حاولت مجلة الإيكونوميست البريطانية، في عددها الأخير أن تكشف سر انحطاط العرب بعدما كانوا روادا علي العالم ؟! فلخصت القضية في الفاشية في ظل الحكم العسكري والاستبداد والفساد ، فضلا عن استمرار الحروب في المنطقة وتصاعد نجم المتشديين مثل (داعش) وغياب(المعتدلين العرب) . إيكونوميست قالت : إن الحضارات العربية قديماً في بغدادالعراق، ودمشق سوريا، وقاهرة المعز وغيرهم من البلدان الإسلامية لطالما كانت لها الريادة بين أوساط العالم، بل وكانت لهم الغلبة العلمية والاجتماعية على نظيراتهم من دول الغرب وكانت الخلافة الإسلامية وقادتها يشعلون أنوار العلم والتسامح والرخاء الاقتصادي، ولكن اليوم بالنظر لحال هذه البلدان فإنه تم تدمير العالم العربي بالحروب والاستبداد والطائفية . وذكرت "الايكونوميست" تحت عنوان The tragedy of the Arabs أو "مأساة العرب" 5 يوليه الجاري 2014 أن حال العرب والمسلمين بين الأمس واليوم، محزن ، وأن ثورات الربيع العربي حاولت إنقاذ العرب من هذا التيه والمصير المظلم ، ولكن "ثمرتها فسدت بتجدد الاستبداد واشتعال الحرب" . فاشية فاقت سابقاتها سوءً وقالت أن "الآمال تجددت قبل ثلاث سنوات عندما أطاحت موجة الثورات بأربعة من الحكام المستبدين في تونس ومصر وليبيا واليمن، وانتقلت الضجة من أجل التغيير في أماكن أخرى، لا سيما في سوريا لكن ثمرة الربيع العربي اليوم قد فسدت بتجدد الاستبداد واشتعال الحرب. وعاد الربيع العربي بوليدين من البؤس والتعصب يهددان العالم اليوم على نطاق واسع . وأثمر هذا الربيع – بالثورات المضادة - "عن فاكهة عطبة من العنف، وتقييد الحريات، وفاشية فاقت سابقاتها سوءً". وأن حال العرب الان "بائس" ، فحتى في الوقت الذي تتطور فيه آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، يعود الشرق الأوسط من جديد ليرزح تحت نير الاستبداد وتعصف به الحرب . وشددت المجلة أن "الشعوب العربية قادرة على التغيير، ولكن يجب دراسة أسباب فشلهم الحالي لتغيير أوضاعهم البائسة الأن". مصر عادت لفاشية الحكم العسكري ورأت المجلة ان "مصر عادت إلى فاشية الحكم العسكري"، ، وأن الوضع في ليبيا تدهور كثيراً بعد سقوط القذافي، وسيطرة المليشيات المسلحة على الحكم هناك، بينما تحارب اليمن الأن خلايا القاعدة التي تهدد أمنها بعد سقوط رئيسها إثر الانتفاضة الشعبية هناك ، ويظل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي قائماً دون حلول واضحة له، ما يؤجج عدم الاستقرار والحروب . ولفتت إلى أن الركود الاقتصادي ولد استياء الشعوب ، والملوك والرؤساء المؤبدين دافعوا عن أنفسهم باستخدام الشرطة السرية والبلطجية الحمقى ، فأصبح المسجد مصدرا للخدمات العامة، وأصبح واحدا من الأماكن القليلة التي يستطيع الناس التجمع فيها . وفي الوقت ذاته نما التطرف وازداد عدد الرجال الغاضبين الذين كرهوا الدول الغربية التي تدعم جلاديهم، وازداد عددهم مع البطالة المتزايدة ، ثم بفضل وسائل الإعلام الجديد، كانوا على وعي متزايد بالعالم من حولهم وبأن المنطقة خارج الشرق الأوسط أكثر تفاؤلا كثيرا من بلدانهم . وقال الايكونوميست أن العجيب في ثورات الربيع ليس خروج الشباب، لكن تأخرهم كل هذا الوقت حتى ثاروا! العيب ليس في