تنشر صحيفة أجنبية رسومًا يجدها المسلمون «مسيئة» لمعتقداتهم وكتابهم ونبيهم. تندلع التظاهرات، والإدانات، والغضب، وأحيانًا العنف والقتل، لكن هل يجدي كل ذلك إلا في نشر ما اعترض عليه المسلمون على نطاق أوسع؟ تشارلي إيبدو تأسست صحيفة «تشارلي إيبدو» الفرنسية في عام 1970، وتوقَّف إصدارها في عام 1981، قبل أن تعاود الصدور مرةً أخرى بعدها ب 10 أعوام تقريبًا في 1992. لم يكُن الهجوم الذي تعرَّضت له الصحيفة في مطلع 2015 الأول من نوعه؛ فقد نشرت الصحيفة في عام 2011 عددًا خاصًا، وُضع فيه اسم النبي محمد كرئيس تحرير، وضمَّ العديد من الرسومات التي أثارت غضب المسلمين هناك؛ مما أدى إلى هجوم أُحرق فيه مقر الصحيفة. قبل هذا العدد، لم يتجاوز توزيع الصحيفة أكثر من 45 ألف نسخة، لكنه وصل بعد الهجوم الأول على مقرّها إلى 150 ألف نسخة، انتهت ال 75 ألفًا الأولى منها في ليلة واحدة؛ مما دفع الصحيفة إلى إصدار طبعة ثانية، ثم طبعة ثالثة بحسب ما ذكر موقع ساسة بوست . بعد الهجوم الأخير، الذي قُتل فيه 10 صحفيين وشُرطيين اثنين، انطلقت حملات وتصريحات شعبية ورسمية للتضامن مع الصحيفة والعاملين فيها، كان أبرزها «#أنا_شارلي» (بنسختيها الفرنسية والإنجليزية)، لكن انتشار الصحيفة الباريسية لم يقتصر على الجمهور أو مواقع التواصل الاجتماعي التي كان اسم الصحيفة فيها ضمن أعلى كلمات البحث والمشاركة. أعلنت الحكومة الفرنسية أنها ستتبرع للصحيفة بمليون ومائتي ألف دولار أمريكي. كما أعلنت شركة «جوجل» عن تبرعات للصحيفة بقيمة تتجاوز 250 ألف دولار أمريكي، ومجموعة «ذا غارديان» البريطانية ب 150 ألف دولار. «تشارلي إيبدو»، وبعد هذه التبرعات السخية، قررت أن العدد القادم منها سيصدر في مليون نسخة، أي ما يعادل حوالي 6 أشهر من إنتاج الصحيفة بتوزيعها السابق على الهجوم بحسب ما ذكر موقع ساسة بوست . الدنمارك والرسوم المسيئة لم ينسَ العالم بعد قضية «الرسوم المسيئة للرسول» التي نشرتها في عام 2005 صحيفة دنماركية يومية تُدعى «يولاندس بوستن» (صحيفة النهار). تسَّبب حينها 12 رسمًا كاريكاتوريًا «مسيئًا» على صفحات «يولاندس بوستن» في موجة غضب شديدة اجتاحت العالم الإسلامي وقُتل فيها 200 شخص، وانتقلت منه إلى أجزاء مختلفة من الدول الغربية. هوجمت سفارات الدنمارك وعدة دول أوروبية أخرى في دولٍ مثل سوريا والعراق، وأُضرمت النار فيها، وأدان العديد من الشخصيات العامة والسياسية نشر الرسومات، مثل كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة. صحيفة «يولاندس بوستن» كانت – بلا شكٍ– صحيفة دنماركية معروفة وعريقة؛ فهي الصحيفة اليومية الأعلى توزيعًا، لكن أرقام التوزيع والانتشار ارتفعت بشكل ملحوظ بعد أزمة «الرسوم المسيئة». قبل أزمة رسوم النبي محمد، كان توزيع الصحيفة 158 ألف نسخة في عام 2004، و150 ألفًا في مطلع عام 2005 قبل نشر الرسوم، لكنه وصل إلى 175 ألف نسخة في عام 2006. ويعرض هذا الشكل أرقام توزيع الصحيفة الدنماركية منذ عام 2007 حتى عام 2013، وفقًا لهيئة الإحصاء الدنماركية، بدايةً من 140 ألف نسخة في عام 2007، حتى وصلت إلى 85 ألف نسخة في عام 2013. لا يتوقَّف الأمر على أرقام التوزيع؛ فقد وصلت الرسوم بعد موجة الغضب، والتظاهرات، وحرق السفارات، ودعوات المقاطعة الاقتصادية إلى جمهور أكبر بكثير مما كان يمكن للصحيفة أن تصل إليه. أعادت الكثير من الصحف الأوروبية والأجنبية نشر هذه الرسوم «دفاعًا عن حرية التعبير»، كما قالوا. وضمَّت قائمة الصحف التي أعادت النشر: «تشارلي إيبدو» في فرنسا (أجل، تشارلي إيبدو التي تعرفها)، و«داي فيلت» في ألمانيا (توزيعها يصل إلى 250 ألف نسخة)، و«دي تيليجراف» في هولندا (700 ألف نسخة)، و«فوكس» في ألمانيا (750 ألف نسخة)، و«فرانس سوار» في فرنسا(100 ألف نسخة)، وعشرات الصحف الأخرى التي يمكنك التعرف إليها من هنا (بعضها اعتذر عن النشر لاحقًا أو أقال المسؤولين عن التحرير فيه). بعيدًا عن الصحف المعروفة على نطاق محلي أو إقليمي، التي تعتمد على نشر محتوى ساخر يراه معتنقو الأديان باختلافها «مسيئًا» لعقائدهم، فقد كان الهجوم على الإسلام والمسلمين عبر المنتجات الفنية وسيلة استخدمها الكثير من المجهولين سعيًا وراء الشهرة أو المال. لعلَّنا نتذكر القس «تيري جونز» المثير للجدل، الذي هدَّد بحرق القرآن في ذكرى يوم 11 سبتمبر. لدى «جونز» قصة طويلة من السعي إلى الشهرة واكتساب المكانة في المجتمع من ألمانيا إلى أمريكا، انتهت به أحيانًا في ساحات المحاكم، لكن آخر فصولها جاء في السنوات الأخيرة عبر مهاجمة الإسلام والمسلمين، والتهديد بحرق القرآن. جونز، الذي لم يكُن جمهور الكنيسة التي يرعاها يزيد عن ألف شخص، أصبح بفضل التركيز الإعلامي العالمي عليه، والهجوم والسباب الذي طاله في وسائل الإعلام العربية، مؤلفًا له كتاب منشور تحت عنوان «الإسلام من الشيطان». حاول «جونز» نشر الكتاب لعدة أشهر قبل ذلك، حتى وافقت دار نشر مسيحية على التعاون معه لطبع الكتاب بعد تصدره لعناوين الأخبار، وبيعت كل النسخ المتوفرة منه على موقع «أمازون» في وقت قصير. الآن، وبعد أن هدأ الجدل بشأن «جونز» وحماقاته، يعمل الرجل الآن على عربة متنقلة لبيع البطاطس المقلية، وهو يريد في الوقت نفسه الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016 بشكل مستقل، بحسب موقعه الرسمي.