اذا انتزعت شعرة واحدة من رأسك ستلاحظ أن بأحد طرفيها انتفاخا صغيرا نصف شفاف، هو جذر الشعرة أو حويصلتها. يوجد تقريبا حوالي مليون خلية في كل حويصلة هي التي تصنع الشعر الذي يتكون أساسا من بروتين يسمي "الكيراتين". ومثل كل بروتين يتكون الكيراتين من أحماض أمينية محددة ومرتبة بنظام وشكل خاص بذلك البروتين (لكل بروتين بصمته الخاصة في صورة ترتيب أحماضه الأمينية وكذلك تركيبه). يكمن السر في خصوصية أي بروتين في محتوي "دي ان ايه" في كروموزومات كل خلية. تحتوي خلية الشعر مثل الخلايا الجسدية-في الانسان-علي مجموعة كاملة من الجينات علي الجينوم (في 46 كروموزوم)، وبعض تلك الجينات يعطي تعليمات لتكوين الكيراتين، أما الجينات الأخري والخاصة بأعضاء جسم الانسان (كالعظم والكبد وغيرها) فتكون معطلة في خلايا الشعر. اذا كتبت أحرف القواعد النيتروجينية (أدينين "أ"، جوانين "ج"، ثايمين "ث" و سيتوزين "س") لجينوم الانسان في اوراق لأحتاج الي ما يعادل ألف كتاب (في حجم دليل التليفون)، كل كتاب عبارة عن ألف صفحة. لو فردنا خيط "دي ان ايه" واحد في الانسان ثم مددنا أجزاءه معا في صورة خيط مستقيم، لبلغ طوله مترين وقطره أقل من بليون من المتر (20 أنجستروم)، ولأن في كل انسان موجود علي وجه الأرض أكثر من عشرة بلايين خلية من أنواع مختلفة في كل جسمه، لذلك لو تم وأوصلنا خيط "دي ان ايه" كل الخلايا الموجودة في أي انسان بمفرده، لكان طول الخيط الناتج كافيا لتطويق الكرة الأرضية اكثر من 300 مرة. يتألف "دي ان ايه" في الانسان من حوالي ثلاثة بلايين حرف أو قاعدة نيتروجينية تكفي لتشفر (تعبر) لنحو 100ألف-300 ألف جين، والجين هو مساحة من تتابع الأحرف في "دي ان ايه" يمكنها أن تحدد بروتينا أو أي تركيب آخر يقوم بمهمة في الخلية. في معظم الكائنات الحية طول الجين يكون عموما في المتوسط حوالي 30 ألف زوج أحرف، لكن في الانسان قد يصل طول بعض الجينات 10 آلاف زوج أحرف، بعضها يقوم بدور في تشذيب الحمض النووي "أر ان ايه المرسال" لتخليصه من الاجزاء الغير مشفرة (الانترونات) والابقاء علي المناطق المشفرة فقط (الأكسونات). ومن خلال دراسات عديدة توصل العلماء الي أن الجين الواحد قد يشفر لحوالي 10-20 وظيفة مختلفة في الانسجة المختلفة. توجد علي طول خيط "دي ان ايه" في الانسان مناطق معينة تتكرر فيها تتابعات من الاحرف بشكل وعدد يخص كل فرد (بصمة وراثية)، تلك المناطق تسمي اختصارا "فنترات". أما "الريفليب" وهي قطعة من "دي أن ايه" موجودة علي طول الكروموزومات تفرق بين فردين (محققة للهوية). وتعد الريفليبات ناتجة من تقطيع "دي ان ايه" بأنزيم التحديد التي ينتج عنها أجزاء "ريفليبات" مختلفة الاطوال تستخدم كواسمات (ماركر أو علامات) للجينات لدراستها. في "دي ان ايه" الانسان تباين كبير، بحيث يوجد موقع للتباين بمعدل ألف زوج أحرف في جينوم يحتوي تقريبا علي 3 بلايين أزواج أحرف بكل خلايا الانسان (ما عدا كرات الدم الحمراء لغياب النواة بها). كل فرد يحتوي "دي ان ايه" متطابق بكل خلاياه ولا يتغير أثناء الحياة، بمعني أن "دي ان ايه" ثابت الي حد بعيد. من الممكن الآن وبأستخدام الريفليبات أن نميز كل فرد بدقة بالغة من خلال خلايا الانسان، حتي من شعرة واحدة أو حيوان منوي واحد. وعندما نفهم وظيفة الكثير من الجينات وكذلك الصفات الشكلية التي تعبر عنها مثل لون العين أو لون الشعر وكذلك تفاصيل فراسة الوجه وصفات اخري، فقد يثبت أنه بالامكان استقراء صورة قريبة الشبه جدا لمواصفات أي شخص من خلال تتبع "دي ان ايه" شعرة واحدة منه، وهذا يعني أن سقوط شعرة من رأسه في أي مكان قد يشجع البعض بأن يقتحموا خصوصياته. للعثور علي جين في مكان ما علي جديلة (شريط) دي ان ايه في أي شخص، يبذل العلماء جهودا كبيرة لأننا لو فردنا كل الجينوم وتخيلنا انه يحيط بالكرة الأرضية، فان علي هذا المقياس فان كمية "دي ان ايه" بالكروموزوم الواحد تمتد لمسافة ألف ميل، ومن ثم فان هذا الجين سيشغل علي ذلك المقياس واحد علي عشرين من الميل. العلاج الجيني للأمراض الوراثية: الأمراض الوراثية الناتجة عن خلل في "دي ان ايه" الانسان، قد يكون ناتج عن طفرة عبارة غن تغيير في حرف واحد (قاعدة نيتروجينية) مثل مرض "هينتنجتون"، وقد لا يزيد الخلل علي طول الجينوم مسافة واحد علي عشرين من البوصة، لذلك كان سابقا اذا أراد العلماء تحديد الخلل الوراثي، فهم كمن يبحث عن شيء لا يتجاوز جزء من البوصة فوق محيط الكرة الأرضية، الأمر الذي كان يتطلب عبقرية مصحوبة بمجهود جبار. فكر العلماء كثيرا لحل تلك المشكلة السابقة، حيث استخدموا أنزيمات التحديد (محفزات تفاعل)، التي تعمل كمقص صغير جدا (منمنم) فتقوم بقطع "دي ان ايه" في مواقع محددة خاصة منتجة "ريفليبات" ذات تتابع من الأحرف خاص بكل فرد محددا هويته. تختلف مواقع وأماكن القطع في جميع البشر، ونتيجة لذلك يختلف طول الشظايا (القطع) الناتجة بين كل موقعين الأمر الذي شجع العلماء في استخدام تلك الظاهرة في التمييز بين الأفراد جميعا فرد عن آخر أو كروموزوم عن آخر. وتلك الفروقات تورث مثل الجينات لذلك تعمل الريفليبات كواسمات (علامات) في أي "دي ان ايه" محددة الهوية الوراثية. البعض قد يحمل الجينات التي تمهد لحدوث بعض الأمراض الوراثية ولا يظهر عليها اعراض خارجية، الا أنه حينما يتعرض الانسان لبعض الظروف، تنقلب تلك الجينات الي محدثة للمرض. يأمل العلماء ومن خلال أخذ عينة من "دي ان ايه" المولود (خاصة من لدي آبائهم تاريخ مرض وراثي)، أن يتمكنوا من الكشف عن الصور الأليلية (الصورالأخري البديلة) للجينات المسؤولة عن بعض الامراض الوراثية مثل أمراض القلب وأمراض الهيموفيليا ومرض أنيميا الخلايا المنجلية وبعض أمراض السرطان والمناعة وغيرها، حيث سيتوفر لكل جين به عطب طريقة للعلاج. وبذلك سيستجيب الطب ويعمل بنظام "الوقاية جينيا" بدلا من نظام "رد الفعل" من قبل. عندما يتم التأكد من تحديد الجين المسبب للمرض، فيمكن وعن طريق ادخال جزء من "دي ان ايه" الفرد السليم فيبدأ الجزء من الجين الذي به خلل في تعديل واصلاح نفسه والعمل علي الوجه الصحيح. بدأت التطبيقات الجينية في العلاج في اوائل التسعينات بمساعدة دكتور فرينش أندرسون، حيث عالج مرض أنيميا الخلايا المنجلية الناتج عن طفرة تستبدل فيها قاعدة نيتروجينية بأخري يترتب عليها تغيير في بروتين الدم، قام أندرسون بتحوير جين الهيموجلوبين المعطوب وادخاله للخلية مرة ثانية عن طريق أحد الفيروسات الارتجاعية المحتوي علي "أر ان ايه" كناقل للجين. البصمة الوراثية لاثبات النسب والكشف عن الجريمة: المنهج الأساسي لتحديد بصمة "دي ان ايه" بسيط، حيث يتم استخلاصه من العينة الدليل وكذلك من دم المتهم، ثم يتم قطعها الي ملايين الشظايا باستخدام "انزيمات التحديد" والتي تقطع عند تتابعات بذاتها. بعد ذلك تفرد الشظايا خلال الجيل كهربيا، بحيث تهاجر القطع الخفيفة سريعا مبتعدة عن قمة الجيل، بينما الأكبر حجما فتكون بطيئة الحركة وقريبة من المقدمة. باستخدام دلائل مشعة يتم مقارنة شظايا العينة المشكوك فيه مع ناتج العينة الدليل، فاذا تم التوافق كان ذلك دليل دامغا علي المتهم. واذا لم تتوافق النماذج عند كل المواقع، كان ذلك دليلا علي أن العينة تعود الي مصدر آخر غير المتهم. من الجدير بالذكر أن بصمة "دي ان ايه" يتم قبولها كدليل اثبات في كل المحاكم. بعض المشاكل التي تواجه المشتغلين في هذا المجال، أنه يمكن اجراء البصمة الوراثية وتشخيصات طدي ان ايه" في المعمل بشكل نموذجي حيث سهولة التحكم في الظروف المثالية للمعمل من عينات جديدة لم يصبها تلف وأيضا نظيفة ومصدرها واحد معروف، هذا بالاضافة الي انه يمكن اعادة الاختبارات أكثر من مرة للتأكيد اذا تشككنا في النتيجة. أما في في ظروف الحوادث، فان العينات التي يعثر عليها في موقع الجريمة ربما تكون قد تحللت كليا أو جزئيا من جراء الظروف البيئية المحيطة، او تكون ممزوجة أو ملوثة بعينات من أفراد كثيرة مثل حالات الاغتصاب الجماعي مما يمثل صعوبة في الفصل. أيضا يحدث وقد لا يوجد من عينات "دي ان ايه" المراد التعرف عليها سوي مقدار ضئيل للغاية (ميكروجرام واحد أو أقل)، وهذا يكفي فقط لاجراء الاختبار لمرة واحدة دون اعادة للتأكيد علي صحة النتائج.