خيط هين رفيع يفصل بين الحياة والموت، والشجاعة والتهور، والعبقرية والجنون. أيضا توجد حالات من التشابه الشديد سواء في الأشياء أو الكائنات الحية وبالرغم من الاختلاف الضئيل للغاية، الا أن شتان بين واقع ووظيفته كل منهما التي يؤديها، فتعكس قدرة الله سبحانه وتعالي في الخلق والابداع. نبدأ بمثال في بعض المواد الكيميائية التي لها القدرة علي التبلور (تكوين بلورات) بطريقتين متبادلتين، فذرات الكربون النقي مثلا، تتراص فتأخذ شكلين هندسيين مكونة بلورات مختلفة بصفات غاية في الاختلاف. فعندما تتجمع تلك الذرات بنمط ذي أسطح رباعية وهو نمط متين جدا، ينتج عنه "الماس" الذي يتميز بشدة الصلابة وقيمته الثمينة. أما اذا انتظمت ذرات الكربون وهي في شكل سداسيات مسطحة، بحيث تكون عدة طبقات فوق بعضها البعض تربط تلك الطبقات روابط ضعيفة مما يجعلها تنزلق فوق بعضها معطية "الجرافيت" الذي يعطينا عند لمسه الاحساس بزلاقته لذلك نستخدمه في التشحيم، وهو أقل صلابة وأرخص ثمنا بمراحل من الماس.
يختلف الهيموجلوبين عن الكلوروفيل في التركيب الكيميائي في ذرة واحدة فقط. والذرة شيء غاية في الضآلة والصغر ويعتبر أصغر وحدة في المادة، الا أن الوظيفة التي يقوم كل من المركبين برغم التشابه الشديد تختلف اختلافا كبيرا. فالهيموجلوبين موجود في دماء الانسان ومعظم الحيوانات وهو الذي ينقل الأكسجين من الرئتين الي باقي أعضاء الجسم. أما الكلوروفيل وهو الصبغة الخضراء في النباتات والذي يقوم بدور أساسي في عملية البناء الضوئي حيث يتم في تلك العملية اتحاد ثاني أكسيد الكربون مع الماء والكلوروفيل في وجود ضوء الشمس فيتكون من تلك العملية الكربوهيدرات (السكر) والذي يتم تخزينه في النبات ليستفيد به من يأكلون-منهم الانسان- تلك النباتات، وأيضا ينطلق الأكسجين الهام في التنفس للأنسان والحيوان والكائنات الحية الاخري. الفرق بينهما يكمن في أن الهيموجلوبين يحتوي ذرة "حديد" تتوسط المركب،بينما يحتوي الكلوروفيل ذرة "ماغنيسيوم" بدلا من ذرة الحديد وهي التي تحدث الفرق الهائل بينهما.
الاختلاف في طريقة الحصول علي الطاقة من نفس المادة قد يعطي فرق هائل في الناتج من الطاقة. مثلا عند حرق رطل من الفحم (452 جرام) فانه يعطي 10 ألاف وحدة حرارية أي ما يعادل 1410 ارج من الطاقة، بينما لو أردنا الحصول علي الطاقة النووية الكامنة في نفس الوزن السابق من الفحم (452 جرام) عن طريق الانشطار النووي فانها تنتج ما يعادل حرق 2 مليون طن فحم بطريقة الحرق العادية.
بالرغم من تشابه بعض الناس في افراز نفس الانزيم أو الهورمون، الا أن تلك المواد قد تكون فعالة في البعض-الشخص السليم-وغير فعالة في البعض الآخر-الشخص المريض-، نسوق مثالين علي ذلك، ففي الشخص الأمهق (عدو الشمس) وهو مريض بمرض جلدي حيث يخلو جلده من صبغة الميلانين المسئولة عن اعطاء الجلد لونه الطبيعي وتقوم ايضا بحماية الجلد من الأشعة الفوق بنفسجية المسببة للسرطان. والانسان ذا الجلد الطبيعي-السليم-هو والشخص المريض يفرز الجسم بهم انزيم يسمي "تيروزيناز" وهو يقوم بتحويل مواد بالخلية الي صبغة الميلانين، لذلك فان هذا الانزيم يعمل بشكل عادي في الشخص السليم، وفي الشخص المريض لا يستطيع هذا الأنزيم القيام بدوره في تكوين صبغة الميلانين حيث يفشل في دخول الخلية التي يتم بها التفاعل. وينتج ذلك الخلل في الشخص المريض نتيجة التقاء جينات متنحية موروثة من الابوين.