منهج الإسلام وقارنت الصحيفة بين مسلمي الشرق الأوسط واستغلالهم للدين، وبين نظرائهم من القادة الإسلاميين في عدة دول آسيوية مثل إندونيسيا وغيرها، وقالت "العيب ليس في منهج الإسلام، ولكن في كيفية استخدام هؤلاء القادة له لخدم مصالحهم، وإقناع أتباعهم أن طرقهم هي الطرق الوحيدة للفوز بالدنيا والآخرة". وأضافت الايكونوميست أن "غياب الليبرالية عن الساحة السياسية العربية أثر على اقتصادها، حيث جعل الدول العربية منغلقة على نفسها، ولا تمد أيديها إلا لمن يبادلوها نفس النهج والسياسة، وهو ما أدى إلى تدهور واختناق الاقتصاد العربي أكثر مما كان عليه". وبالرغم من سوداوية المشهد "نظراً لسيطرة المتشددين على الوضع بالعالم العربي"، إلا أن المجلة رأت أن الشعوب العربية مازال بإمكانها تغيير أوضاعها للأفضل، معتمدة على أمل إعادة إحياء القوى الثورية التي "هزت الحكام الفاشيين العرب سابقاً" أن تعود لدورها مجدداً وتصحح الوضع الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي، وتفتح الأسواق الحرة في وجه المستثمرين من كافة أنحاء العالم، وينعم العالم العربي بشعوب متآنسة ومتحدة. نص مقال الايكونوميست مأساة العرب قبل ألف عام، تناوبت المدن الكبرى، بغداد ودمشق والقاهرة، على التفوّق على العالم الغربي. كان الإسلام والابتكار توأمَين. كانت الخلافة العربية قوة عظمى ديناميكية - منارة للتعلّم والتسامح والتجارة. لكن العرب اليوم في حالة يرثى لها. حتى فيما تسير آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا نحو الأمام، يتأخر الشرق الأوسط بسبب الاستبداد وتهزّه الحروب. انتعشت الآمال كثيراً قبل نحو ثلاثة أعوام، عندما أدّت موجة انتفاضات في مختلف أنحاء المنطقة إلى الإطاحة بأربعة حكام ديكتاتوريين - في تونس ومصر وليبيا واليمن - والمطالبة بالتغيير في أماكن أخرى، لا سيما سوريا. بيد أن فاكهة الربيع العربي أصيبت بالعفَن وتحوّلت حرباً وأوتوقراطية متجدّدة. وكلاهما يتسبّبان بالبؤس والتعصّب اللذين يهدّدان اليوم العالم الأوسع. لماذا فشلت البلدان العربية فشلاً ذريعاً في توليد الديموقراطية أو السعادة أو الثروة (بعيداً من الأرباح النفطية الطائلة) لشعوبها البالغ عددهم 350 مليون نسمة؟ إنه أحد الأسئلة الكبيرة في زماننا. ما الذي يجعل المجتمع العربي عرضةً لحكم الأنظمة السيّئة، وما الذي يجعل المتطرّفين مصمّمين على تدمير هذه الأنظمة (ومن يعتبرونهم حلفاءها في الغرب)؟ ليس المقصود أبداً أن الشعب العربي يفتقر إلى المواهب أو يعاني من نفور مرَضي ما من الديموقراطية. لكن كي يستيقظ العرب من كابوسهم، وكي يشعر العالم بالأمان، يجب أن تتغيّر أشياء كثيرة. لعبة تبادل اللوم إحدى المشكلات هي أن متاعب البلدان العربية منتشرة على نطاق واسع. في الواقع، لم تعد سوريا أو العراق بلداً بكل معنى الكلمة. فقد أعلنت زمرة همجية من الجهاديين، أن حدودهما باطلة، ممهّدةً بذلك لإعلان إقامة خلافة إسلامية جديدة تشمل العراقوسوريا الكبرى (التي تضم أيضاً إسرائيل-فلسطين ولبنان والأردن وأجزاء من تركيا) و-في الوقت المناسب - العالم بأسره. يسعى قادتها إلى قتل غير المسلمين ليس في الشرق الأوسط وحسب إنما أيضاً في شوارع نيويورك ولندن وباريس. تخضع