يحاول مارك لافين أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة كاليفورنيا وأحد ممثلي جيل المؤرخين الشبان في الولاياتالمتحدة، في هذا الكتاب تفنيد المقولة التي سادت في الأوساط الغربية خصوصا في الولاياتالمتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، والتي تقول إن المتطرفين والإرهابيين في العالم الإسلامي يقدمون على انتهاج العنف والإرهاب بدافع الحقد على حياة الحرية والديموقراطية والرخاء التي يحياها المواطن الغربي. وتشابها مع فكرة النقائض والمعارضات في الشعر العربي القديم، يعتبر هذا الكتاب بمثابة رد منهجي على كتاب مثل لماذا يكرهوننا؟ لهنري لي. (هم) و(نحن( يمهد الكاتب في بداية كتابه لواقع العلاقة القائمة بين الغرب ( الولاياتالمتحدة ) والعالمين العربي والإسلامي بالقول إنه وفي أثناء كتابته لهذه السطور يعتقد بعض المتخصصين في الأسلحة النووية أن إرهابيين مسلمين سيفجرون قنبلة نووية في واحدة من المدن الأميركية الكبرى قبل نهاية هذا العقد. ذلك في الوقت الذي تقل شعبية الرئيس الأميركي جورج بوش في دول الجنوب أو ما يطلق عليها الدول النامية عن شعبية أسامة بن لادن. وكثر الحديث عن صدام الأصوليات . وتعج نشرات الأخبار يوميا بمشاهد تبدو على أنها كراهية للولايات المتحدة. لكن الواقع الحقيقي هو أن معظم سكان العالم غاضبون من السياسات الأمريكية. ويرفض الكاتب بصورة مبدئية فرضية (هم) و( نحن) ويقول إن معظم (هم) لا يكرهون معظم (نحن)، بل إن وجود هذه الثنائية في أذهان بعض الغربيين والمسلمين على السواء يمثل أساس الأزمة ويستبعد أي إمكانية للتعايش المشترك في عالم واحد. ويؤكد "لافين" أنه من الصعوبة بمكان أن ندمغ مجموعة من الشعوب والثفافات المختلفة بهوية واحدة، ف (هم ) ليسوا شيئا واحدا، كما أن ( نحن) أيضا أكثر من نحن واحدة . ويضرب الكاتب انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة وانقسام المجتمع الأميركي بين ولايات زرقاء ديموقراطية وولايات حمراء جمهورية مثالا على أن الأميركيين (نحن) ليسوا شيئا واحدا. إن الأفكار التي نجدها في العالم الإسلامي في ثقافات دينية متشددة مليئة بالكراهية وتحض على العنف يمكن أن نجد لها مقابل في القسم الشمالي المتقدم من العالم ، لكن الفارق الأساسي كما يقول الكاتب يتمثل في قدرة الغرب الغني والقوي على تهميش الأثار السلبية لهذه الأفكار أو حتى وأدها والتخلص منها، بينما العالم النامي الفقير الضعيف لا يستطيع اتخاذ رد الفعل المناسب لعلاج هذه الأمراض. محور الجهل ومحور الشر ينطلق الكاتب في الجزء الأول من الكناب من فرضية أن جهل الإنسان الأمريكي بواقع وثقافة بقية الشعوب والأمم هو السبب الرئيسي في اقتناعه بفكرة (انهم يكرهوننا) ، فأغلب المسلمين في العالم يفهمون بشكل صحيح أثر السياسات الأمريكيةوالغربية التي تقع تحت اسم العولمة. والمسلم العادي أكثر دراية ومعرفة بأوربا وأمريكا أكثر بكثير من معرفة الأمريكي العادي بالعرب والمسلمين. ويتعجب الكاتب من مقولة انهم يكرهوننا بسسبب حريتنا ، قائلا أن هذا المقولة تتنافى مع العقل والمنطق، فمن يكره الحرية! ويضيف أنهم ينتقدون السياسات مثلهم مثل بعض الأميركيين من اليسار أو اليمين الذين لا يتفقون مع سياسات الحكومة. إن المسلمين في رأي الكاتب مثلهم مثل معظم سكان دول الجنوب يحبون الولاياتالمتحدة ويتمنون أن ينعموا بالعيش على أراضيها. ويرفض الكاتب آراء بعض المستشرقين مثل برنارد لويس والتي تحمل الإسلام أو فترات التراجع الحضاري للمسلمين أثناء نهضة أوربا مسؤولية العنف والإرهاب باعتبارهما ردة فعل لهذا الواقع المتخلف. ويقول لافين إن مصدر كافة هذه المشاكل والأزمات تكمن في البنية السياسية والاقتصادية والثقافية للنظام العالمي الجديد الذي افرز مجتمعات غير قادرة على القيام بأي دور أو وظيفة، بل إن الغرب في