخارجي أصبح مرتفعا جدا حيث يصل 54 في المائة من الناتج المحلي الخام مقابل 42 في المائة في 2010، وهذا الارتفاع يعتبر عائقا كبيرا وخاصة في 2017 تاريخ تسديد هذه الديون الذي سيكون على حساب الاستثمارات والتنمية بالجهات المحرومة من أجل الإرث الثقيل للماضي والإرث لما بعد الثورة". وأضاف أن "القرار الأخير من البنك المركزي المتعلق بتخفيض نسبة الفائدة ب 0.5 سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف أي أن الدولار سيرتفع، مشيرا إلى أن هذا القرار له ايجابيات وسلبيات". وتتمثل السلبيات حسب محدثنا في أنّ توريد المنتجات وخاصة المواد الأولية ونصف المصنعة سيرتفع ثمنها إذ أن سعر الدولار سيكون تقريبا دينارين، وبالتالي سيرفع تكلفة الانتاج وهو ما سينعكس على اسعار البضائع المستهلكة وسيؤدي إلى ارتفاع التضخم". إلى جانب أن القروض الخارجية يتم تسديدها بالدولار، يضيف قريعة، و"هو ما سيزيد في ثقل تسديد القروض في تونس، ففي سنة 2017 سيكون هناك عجز كبير في ميزانية الدولة من أجل تسديد الديون". أما الايجابيات، بحسبه، فتتمثل في أنّ انخفاض سعر الدينار سيزيد من الصادرات ويحسّن السياحة التي تلعب دورا كبيرا في الاقتصاد الوطني، كما أنّ تخفيض نسبة الفائدة من شأنه تسهيل الاستثمارات والاقتراض للمستثمرين ويمكن أن يكون له انعكاس سلبي على الادخار. وأكدّ أنّ آلية الصكوك الإسلامية معتمدة في عدة دول، "المهم هو معرفة أين ستستغل هذه الصكوك؟ هل ستذهب إلى قطاعات منتجة ومربحة ستمكننا من استرجاع ملكية ما تمّ رهنه وقتيا؟ هل ستقوم هذه الآلية بالرفع من انتاج الاقتصاد التونسي؟ من جهته قال الخبير المالي معز العبيدي إن "وضعية الاقتصاد التونسية غير مريحة وأن الحكومة أمام خيارين إما بقاء "دار لقمان" على حالها مع بعض الإصلاحات الشكلية الجزئية أو إصلاحات حذرية". وأضاف أنّ " ماكينة خلق الثروة معطلة ولا مفّر من التداين، بسبب عدم وضوح الرؤية في مناخ الاستثمار، وهشاشة الوضع الأمني، بالإضافة إلى العجز الهيكلي في الميزان الجاري". وقال العبيدي إن "هذه الوضعية نحسها اليوم بضعف الموارد الجبائية والعائدات السياحية، وضعف الاستثمار الأجنبي، وتراجع واردات مواد التجهيز". ويتمثل الخيار الثاني، حسب العبيدي في أن "يكون الاقتراض حلّ ظرفي والحل الدائم هو تحقيق السلم الاجتماعي وتنقية المناخ الأمني، ووجود مصداقية في الخطاب السياسي". كل ذلك، بحسب العبيدي سيؤدي إلى "انطلاق الإصلاحات الهيكلية وتحسّن الميزان الجاري وتدفق الاستثمار الأجنبي، وارتفاع المخزون من العملة الصعبة، وهو ما يؤدي إلى تراجع نسبة التداين". وفيما يتعلّق بآلية الصكوك، أوضح الخبير المالي أنّ "هذه الآلية موجودة في كل دول العالم لكن في تونس مع الأسف طغى عليها الطابع الأيديولوجي"، مؤكدا أنّ "الأهم هو لماذا وصلنا إلى وضعية نبحث فيها عن حلول كلها تؤدي إلى التداين؟". وأضاف أنّه "لو لا تعطيل عملية