مصر من جديد للحكم العسكري. أما ليبيا فقد أصبحت، بعد سقوط معمر القذافي العنيف، تحت رحمة الميليشيات الخارجة عن السيطرة. ويرزح اليمن تحت وطأة التمرّد والاقتتال الداخلي وتنظيم "القاعدة". لا تزال فلسطين بعيدة من السلام وقيام الدولة: يُهدّد مقتل الشباب الإسرائيليين الثلاثة وما أعقبه من ردود انتقامية بإشعال دورة جديدة من العنف. متاعب الاسلام يقع الإسلام، أو على الأقل بعض تفسيراته الحديثة، في قلب المتاعب الشديدة التي يعاني منها العرب. لقد تسبّبت المزاعم التي يروّجها عدد كبير من الشخصيات القيادية الإسلامية بأن الإسلام يجمع بين السلطتين الروحية والزمنية، من دون الفصل بين الدين والدولة، بتعطيل نمو المؤسسات السياسية المستقلة. تجد أقلية مقاتلة من المسلمين نفسها عالقة في بحثٍ عن الشرعية من خلال مزيد من التفسيرات المتطرّفة للقرآن. وقد لجأ مسلمون آخرون، تحت تأثير التهديد من العنف الميليشياوي والحرب الأهلية، إلى مذهبهم. في العراقوسوريا، كانت الزيجات المختلطة بين الشيعة والسنّة كثيرة، أما اليوم فغالباً ما يتقاتل أبناء الطائفتَين. وقد انتشر هذا التحريف العنيف للإسلام إلى أماكن بعيدة مثل شمال نيجيريا وشمال إنكلترا. غياب الدولة بيد أن التطرف الديني هو متنفّس للبؤس وليس المسبّب الأساسي له. في حين تبلي الديموقراطات الإسلامية في بلدان أخرى (مثلاً أندونيسيا) جيداً، نسيج الدولة في ذاته ضعيف في العالم العربي. قلّة من البلدان العربية تتمتّع بمواصفات الدولة الحقيقية. فبعد أفول الأمبراطورية العثمانية، تعرّضت تلك البلدان للإذلال من الانتدابَين البريطاني والفرنسي إبان الحرب العالمية الأولى. في الجزء الأكبر من العالم العربي، استمرّت القوى الاستعمارية في السيطرة على الأحداث أو التأثير فيها حتى الستينات. لم تنجح البلدان العربية حتى الآن في تلبية الشروط المؤسسية المطلوبة من أجل قيام الديموقراطية - الأخذ والرد في الخطاب البرلماني، حماية الأقليات، تحرير المرأة، الصحافة الحرة، المحاكم والجامعات والنقابات العمالية المستقلة. ويترافق غياب الدولة الليبرالية مغ غياب الاقتصاد الليبرالي. بعد نيل الاستقلال، ساد التخطيط المركزي الذي غالباً ما استوحي من النموذج السوفياتي. خنقت الحكومات العربية اقتصاداتها من خلال سياساتها المناهضة للسوق وللتجارة، والتي تستند إلى الدعم الحكومي والتنظيمات. تحكّمت الدولة بمقاليد السلطة الاقتصادية - لا سيما في ما يختص بالنفط. أما في البلدان التي رُفِعت فيها قيود الاشتراكية ما بعد الاستعمارية، فقد سيطرت رأسمالية المحسوبيات من النوع الريعي، كما كان الحال في الأعوام الأخيرة من عهد حسني مبارك في مصر. واقتصرت منافع الخصخصة على المقرّبين من الحكم. لم يكن هناك عملياً أي وجود للأسواق الحرة، وكانت الشركات العالمية الطراز شبه معدومة، وكان على العرب الأذكياء الراغبين في التفوّق في الأعمال أو الدراسة أن يتوجّهوا إلى الولاياتالمتحدة أو أوروبا لتحقيق طموحاتهم. الركود والتململ أحدث الركود الاقتصادي استياء وتململاً. دافع الملوك والرؤساء لمدى الحياة عن أنفسهم بواسطة الشرطة السرية والبلطجية. أصبح المسجد مصدراً للخدمات العامة، وواحداً من الأماكن القليلة حيث يستطيع الناس التجمّع وسماع الخطب. جنح الإسلام نحو التشدّد، وبدأ الرجال الغاضبون الذين يمقتون حكّامهم، يصبّون كرههم أيضاً على الدول الغربية التي تدعمهم. في غضون ذلك، ساد التململ في أوساط عدد كبير من الشباب بسبب البطالة. وبفضل وسائل الإعلام الإلكترونية، بدأوا يعون بصورة متزايدة أن الآفاق المتاحة لهم خارج الشرق الأوسط أكثر إشراقاً إلى حد كبير. ليس العجب في نزولهم إلى الشارع في الربيع العربي، إنما في تأخرهم بالقيام بذلك. كثير من الأنقاض لا يمكن تصويب هذه الأخطاء بسهولة أو بسرعة. لا يستطيع الأجانب الذين غالباً ما انجذبوا إلى المنطقة بدافع الغزو والاحتلال، أن يطمسوا ببساطة القضية الجهادية أو يفرضوا الازدهار والديموقراطية. يجب أن يكون ذلك قد أصبح واضحاً الآن، لا سيما بعد الاجتياح والاحتلال الكارثيين للعراق عام 2003. قد يساعد الدعم العسكري - من خلال الطائرات من دون طيار ونشر عدد صغير من القوات الخاصة - في صدّ الجهاديين في العراق. ويجب أن تكون هذه المساعدة دائمة الجهوزية. حتى لو أنه من المستبعد أن تتحوّل الخلافة الجديدة دولة معترفاً بها، قد تولّد لسنوات طويلة جهاديين قادرين على تصدير الإرهاب. وحدهم يستطيعون لكن وحدهم العرب يستطيعون أن يضعوا حداً لتراجعهم الحضاري ويعكسوا المسار، إلا أن الحظوظ بتحقيق ذلك ضئيلة في الوقت الحالي. فالمتطرّفون يقضون على هذه الآمال. شعار الملوك والعسكر هو "الاستقرار". جاذبية الاستقرار أمر مفهوم في زمن الفوضى، لكن الحل ليس في القمع والركود. فهذه الممارسات لم تنجح من قبل، لا بل كانت في أساس المشكلة. حتى لو كانت الصحوة العربية قد انتهت في الوقت الحالي، لا تزال القوة النافذة التي كانت وراء انطلاقتها موجودة. لا يمكن إلغاء وسائل التواصل الاجتماعي التي أشعلت الثورة. على الحكّام الجالسين في قصورهم وداعميهم الغربيين أن يدركوا أن تحقيق الاستقرار يحتاج إلى إصلاحات. هل هو أمل عقيم؟ المشهد دموي الآن. لكن في النهاية لكن في نهاية المطاف، سينهش المتطرّفون بعضهم بعضاً. في غضون ذلك، وحيثما أمكن، على السنّة العلمانيين المعتدلين الذين يشكّلون غالبية المسلمين العرب إسماع أصواتهم. وعندما تحين لحظتهم، يجب أن يركّزوا من جديد على القيم التي منحت العالم العربي عظمته من قبل. كان التعليم في أساس تفوّق العرب في الطب والرياضيات والعمارة والفلك. وموّلت التجارة الحواضر العربية وإنتاجها من البهارات والحرير. كان العالم العربي، في أفضل أحواله، ملاذاً كوزموبوليتانياً لليهود والمسيحيين والمسلمين من مختلف المذاهب، ما ساهم في تعزيز التسامح والإبداع والاختراع. التعددية، التعليم، الأسواق المفتوحة: هذه كانت القيم العربية من قبل، ويمكن استعادتها من جديد. لكن آفاق تحقّقها تبدو بعيدة إلى درجة مأسوية في الوقت الحالي، فيما يذبح السنة والشيعة بعضهم بعضاً في العراقوسوريا، ويستقرّ ضابط سابق على عرشه الجديد في مصر. لكن بالنسبة إلى شعب عاكسته الظروف في أمور كثيرة جداً، لا تزال هذه القيم تشكّل رؤية لمستقبل أفضل. http://www.economist.com/news/leaders/21606284-civilisation-used-lead-world-ruinsand-only-locals-can-rebuild-it?zid=304&ah=e5690753dc78ce91909083042ad12e30