ما حدث فى شارع محمد محمود منذ أكثر من أسبوعين، وما يجرى اليوم من أحداث أمام مجلس الوزراء.. مسألة "محيرة" إن لم تكن مدهشة إلى حد كبير. تتشابه الواقعتان فى أنهما محض "اعتصام" محدود لا يشارك فيه إلا بضع عشرات من الشباب، ليس به فى مراحله البكر ما يستفز أجهزة الدولة بالمرة، وكان يمكن أن يُترك لأيام وأسابيع طالما ظل فى إطار الاحتجاج السلمى الذى يقره ويحميه أيضًا القانون.. غير أن اللافت والمثير للتأمل.. أنه فجأة يتحول عن مساره السلمى إلى مواجهات دامية، بين أطراف متعددة: المعتصمون وبلطجية وقوات أمن، يسقط خلالها الضحايا، بلغت حتى الآن ما يقرب من خمسين شهيدًا فى الحادثين! المسألة التى لا تزال حتى اللحظة طى التجاهل وتعمد دسها فى "أضابير" صخب الشوارع والإعلام هى تزامن هذا التحول من "السلمى" إلى "الدموى" مع إجراء الانتخابات من جهة، واستهداف المؤسسات التى لها معنى سياسى وأمنى يتماس معها من جهة أخرى! فأحداث محمد محمود بدأت باعتصام على "القد".. ثم تم تطويره إلى محاولة للاقتحام المسلح لوزارة الداخلية، وبالتوازى مع عمليات مشابهة ضد 15 مديرية للأمن فى أكثرمن محافظة، وهو المنحى الذى كان يستهدف المقر الرئيس فى "لاظوغلى" لدلالته الرمزية المفصلية فى مسألة تأمين الانتخابات.. إذ يظل سقوط المبنى فى يد المتظاهرين المسلحين ب"المولوتوف" هدفًا لتأجبل الانتخابات أوتعليقها، وقد أثمرت العملية ارتباكا كبيرًا داخل المؤسسة الأمنية المصرية، ظهر جليا فى التصريحات المرتعشة لوزير الداخلية السابق، إذ بدا وكأنه قد رفع الراية البيضاء معلنا هزيمة المشروع الديمقراطى الوليد فى مصر. أحداث مجلس الوزراء.. تكاد تكون "سيناريو" مستنسخا من أحداث محمد محمود، بدأت باعتصام رمزى صغير وانتهت بسقوط أربعة قتلى من بينهم نائب فضيلة المفتى.. لكن اللافت أيضا أنه تغيير مسارها السلمى إلى ما يشبه الهجوم المسلح على مبنى "مجلس الشعب".. وليس بوسع أحد أن يتجاهل الدلالة الرمزية للهدف المختار لقنابل "المولوتوف".. خاصة أن الحادث يأتى عقب دعوات إلى تأسيس "برلمان" مواز فى "التحرير" بقصد التحرش بنتائج الانتخابات وبالبرلمان المنتخب. المشكلة الأكبر أن الكل دخل سوق المزايدات إما على الشارع وإما على المجلس العسكرى.. وهى سوق صاخبة تختلط فيها "المصالح" مع المواقف الوطنية الجادة والنبيلة، فيما لا يطلب أحد التحقيق مع كل الأطراف.. فدائمًا هناك طرف واحد فقط هو المُدان ويجرى تحديده وفق "المصالح" السياسية الخاصة وليس بمنطق الانصياع للمثل الوطنية العليا. [email protected]