يتساءل الأمريكيون باستغراب "لماذا يكرهوننا؟" عندما علمنا بعد الحادي عشر من سبتمبر بأن الناس في أرجاء العالم العربي كانوا يقولون "لقد جاء دور الأمريكيين". وللاطلاع على أحد الأمثلة للأسباب التي تجعلهم يكرهوننا، أنظر إلى ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية. هنالك مقاطعة وحشية تفرضها إسرائيل والولاياتالمتحدة على الفلسطينيين لأنهم صوتوا على الاختيار الخطأ في انتخابات حرة. وبعد فوز حماس على الفور، قامت إسرائيل بحجز 55 مليون دولار هي حصة السلطة الفلسطينية من الإيرادات الضريبية والجمركية. كما طالبت إسرائيل أوربا والولاياتالمتحدة بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، حتى تتخلى حركة حماس عن الإرهاب، وتعترف بإسرائيل، وتلقي سلاحها. والرئيس بوش، بالرغم من أنه كان يقود حملة صليبية حول العالم من أجل الديمقراطية، وطالب بعقد الانتخابات الفلسطينية وبمشاركة حركة حماس فيها، امتثل طواعية لإسرائيل. والآن وقد مضت عدة أشهر أوقفت الولاياتالمتحدة وأوروبا مساعداتها التي كانت تشكل نصف ميزانية السلطة الفلسطينية. وهنالك نتائج مبكرة لهذه المقاطعة. حيث قالت صحيفة فينانشال تايمز أن "الجراحين في أكبر مستشفى في غزة أوقفوا إجراء العمليات الجراحية غير الضرورية بسبب انعدام أدوات الغرز ومعدات المختبرات والتخدير". كما أن موظفي وكالة حماية البيئة لا يملكون المال لشراء الوقود اللازم للتجوال من أجل مراقبة مياه المجاري وتسرب النفايات الصناعية إلى شبكة مياه الشرب. وهنالك حوالي 150 ألف من موظفي الخدمة المدنية، 60 ألف منهم من قوات الأمن المسلحة، لم يتقاضوا رواتبهم لعدة أشهر. وكان لابد للأسواق التجارية أن تمدد فترة الدين لزبائنها الذين لا يملكون المال لشراء الغذاء. وتنشر صحيفة واشنطن بوست حادثة تعبر عن ما يحدث: " يوم الاثنين في سوق الذهب بمدينة غزة، بدأت ناهد الزعيم بخاتم زفافها الذي أهداه لها زوجها وهو ضابط شرطة فلسطيني قبل ست سنوات. وضعته على الطاولة الزجاجية لمحل بيع الذهب، وانضمت بذلك إلى عدد آخر من زوجات موظفي الدولة الذين لم يقبضوا رواتبهم لشهرين". "وناهد الزعيم التي كانت تغطي رأسها بحجاب أسود كانت تريد ثمن خاتمها لشراء الحفاظات والحليب لأطفالها الثلاثة، من بينهم حمزة، 4 سنوات. وقالت ناهد الزعيم 28 عاماً، هذه آخر ما تبقى عندي، لا أملك غيرها". وقد أطلق ودرو ويلسون على هذه العقوبات اسم "العلاج الصامت المميت". لأن ضحاياه هم عادة من المرضى والمسنين والنساء والأطفال. وفي شهر مارس الماضي توقع البنك الدولي أن قطع هذه المعونات سيؤدي إلى انهيار بنسبة 30% في متوسط الدخل الفردي للفلسطينيين. غير أن البنك الآن يعتقد أن توقعاته السابقة كانت وردية للغاية، ويتوقع الآن أسوأ سنة من التاريخ الاقتصادي الكئيب للضفة الغربية وقطاع غزة". المناوشات المسلحة قد اندلعت بين حماس وفتح. هنالك خطر داهم ينذر بانهيار السلطة الفلسطينية وحدوث الفوضى، وهنالك حاجة لتدخل الجيش الإسرائيلي لحفظ النظام. وأخيراً في 9 مايو، الولاياتالمتحدة لينت من موقفها تحت ضغط الاتحاد الأوربي وبدأت المساعدات في التدفق. سؤال: من الذي يمكنه الاستفادة من اضطهاد الشعب الفلسطيني بهذا الشكل إلى جانب القاعدة والذين يقومون بتجنيد منفذي العمليات الانتحارية؟ وهل يعتقد الرئيس بوش أو كوندي رايز أن الفلسطينيين يحترمون أمريكا التي تفعل كل هذا بأطفالهم، وذلك بعد أن طالبنا بهذه الانتخابات، ودعونا إلى مشاركة حماس، وعبرنا عن انحيازنا للديمقراطية؟ وقد كتب سكوت ويلسون في صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مصطفى حسونة، وهو صيدلي يبلغ من العمر 33 عاماً "يبدو أن قطع المساعدات سيزيد من حالة الاستياء من الولاياتالمتحدة. إن الغرب هو المشكلة ولسنا نحن. إذا كانوا لا يحترمون الديمقراطية ما كان عليهم أن يدعو الناس إليها. ونحن نقف إلى جانب هذه الحكومة التي قمنا بانتخابها. وأنا شخصياً قمت بالتصويت لها". وحسب صحيفة فاينانشال تايمز، قال خالد أبو ليلى، وهو أحد قادة حركة حماس أن حركته بدأت في كسب المتعاطفين لرفضها الخضوع. لقد أساءوا فهم العقلية العربية. لأنه كلما زاد الضغط على حماس، كلما أكسبها ذلك المزيد من الشعبية. وقال البيت الأبيض أنه لن يتفاوض مع الإرهابيين. غير أننا عندما اضطررنا إلى ذلك، تفوضنا مع الإرهابيين. حيث أن فرانكلين روزفلت وترومان عقدا اجتماع قمة مع ستالين في يالطا وبوتسدام. ونيكسون التقى بماو في بكين. وكيسنجر تفاوض مع المؤتمر الفيتنامي وفيتنام الشمالية في باريس. بوش الأب تحالف مع الأسد في حرب الخليج. وقام كلينتون بدعوة عرفات إلى البيت الأبيض مرات عديدة. كما أن رابين وبيريز اشتركا في جائزة نوبل للسلام مع عرفات. ونتنياهو منحه مدينة الخليل. وباراك قدم له 95% من الضفة الغربية. وقد تفاوض عملاء بوش مع مهندس مذبحة لوكربي لإقناع العقيد القذافي بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل. وفي عام 2004، سمى رجال بوش ذلك بالنصر الدبلوماسي. لقد كان نظام القذافي على رأس قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. غير أن الغرض من السياسة الأمريكية والإسرائيلية اليوم هو معاقبة الفلسطينيين على تصويتهم، ولإجبار حماس على الاستسلام أو انهيار حكومتها. فكيف يمكن لسياسة كهذه أن تكسب قلوب الناس وعقولهم لصالح أمريكا؟ يوصف الإرهاب بأنه شن الحرب على الأبرياء لكسر قادتهم السياسيين. أليس هذا وصفاً عادلاً لما نفعله نحن الآن بالفلسطينيين ؟ فلا غرابة إذاً في أن يكرهونا. (1) المرشح السابق لرئاسة الجمهورية . مجلة الأمريكان المحافظين (The American Conservative) عدد 5 يونيو 2006م المصدر : إسلام ديلي