لايفوت الرئيس عبدالفتاح السيسي مناسبة، وإلا يشدد فيها على أن ما حدث في 3يوليو كان لحماية الدولة من الانهيار، بعد أن أوشك المصريون على الدخول في احتراب أهلي، إبان حكم "الإخوان المسلمين"، مؤكدًا ضرورة الحفاظ على الدولة، كما أنه عبر ذات مرة عن رفضه بشدة لاستخدام كلمة "نظام"، في إشارة إلى نظام حكمه، قائلاً إنه لايوجد في مصر نظام بل هناك دولة، لكن أحدًا لم يشرح لنا مفهوم كلمة "دولة"، وهل هي الدولة التي تحترم القانون ويتمتع المواطنون تحت مظلتها بحقوق متساوية، وتفرض على الجميع الالتزام باحترام التشريعات والقوانين التي تصدرها، وتسهر على تطبيقها دون أدنى تمييز، أم أنها الدولة التي تعمل على إظهار "العين الحمراء" للشعب حتى يحافظ على النظام العام ولايخل به، لكنها في كل الأحوال لاتعني حالة من الفوضى أو العبث، كما هو حاصل حاليًا، لأنه حين يكون هناك "خيار وفاقوس"، فإن ذلك لايستقيم مع المعنى الحقيقي للدولة، ألا وهو تطبيق القانون على الجميع، واحترام الأحكام التي يصدرها القضاء، دون إخلال بمبدأ العدالة، لم نسعد كمصريين بما فعلته "ياسمين النرش"، المعروفة إعلاميًا ب "سيدة المطار" مع ضابط شرطة بمطار القاهرة، وساءنا جميعًا أن نرى هذا المشهد العبثي المهين الذي يسيء إلى صورتنا كمصريين قبل ضباط الشرطة، بعد أن تطاولت عليه بالسباب بأقذع الألفاظ ومدت يدها عليه، بينما حافظ الضابط على هدوئه بشكل يحسد عليه، ولم تنجح في استفزازه لإخراج المشهد بالصورة التي تتمناها، ما جعله يحظى بتعاطف المصريين وتضامنهم، ما حصل يختزل الأزمة الحقيقية التي تهدد مصر في العمق، وهو أن هناك شعورًا لدى فئة من المصريين بأنها فوق القانون، ولايجرؤ أحد على أن يطبقه عليها، وقد ترسخ ذلك بصورة كبيرة في عهد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ كان هؤلاء يظنون أنهم "دولة فوق الدولة"، وكانت عبارتهم الأشهر: "أنت ما تعرفش أنا مين"؟ حاضرة في كل الأزمات، كدليل على أنهم يتمتعون بالحصانة وعدم المساءلة، وجاءت ثورة يناير لتعطينا الأمل في القضاء على "دولة المحسوبية"، لكن للأسف هذا الشعور يتلاشى يومًا بعد آخر، ويمكن أن نلتمس أثر ذلك في عدم تطبيق أحكام القضاء واجبة النفاذ التي تصدر بحق شخصيات إعلامية موالية للسلطة الحالية، مثل توفيق عكاشة، وعماد الدين أديب، وأحمد موسى، وهذا الأخير صادر ضده أكثر من حكم بالحبس والغرامات، وكان آخرها الحكم بسب المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بالحبس 6 أشهر، وكفالة ألف جنيه، في دعوي السب والقذف المقامتين ضده من المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، إلا أن أيًا من تلك الأحكام لم يتم تنفيذها، في الوقت الذي تعرض فيه زميلنا الخلوق، عاطف عبدالمولى، الصحفي بجريدة "المصريون"، للسحل والضرب على يد الشرطة، لالشيء إلا لأنه تجرأ وسأل القوة التي اقتحمت منزل أسرته بالمنوفية فجر يوم 29أبريل لتنفيذ الحكم في "جنحة شيك" ضد أخيه عن إذن النيابة، فما كان من الضابط إلا أن رد عليه قائلاً: "أنت هتنسى نفسك"؟!، وانهال عليه والقوة المرافقة بالسب وأشبعوه ضربًا، وواصلوا الاعتداء عليه بالضرب في قسم شرطة "قويسنا"، ليجد نفسه في النهاية متهمًا بالعديد من التهم الملفقة، من بينها الاعتداء على "البدلة الميري"، وتحت ضغوط من بعض الزملاء تم الكشف الطبي عليه، إلا أن النيابة أصدرت قرارًا بحبسه 4 أيام، وجددت له 15يومًا، كنت يمكن أن أصدق رواية الشرطة لو أن ما حدث كان مع أحد آخر غير زميلنا الشهير بدماثة الخلق، حتى إنه من فرط أدبه تكاد تسمع صوته بصعوبة بالغة، هو بار بوالديه إلى حد كبير، حتى إنه حصل على إجازة طويلة من الجريدة لمرافقة والده الذي يعاني من حالة صحية متدهورة منذ سنوات، واقعة الاعتداء على الزميل تختزل المشهد الراهن في صورته السيئة، وتجعلنا نتساءل: لماذا هذه القسوة، والتعامل العنيف معه لمجرد أنه كان يسأل الشرطة عن إذن النيابة، في حين كانت التعامل بحنية واضحًا مع "سيدة المطار"، بينما يتم التغاضي عن أحكام قضائية صادرة ضد بعض الإعلاميين في قضايا لاتتعلق بحرية الرأي، أمر آخر استرعى انتباهي بعد أن أصدر النائب العام المستشار هشام بركات مؤخرًا، قرارًا بحظر النشر في قضية الآثار الكبرى، المتهم فيها رئيس نيابة وعدد من ضباط الشرطة، ذلك أننا أصبحنا معتادين على إصدار قرارات حظر النشر في القضايا ذات الصلة بالقضاة والشرطة، بينما لاتصدر قرارات مماثلة في قضايا قد تكون لها حساسية خاصة، ومع ذلك يتم تسريب نصوص التحقيقات كاملة إلى الصحف لنشرها، بما قد تتضمنه من معلومات تتعلق بأدق التفاصيل داخل غرف النوم، لجهات التحقيق بلاشك الحق في أن تصدر القرارات التي تكف لها الحفاظ على سرية التحقيقات، لكن لماذا لايكون ذلك إلا في القضايا ذات الصلة بالقضاة أو الشرطة، هل يحظون بوضع استثنائي يجعلهم في مرتبة أعلى من بقية المصريين، خلاصة القول: إذا كان المسئولون في الدولة وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي حريصين على حمايتها والحفاظ عليها من الانهيار، فعليهم أن يلزموا أنفسهم قبل أي أحد آخر باحترام القانون، وعدم إهدار مبدأ سيادته على جميع المصريين، لأن ما يحدث شيء آخر يتنافى تمامًا مع ما يتحدثون عنه.