الانتاج (الفوسفات) لما ذهبنا إلى البنك الدولي وإلى صندوق النقد الدولي ولا إلى آلية الصكوك". وأكدّ معز العبيدي أنّه "طالما أن الهاجس الأمني في صدارة الاهتمام، والصراع الموجود في المشهد السياسي لن يكون (هناك) خروج من الأزمة المالية ولا مفر من التداين". وقال الخبير الاقتصادي عبد الجليل البدوي إنّ "تصريح وزير المالية يدل على ازدواجية في الخطاب التي من شأنها أن تزيد من الضبابية وأن تؤثر سلبا على مناخ الأعمال وعلى امكانية الحث على الاستثمار". وأضاف "أمام الرأي العام الداخلي والبرلمان فإن التصريحات عندها منحى تطميني وتؤكد إمكانية الحكومة على رفع التحديات ولكن أمام الرأي العام الخارجي يصبح الحديث عن وضعية تتسم بالإحباط والاستياء من عدم وفاء أصدقاء تونس بوعودهم رغم أنّ تونس مهددّة بأن تتحوّل العاصفة إلى إعصار". وأكدّ البدوي أنّ "مثل هذه الخطابات من شأنها تعقيد الوضع والمساهمة في استمرارية الضبابية خاصة بالنسبة إلى المستثمرين الذين هم في حاجة إلى وضوح الرؤى المستقبلية وإلى خطاب سياسي واضح المعالم". وأشار "أن الوضع الأمني والاجتماعي إلى حدّ الآن غير مستقر وغير مطمئن، وينضاف إلى ذلك تقييمات رسمية مزدوجة، من شأنها تعقيد الأمر وعدم الاطمئنان لدى رجال الأعمال خاصة". وبيّن ان "الظرف الاقتصادي في تونس صعب وسيكون أكثر صعوبة في السنوات القادمة وخاصّة عام 2017 عندما يحين تسديد خدمة الدين التي ستكون في حدود 8 مليارات دينار مقابل خدمة في حدود 5 مليارات دينار العام الحالي". وأوضح البدوي أنّه "في ظل ركود اقتصادي وتوازنات مالية داخلية وخارجية غير مريحة، فإنّ ها الوضع سيصعب مواجهته دون موارد خارجية هامة، وهذه المواجهة تتطلب اللجوء إلى المؤسسات المالية العالمية التي ستتيح لها الفرصة لفرض إصلاحات واختيارات صعبة تحتّم برامج تقشفية وسيكون المتضرر الرئيسي الطبقات الشعبية". وأكدّ أنّ "الحل للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية يكمن في حسن أداء الحكومة التي يجب أن تكون قادرة على فرض إصلاح جبائي يوفر ما يكفي من الموارد الذاتية لتتمكن الدولة من القيام بواجبها التنموي، بالإضافة إلى ضرورة الحفاظ على حدّ أدنى من السلم الاجتماعي ورفع الانتاجية". وكانت كاتبة الدولة لدى وزير المالية، بثينة بن يغلان قالت في تصريح صحفي "إن الوضع الاقتصادي التونسي ليس بالكارثي، رغم الضغوطات الكبيرة التي يعيشها". وأضافت أنّ "الاقتصاد التونسي يمر بضغوطات كبيرة وكذلك الارتفاع الكبير في كتلة الأجور الذي كان له تأثير كبير على ميزانية الدولة ولكن الوضع ليس كارثيا". وفيما يتعلّق بإصدار الصكوك وما يشاع حول رهن بعض المنشآت العمومية، قالت بن يغلان "إنّه ليس هناك أي شيء سيتم رهنه والصكوك آلية، مثل سندات الخزينة التي نخرج بها سواء كان في السوق الداخلية أو السوق الخارجية لجلب التمويل"، مؤكدة أن "القانون التونسي ضامن لكل ممتلكات الشعب".