رأي الكاتب يتحمل على الأقل نفس الدرجة من المسؤولية للمشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي. إن فكرة "محور الشر" الذي ذاع صيتها في العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لم تكن لتوجد لولا وجود" محورالجهل والتكبر" في الولاياتالمتحدة. ذلك المحور الذي يجهل المعرفة الدقيقة بثقافة وتاريخ الإسلام والمجتمعات الإسلامية ويريد أن يفرض وصايته وقيمه وخبرته التاريخية على شعوب ومجتمعات لها ثقافتها المختلفة. استقاء التاريخ من غوغل استمرارا لفكرة التسطيح والاختزال في معرفة تاريخ وثقافة وواقع (الآخر) في المجتمع الأمريكي، يذكر المؤلف قصته مع أحد مقدمي البرامج الإذاعية الذي استضافه للحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبمجرد أن أخبر لافين المذيع أن بعض فئات الشعب الفلسطيني تعارض نهج حركة المقاومة الإسلامية حماس وأنه شاهد بنفسه تظاهرة ضد حماس في الأراضي الفلسطينية.أبدى المذيع تعجبه وذهب إلى محرك البحث غوغل في الانترنت للبحث عن هذه التظاهرة، وعندما لم يجد أي نتائج . اتهم المذيع لافين بالكذب. ويعلق المؤلف على هذا الموقف قائلا إن التاريخ والمعرفة أصبحت تستقى من الانترنت بدلا من الدراسة والبحث والرجوع إلى المتخصصين. كلنا إسرائيليون "كلنا إسرائيليون الآن" كانت هذه العبارة هي عنوان إحدى المقالات التي كتبها المؤلف بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. يقول لافين إنني لم أخترع هذه العنوان، ولكني اعتدت على سماع من المعلقين في وسائل الإعلام الأمريكية عقب الأحداث . ولكن المعنى الذي أقصده - والحديث للمؤلف- على العكس تماما من قصد المعلقين، فهم يقصدون أن المجتمع الأميركي بعدهجمات سبتمبر شرب من نفس كأس الإرهاب الذي تشرب منه إسرائيل منذ عقود وبالتالي أصبحنا كلنا إسرائيليين . أما أنا (المؤلف) فأقصد أن الولاياتالمتحدة قد تعاملت في رد فعلها على الهجمات كما تتعامل إسرائيل بالضرب بعنف على تهديد الإرهاب دون التفكير بعمق في الدوافع والأسباب التي تولد هذا الإرهاب وبالتالي أصبحنا كلنا إسرائيليين. وثمة تشابه آخر بين الواقع في إسرائيل والواقع في الولاياتالمتحدة يرصده الكاتب عندما يقول إن أغلب الناخبين الذين صوتوا للرئيس الوزراء الإسرائيلي شارون صاحب السياسات المتشددة هم المتدينين الفقراء من الطبقة المتوسطة الدنيا وهو نفس ما حدث تقريبا في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة. فوضى الشرق الأوسط الجديد كان قرار غزو العراق واسقاط نظام صدام حسين إشارة على التحول من النسخة الخفيفة للعولمة إلى النسخة الثقيلة منها. ويعرف الكاتب العولمة الخفيفة بأنها تنشأ عندما تدرك القوى العظمى أن مصالحها يمكن أن تهدد بسبب الفوضى في منطقة من مناطق العالم .أما العولمة الثقيلة فتنشأ عندما تستفيد هذه القوى من الحرب والنفط والمصالح الاقتصادية المرتبطة بهما. ولذلك يصف المؤلف العراق بأنه طفل ما بعد 11 سبتمبر وتمثيلا دقيقا لفوضى عصر العولمة الثقيلة. محور التفاهم هو الحل يقترح الكاتب من أجل التخلص من إشكالية (هم) و(نحن) تشكيل محور جديد مختلف عن محوري الجهل والشر. ويفضل الكاتب أن يطلق عليه "محور التفاهم". وذلك من خلال آلية "التناغم/ التلاحم الثقافي" Culture Jamming (كلمة Jamming مصطلح موسيقي يستعمل عندما تبدأ الآلات الموسيقية في التداخل والتناغم أثناء العزف)، حيث يقترح الكاتب إنشاء تجمع للعلماء والناشطين والباحثين والفنانين من جنسيات وأعراق وثقافات متنوعة لمناقشة قضايا الخلاف وتضييق هوة الخلاف ومد جسور التواصل بين الثقافتين الغربية والإسلامية. ويشترط الكاتب عدم قصر المشاركة على العلمانيين، بل يرى أن مشاركة المتدينين من الجانبين ضرورة ملحة لإنجاح هذا الحوار ولبناء عالم أفضل يقوم على الأمل والتضامن. المصدر : تقرير واشنطن