الميليشيات والعصابات والجماعات المسلحة المتحررة من سلطة القانون والأخلاق والدين والقابعة في كهوف تاريخ البشرية قبل أن تعرف الحضارة والحداثة وقيم الحق والعدل تزحف على الدولة العربية وتسيطر وتحكم . لا دولة وطنية مدنية حديثة يمكن أن تسمح بوجود ميليشات مسلحة في داخلها تنتزع منها أعز ما يفوضها المجتمع للقيام به وهو الحق في استخدام العنف المنظم في إطار التزام قانوني صارم. والدولة التي تسمح أو تغض الطرف عن نشوء ونمو وازدهار وتوغل المليشيات هي دولة ضعيفة هشة ركيكة ليست أمينة على مواطنيها وقادتها وساستها وأحزابها وشخصياتها الوطنية هم جميعا مدانون بالسماح بانتهاك سلطة الدولة وصلاحياتها وسيادتها وجميعهم عرضة للمحاسبة من التاريخ حتى لو أفلتوا من محاسبة القانون على التفريط في السياج الحامي للشعب وهو قبضة الدولة المبسوطة على كل ترابها الوطني وعلى كل أبنائها دون عصابات مسلحة أيا كانت هويتها أو انتماءاتها أو أهدافها. بلدان أمريكا اللاتينية كانت تعج بتلك الميليشات التي حاربت الأنظمة الحاكمة سواء كانت مغتصبة للحكم عبرانقلابات أو جاءت بديمقراطية هشة تضرر منها أصحاب المصالح في الداخل وفي الخارج وبعض تلك الميليشيات وصلت للسلطة بقوة سلاحها فأذاقت الشعوب الويلات ،ولم تسترح أمريكا اللاتينية وتعرف معنى الدولة القوية المسيطرة إلا بالديمقراطية الناشئة التي احتكم إليها جميع الفرقاء وارتضوا بنتائجها وصار هناك تداول طبيعي وسلمي للسلطة فانظلقت تلك الدولة إلى التنمية ورفع مستوى حياة شعوبها. الميليشيات ضد تماسك الدولة ونموها وتطورها ورفاهية شعوبها. هذا درس أمريكا اللاتينية وهو درس آسيا أيضا التي عانت كثير من دولها من تكاثر المليشيات التي تتقاتل مع بعضها البعض ومع الأنظمة المستبدة من أجل السلطة ويُضرب المثل بجماعة دموية اسمها "الخمير الحمر" في كمبوديا قتلت الملايين خلال 5 أعوام فقط من حكمها لهذا البلد. ومعظم دول أفريقيا مازالت مصابة بذلك الفيروس الميليشياوي القاتل وكلما هدأت دولة وتصالحت داخليا تجد دولة أخرى تنتفض وتتمزق وتتقاتل وهكذا. أما منطقتنا العربية فهي تدخل حزام الميليشيات المسلحة بكل قوة وشراسة حيث تظهر الممارسة هشاشة الدولة الوطنية بعد الاستقلال وقد تسبب الاستبداد والطغيان في مزيد من ضعف الدولة وتخلفها عكس ما تروج له الأنظمة والنخب التي تدور في فلكها، هناك أكثر من بلد تتآكل فيه اليوم الدولة وتتفت بين عصابات وميليشيات بعضها يكون أقوى وأكثر تنظيما وتسليحا واستعداد من الدولة ذاتها مثل ميليشيا حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والفرقاء في ليبيا، ومن الأسف أن يترافق الربيع العربي للخلاص من أنظمة مستبدة دخول عدد من دوله إلى دائرة الميليشاوية العسكرية الدموية مثل ليبيا واليمن وسوريا، ولم تنج من تلك المحرقة إلا تونس ومصر. لبنان دخلت تلك الدائرة خلال الحرب الأهلية التي أضعفت الدولة الهشة من الأساس وساهمت الوصاية السورية عليه لسنوات طوال في تعميق الطائفية والعصابات المسلحة حتى سلم الجميع للدولة إلا حزب الله الذي تحول إلى آلة عسكرية جبارة يخضع لبنان كله لسلطانه ويرهب الجميع بسلاحه ويورط البلد في حروب مدمرة مع إسرائيل ، وتلك الميليشيا هي فرع من الحرس الثوري الإيراني في واحدة من أهم المناطق العربية ذات الأهمية الاستراتيجية على شواطئ البحر المتوسط في إطار التمدد والهيمنة الإيرانية على المنطقة العربية وإذا كانت إيران تقول إنها تسيطر على أربعة عواصم عربية اليوم فهذا كلام دقيق وبيروت واحدة منها علاوة على دمشق حيث التواجد الإيراني البارز ماليا واقتصاديا وعسكريا ساهم في عدم سقوط الأسد لليوم والعاصمة الثالثة هي بغداد التي قال مستشار الرئيس الإيراني أمس الأول إنها عاصمة الإمبراطورية الإيرانية الجديدة وأن العراق كله هو المجال الحيوي للثقافة والهوية الإيرانية، والقتال الإيراني صار علنيا اليوم في مواجهة داعش على أرض العراق، والعاصمة الرابعة هي صنعاء التي سقطت في قبضة الحوثيين وهم مثل حزب الله ونظام الأسد وميليشيات العراق كلهم أذرع عسكرية مقاتلة لإيران وأفرع من الحرس الثوري الإيراني والتمويل والتخطيط والتدريب والتسليح مصدره إيران. ليبيا تنتقل من الدولة الهلامية في عهد القذافي إلى اللادولة بعد سقوطه، والصومال تفتت وانتهى الأمر، والسودان انقسم، وسوريا ولبنانوالعراق واليمن في دوائر التقسيم، والدعاء إلى الله باللطف للبلدان التي مازالت متماسكة أن تبقى موحدة وإلا كانت خطة الشرق الأوسط الجديد حقيقة واقعة تتحرك في اتجاه التنفيذ بشكل هاديء ومتدرج وواقعي. الإنسان المسالم الباحث عن الحياة والمكافح من أجل البقاء لا يساوي شيئا لدى الميليشيات، وكذلك لدى الدولة إذا كانت محكومة بعقلية الميليشيا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.