أما عن الهورمونات الغير فعالة فتبدو في بعض حالات مرض السكر من النوع الثاني، والذي قد ينتج من بعض التغيير الجيني في "دي ان ايه" المريض، حيث يتم افراز هورمون الانسولين بشكل عادي مثل الشخص السليم، لكن الخلايا لا تستطيع اسخدام الانسولين بشكل صحيح (مقاومة للأنسولين) في مريض السكر فتؤدي الي تراكم السكر في دم المريض وحدوث المضاعفات المصاحبة لارتفاع السكر بالدم.
كلمة سرطان تقترن دائما بالخوف الشديد من المآل وهو الموت المحتوم لمن أصيب به، ولا يعلم الكثير أن الفرق بين الخلية السرطانية والخلية الطبيعية هو في بعض الأحيان بسبب تغيير في حرف واحد (قاعدة نيتروجينية) في "دي ان ايه" الخلية السرطانية حيث يؤدي الي عدم تحكم الخلية في الجين المثبط لحدوث السرطان، اي أن تغير في حرف واحد يؤدي الي نتيجة رهيبة. الجينات المثبطة لحدوث السرطان موجودة في الخلايا الطبيعية وظيفتها كبح النشاط الجيني المسرطن، وغياب تلك الجينات يؤدي حتما للسرطان، وتحدث الطفرة في الجينات المؤهلة للسرطان (موجودة في كل الناس) علي أماكن محدودة علي تلك الجينات، وتعد تلك الخاصية نعمة من الله حيث لو أن الطفرة لها أماكن عديدة لأصبح من المحتمل حدوث السرطان بنسب أعلي بين الناس، وعلي العكس فان الطفرات في الجين المثبط للسرطان قد تحدث في أماكن عديدة علي الجين.
بعض الميكروبات لها طبيعة مزدوجة، مثل بكتريا القولون (ايشيريشيا كولي) التي تعيش في أمعاء الانسان بدون احداث ضرر ، لكنها وعند ظروف معينة قد تصل هي نفسها الي أعضاء اخري في جسم الانسان، فعندما تصل للمثانة البولية تنقلب تلك البكتريا لتصبح شرسة مسببة مرضا للمثانة، وتسبب التهاب رئوي عندما تكون في الرئتين، والتهاب سحائي حينما تصل للحبل الشوكي، وتسبب تقيحات عندما تكون بالجروح. هذا بالاضافة الي أن البعض الآخر من الميكروبات لا تسبب أمراض وتكون لا تأثير لها علي الانسان السليم الذي يعمل جهازه المناعي بكفاءة طبيعية، لكن حينما يضعف الجهاز المناعي للانسان عند تعرضه لظروف معينة سواء خلل وظيفي أو اصابات ميكروبية، نجد تلك الميكروبات الصديقة انقلبت الي أشد الاعداء وتصبح ممرضة وقد تؤدي الي هلاك الانسان لذلك سميت "ميكروبات انتهازية"، لذلك عندما يصاب انسان بفيروس نقص المناعة المكتسب الايدز، نجد امثلة لتلك الميكروبات الانتهازية كبكتريا السل وبعض الفيروسات وبعض الفطريات وميكروبات أخري مما يعجل بوفاة المريض.
تحتوي الخلايا الجسدية في الانسان علي 46 كروموسوم (23 زوج)، في العادة يتشابه الناس جميعا في 99,9% من المحتوي الوراثي الذي يحويه تلك الكروموزومات، والباقي 1,% رغم ضآلته فهو الذي يعكس بقدرة الله التنوع بين الناس كافة وتفرد كل انسان في صفاته. حتي الفرق بين الذكر والأنثي هو كروموزوم واحد فقط فيحتوي الرجال (ذوي الصفات الخشنة والجسمانية المميزة للرجل) علي كروموزوم "واي" بدلا من كروموزوم "أكس" عند المرآة (بصفاتها التي بها نعومة ورقة وجمال وصفات جسمانية أخري تميز المرأة).
يتشابه الانسان كنوع منفرد "هوموسابينز" مع أقرب الرئيسيات له وهي "الشمبانزي" و"البونوبو" بنسبة حوالي 98,77% تطابق في المادة الوراثية (حسب أحدث التقارير والابحاث العلمية)، ولك أن تتخيل كيف أن اختلاف يساوي 1,23% يعطي انسان قادر علي التجريدن عاقل بهيئته الخاصة التي أبدع فيها الخالق وأحسن تصويرها، بينما الحيوانات الشبيهة الاخري الغير عاقلة والتي يحكم تصرفها الغريزة وكذلك الصفات الجسمانية الخاصة، لذلك لا نستطيع الا أن نقول الآية الكريمة "وتحسبوه هينا وهو عند الله عظيم".
يقول الراحل "عزت بيجوفتش" عن الانسان "المساحة الجوانية للأنسان مساحة شاسعة تكاد تكون لا نهائية....فالانسان قادر علي أبشع الجرائم، وعلي أنبل التضحيات وأسمي الأعمال".