يمتلك الانسان مئات المليارات من الخلايا المختلفة في كل جسده (3.7 ×1013)، حجم الخلية حسب نوعها يتراوح بين 8 الي أكثر من 100 ميكروميتر، والميكروميتر يساوي واحد علي ألف من المتر، علما بأن قدرة الانسان علي أن يري أقل شيء بدون مساعدة وهو 1, مليمتر. وللتبسيط فانه يمكن وضع أكثر من خمسة ملايين من الخلايا علي رأس دبوس. كل الخلايا الجسدية-فيما عدا خلايا كرات الدم الحمراء-تحتوي علي نواة مكونة من 46 كروموسوم, بينما في الخلايا الجنسية (البويضات والحيوانات المنوية) تحتوي علي نصف العدد وهو 23 كروموسوم. كل كروموسوم مكون أساسا من حمض نووي دي ان ايه "د ن أ" بالاضافة الي بعض المكونات الأخري كالبروتين والقليل من الدهون وحمض نووي أر ان ايه "ر ن أ". دي ان ايه-الجينوم- عبارة عن شريط مكون من بلايين الأزواج من القواعد النيتروجينة ويتم اختصارها بالأحرف "أ، ج، س، ث"، مجدولة مع بعضها في حيز مساحته ستة ميكرون-ستة علي مليون من المتر، بحيث لو فرضنا وتم فرد شريط دي ان ايه سوف يكون طوله مترين. ولك أن تتخيل أنه لو تم توصيل كل محتوي دي ان ايه في خلايا الانسان جميعا مع بعضهم سوف يكون الناتج شريط طوله يلف النظام الشمسي مرتين، أو يصل طوله مابين الأرض والشمس سبعين مرة ذهاب وعودة. يحتوي الشريط الكامل من دي ان ايه في خلية الانسان حوالي من 50-100 ألف جين، وكل جين مكون عبارة عدد من الأحرف-تختلف في العدد حسب نوعه من ألف الي مائة ألف-وهي المسئولة عن الصفات المختلفة في الانسان. ويعتبر اختلاف ترتيب الأحرف وتكرارها هي بصمة تميز كل فرد منا أي "تفرد". والشريط مقسم الي "مواقع" مختلفة لكل موقع عنوان، وتلك المواقع بعناوينها ثابتة في بني البشر، لكن تختلف في "محتوي وترتيب الأحرف" تلك المواقع. بعض المواقع تتكرر، ويعد عدد تكرارها في جينوم الانسان بشل مختلف ميزة لكل انسان، وتسمي تلك المكررات بالرفلبيات أي "المكررات الترادفية المتباينة العدد"، وهي تستخدم كبصمة وراثية للانسان، ويتم تحديدها عن طريق تحليل دي ان ايه خلايا الانسان في الدم، الشعر، الجلد، أو أي نسيج. يساعد ذلك في الكشف عن الجريمة عن طريق فحص بعض ما تركه الجاني ومقارنته بالعينات المأخوذة من المشتبه فيهم. تتطابق البصمة الوراثية في التوائم المتماثلة-التي نتجت من انقسام بويضة واحدة- بنسبة 100% أي نفس ترتيب وتسلسل الأحرف علي الجينوم، بينما يصل التطابق الي 50% بين الآباء والأبناء والأخوة الأشقاء، و25% تطابق بين الجد والعم والعمة والخال، بينما ابن العم المباشر يصل التطابق الي 12 ونصف في المائة، ويقل التشابه كلما بعدت القرابة. يسع "دي ان ايه" الخلية البشرية الواحدة تخزين معلومات في صورة عدد أحرف بما يعادل أربعة أضعاف التي بالموسوعة البريطانية، والعجيب أن المستخدم من تلك الأحرف فعليا علي كل الجينات هو 1%، والباقي أي 99% منها لم يتم التوصل حتي الآن لوظيفته، مما أدي بعلماء البيولوجيا بأن يطلقوا عليها "الجين الأناني" نظرا لأن 99% عبأ علي 1% فقط. يعد أي تغيير في ترتيب الأحرف علي شريط دي ان ايه حتي لو في حرف واحد، بمثابة طفرة حيث ينتج عنها-عند ترجمتها- بروتين بشكل جديد ووظيفة جديدة، وقد يؤدي ذلك الي حدوث مرض مثل مرض "أنيميا الخلايا المنجلية" وهو يصيب كرات الدم الحمراء فتكون مقوسة كالمنجل وتنتهي بتكسيرها، والذي ينتج من استبدال حرف-قاعدة نيتروجينية- بأخري مما يتتب عليه تغيير طفيف في البروتين الناتج متمثل في حمض أميني واحد. أما لو حدث تغيير في أكثر من حرف بحيث يتكرر ذلك التغيير عدد من المرات-أكثر من 40 مرة-فينتج عنه مرض تتوارثه الأجيال وهو مرض "هينتجنتون" وهو تدهور مرحلي للحالة العقلية بسبب موت خلايا المخ وتبدو أعراضه في صورة حركات لا ارادية تشبه الرقص وذهان. تحدث الطفرات بشكل طبيعي في كل الكائنات او نتيجة للتعرض لبعض المواد الكيميائية أو الاشعاع، وقد يؤدي ذلك الي تطور الكائنات الحية أو مشاكل، يحدث أخطاء أو تبديل في الاحرف أثناء الانقسام في الخلايا نتيجة للظروف البيئية، لكن الله سبحانه وتعالي وهب الخلايا التي قد يحدث بها تلك التغيرات القدرة علي الاصلاح الذاتي بشكل تلقائي، ذلك حتي لا ينتج عنها مشاكل غير محمودة العواقب واذا فشلت الخلية في الاصلاح أدي ذلك لحدوث الطفرات. وبفضل الله فان الطفرات التي تحدث في الخلايا الجسدية العادية لا تنتقل للأبناء، بينما الطفرات التي تحدث في الخلايا الجنسية وهي البويضات والحيوانات المنوية هي التي تنتقل وتورث للأبناء، ومن ثم قد يؤدي ذلك للتنوع في الأفراد اذا ما كانت غير ضارة، مثل الأختلاف في لون العيون والشعر والجلد والطول وغيرها. أخيرا أتذكر الآية الكريمة التي تنبهنا أن العالم فينا ونحن لا ندري "وفي أنفسكم أفلا تبصرون". كما أتذكر ما قاله الأمام علي رضي الله عنه: دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك فلا تبصر وتحسب أنك جرم صغير وفيك أنطوي العالم الأكبر وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر