عندما نرى في ساحات المحاكم من يشهد زوراً ، أو من يتفنن عبر أساليب وحيل غير أخلاقية ، تدفع إلى جعل المتهم برئ . عندما يخون الأمين ، ويؤتمن الخائن ، عندما نرى الفوضى ، وترتفع الأصوات بالسباب واللعن . عندما تضيع الحقوق وابسطها حق المواطن في حياة كريمة . عندما نرى كبار التجار يتفننوا في احتكار السلع ، ورفع أسعار السلع دون مبرر .عندما يبتعد الدعاة في خطابهم عن مناقشة قضايا المجتمع ، ووضع الحلول لمعالجة تلك القضايا، وفق رؤى تتفق مع الواقع المعاصر . عندما يغيب الضمير وتلوث الأخلاق في مجتمع ما ، فحدث ولا حرج عن التصرفات الغير أخلاقية في المؤسسات ( السياسية ، التعليمية، الاجتماعية ، الاقتصادية ،الثقافية ، الدعوية .. الخ ) . ويعد التلوث الخلقي من أخطر أنواع التلوث على الإطلاق ، ذلك لأن مسألة السلوك الأخلاقي تعد بمثابة الركيزة الأساسية التي يقوم عليها أي نشاط إنساني ، فهي القوة التي تنظم الحياة الاجتماعية من كل جوانبها التعبدية والتعاملية ، ومن هنا فإن افتقاد الإنسان للسلوك الأخلاقي الطيب ، ينعكس وبصورة سلبية على تعاملاته وممارساته ، ويؤثر سلباً على الحالة العامة للمجتمع ككل . وعند الإشارة إلى تلوث الخلق لدى مجموعة من الأفراد في مجتمع ما دون غيرهم ، يصبح التعامل معهم على المستوى الفردي ومن خلال عمل المؤسسات ذات الطابع التربوي أو الدعوى ، أمر في غاية السهولة ، إذا ما صلحت النوايا ، وتوفرت الهمم . بينما يزداد الأمر تعقيداً ، إذا كانت قضية التلوث الخلقي على مستوى مجتمعي ، ولا أقصد هنا التعميم على غالب المجتمع ، وإنما أشير إلى كون التلوث الخلقي قد امتد إلى العديد من المؤسسات وبخاصة إن كانت هي ذاتها المنوط بها تأصيل الخلق ، ونشره بين ربوع المجتمع . ويأتي حديثي هنا حول حاجة المجتمع المصري إلى استعادة الخلق كقيمة أخلاقية حقيقية ، خاصة على ضوء ما حدث من صدام غريب وغير مبرر بين المتظاهرين عقب ما سمى بجمعة تصحيح المسار ، وعبر تصرفات أدت إلى الصدام مع قوات الأمن ، وتسبب ذلك جرح أكثر من ألف ، ومقتل ثلاثة على الأقل ، إضافة إلى تخريب الممتلكات العامة ، وحالة الفوضى الغير أخلاقية ، عبر شتائم ، وسباب ، لم تعتاده التظاهرات أثناء الثورة . إن مجتمع ما بعد الثورة ، يجب أن يكون نموذجا أخلاقياً يمارس في كافة المؤسسات ، عبر آليات مختلفة تبدأ من خلال ممارسة الأسرة لدورها التربوي الفاعل ، انطلاقا إلى دور المدرسة والجامعة ، ومن خلال التأكيد على الدور التربوي للمؤسسات التعليمية نحو تأصيل القيم الخلقية عبر المناهج التعليمية ،إضافة إلى دعم التواصل بين الأجهزة الإعلامية من ناحية والمؤسسات التربوية والدعوية من جهة أخرى ،مع الاستفادة من الأندية ومراكز الشباب في عمليات التوجيه والتربية عبر ما يتم طرحه من برامج وأنشطة هادفة تحقق البناء الأخلاقي المطلوب . تأتى تلك الدعوة في ظل محاولة المجتمع الثوري في مصر الخروج من نفق النظام السياسي السابق ، الذي أصل للعديد من الأطر غير الأخلاقية ، والتي أضحت مع الوقت عرفاً سائدا في المجتمع ، ولكنه يعبر عن خلل أخلاقي واضح وضمن صور مختلفة ، منها غياب العدل ، انتشار الظلم ، وانتشار الرشوة ، والكذب ، وغياب الضمير . لقد أرغم المجتمع المصري قبل الثورة على أن يمارس الظلم ، ذلك لأن نظامه الحاكم كان ظالماً، ولكن هل يوجد ما يبرر استمرار مسلسل الظلم بعد ثورة 25 يناير ؟ ولقد حث الإسلام على الخلق الحسن ودعا إلى تربيته ، وفى ذلك نجد الحق تبارك وتعالى قد أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه فقال : { وإنك لعلى خلق عظيم } القلم 119. وفى الوقت نفسه حض النبي صلى الله عليه وسلم على التمسك بحسن الخلق ،عندما قال في حديثه "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: أحسنكم خلقا". وعند الدعوة إلى تصحيح مسار الثورة ، علينا أن نوجه الدعوة إلى تصحيح المسار الأخلاقي ، لنراجع الإطار القيمى والأخلاقي لمجتمع الثورة ، ولنعلن للعالم أجمع أن الثائر الحق ، لا يلعن ، ولا يشتم ، ولا يسب ، ولا يحرق الممتلكات العامة ، بل يسعى دائماً إلى تحقيق أهدافه الثورية عبر الالتزام بالإطار الأخلاقي ، الذي ابهر به العالم عندما أسقط رأس النظام ، وليكن سعيه نحو تصحيح مسار الثورة وشعاره دوما ، الأخلاق أولا . [email protected]