البابا تواضروس في زيارة لدير العزب بالفيوم    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من جنوب إفريقيا للتعرف على تجربة بنك المعرفة    كل ما تريد معرفته عن تشكيل وموعد الإعلان عن الحكومة الجديدة 2024    ارتفاع الريال السعودي.. أسعار العملات العربية اليوم الاثنين بالبنك الأهلي    ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأثنين (موقع رسمي)    بورصة باريس تسجل خسائر فادحة بعد نتائج الانتخابات الأوروبية    المؤشر الرئيسي للبورصة يهبط مع بداية تعاملات الاثنين    غرفة الحبوب: تسليم المخابز حصة 4 أيام دقيق لاستمرار العمل خلال عيد الأضحى    الحج قديما.. كيف ظهرت مهمة المطوف ليكون مسئول مباشرة عن الحجاج منذ وصوله إلى مكة؟‬    بعد استخدامه في تحرير أسرى إسرائيل، برنامج الغذاء العالمي يوقف مساعداته عبر الرصيف الأمريكي    9155 معتقلا فلسطينيا منذ 7 أكتوبر    تصويت بمثابة الاستفتاء على ميلوني.. اليمين المتطرف الإيطالي يفوز في الانتخابات الأوروبية    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    السلطات السعودية تضبط عصابة لترويج حملات حج وهمية    الدفاعات الجوية الروسية: تدمير 4 مسيرات أوكرانية فوق مقاطعة بريانسك    يورو 2024، منتخب النمسا يراهن على خبرات رانجينك    كرة السلة، موعد المواجهة الثالثة بين الأهلي والاتحاد في نهائي الدوري    "شوبير هيلعب عليك بالسيجار".. ميدو يوجه رسالة نارية ل محمد الشناوي    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    استعدادا لمنافسات كوبا أمريكا.. الأرجنتين تهزم الإكوادور وديا بهدف دي ماريا    أنشيلوتي: ريال مدريد لن يلعب كأس العالم للأندية.. فيفا يريد منحنا 20 مليون يورو طوال البطولة    بدء امتحان التربية الوطنية لطلاب الثانوية العامة 2024    «الصحة»: خدمات كشف وعلاج ل10 آلاف حاج مصري من خلال 24 عيادة في مكة والمدينة    «ابني بيمتحن يا وديع».. أيمن قنديل أمام لجنة مدرسة بالدقي للاطمئنان على نجله بالثانوية عامة    بعد قليل، الحكم في طعن شيرى هانم وابنتها زمردة على حكم سجنهما 5 سنوات    جنايات بنها تودع حداد مستشفى الأمراض العقلية لاتهامه باشعال النار بشخص بالخانكة    جوازات مكة المكرمة: نعمل على مدار الساعة لاستقبال كثافة الرحلات خلال موسم الحج    الاستماع لشهود العيان في واقعة صفع عمرو دياب لمعجب خلال حفل زفاف    بعد غيابها العام الماضي.. ياسمين عبد العزيز تعود لدراما رمضان في 2025    لميس الحديدي تعلن عن إصابتها بالسرطان    استشارى نفسى يقدم نصائح للآباء لدعم الأبناء خلال امتحانات الثانوية العامة    «مرتبطون بوالدتهم ولا يفعلون شيء بدون رأيها».. احذري من رجال هذه الأبراج قدر الإمكان    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    هل الغش في الامتحان يبطل الصوم؟.. «الإفتاء» توضح    حياة كريمة .. جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    قافلة طبية مجانية بقرية ترسا لمدة يومين بالفيوم    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    ممنوعات يجب تجنبها مع طلاب الثانوية العامة طوال فترة الامتحانات    أول إجراء من وزارة الرياضة بشأن أزمة «الدروس الخصوصية» في صالة حسن مصطفى    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    سها جندي: نعمل على تدشين المركز المصري الإيطالي للوظائف والهجرة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    «ابعت الأسئلة وخد الحل».. شاومينج يحرض طلاب الثانوية العامة على تصوير امتحان التربية الدينية    5 معلومات عن زوجة أمير طعيمة الجديدة.. ممثلة صاعدة وخبيرة مظهر    مع فتح لجان امتحانات الثانوية العامة 2024.. دعاء التوتر قبل الامتحان    تعرف على ما يُستحب عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم    لأول مرة مقاتلات أوكرانية تضرب عمق المناطق الروسية    ضياء رشوان: الرئيس السيسي يضع عينيه على المستقبل    الفلسطيني أمير العملة يتوج بذهبية بطولة العالم بلعبة "المواي تاي"    تركي آل الشيخ يعلن مفاجأة عن فيلم ولاد رزق ويوجه رسالة لعمرو أديب    ضياء رشوان ل قصواء الخلالي: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسُحقنا    هؤلاء غير مستحب لهم صوم يوم عرفة.. الإفتاء توضح    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    ضياء السيد: عدم وجود ظهير أيسر في منتخب مصر «كارثة»    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يكرهوننا؟ وضرورة تغيير السؤال
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 10 - 2010

تابعت خلال الأسبوعين الماضيين عددا كبيرا من المقالات والتعليقات التى أثارتها دعوة قس أمريكى مهووس لحرق المصحف الكريم بمناسبة الذكرى التاسعة لأحداث 11 سبتمبر 2001 الشهيرة. وتابعت قبلها فى الصحافة المصرية والعربية تعليقات كثيرة أيضا على الجدل الدائر فى الولايات المتحدة الأمريكية حول التصريح ببناء مجمع قرطبة الثقافى الكبير، والذى اختصره المناوئون فى صورة مسجد، فى موقع قريب من «أرض الصفر» أو Ground Zero، وهو التعبير الذى أطلق على الموقع الذى كان يقوم عليه برجا مركز التجارة العالمى اللذان انهارا فى 11 سبتمبر المشهود. ولا يخفى على العارف بمضمرات اللغة أن هذا التعبير يرد الأذهان للتعبيرات العسكرية من «ساعة الصفر» و«نقطة الصفر» التى تؤذن ببداية المعركة. وهى المعركة التى لا تزال رحاها دائرة حتى الآن منذ اندلاعها من «أرض الصفر» تلك عام 2001. وما نتج عنها من حروب مباشرة فى أفغانستان والعراق، وغير مباشرة فى السودان واليمن والصومال، واحتلال بلدين إسلاميين، إن ممكنا التذرع بأنه كان لأولهما علاقة بما جرى فى 11 سبتمبر، فإن مبررات احتلال العراق لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتلك الأحداث، كما يعرف القاصى والدانى. لكن تجذير مفهوم «أرض الصفر» فى «العقل» الأمريكى، وأضع كلمة «عقل» بين قوسين عمدا، هو الذى ساهم فى تجييش عواطفه، ويسر قبوله لشن الحرب على العراق. بدعاوى وذرائع ثبت كذبها. كما أن تجذير هذا المصطلح فى العقل الغربى سرعان ما أشعل جمرات «الإسلاموفوبيا» التى كانت خامدة مؤقتا فى الغرب عامة.
أقول تابعت هذا كله، ووجدت أن القاسم المشترك الأعظم بين جل التعليقات هو الانطلاق من سؤال معلن فى أغلب المقالات، ومضمر فى بعضها الآخر مؤداه: لماذا يكرهوننا؟ وهذه الصيغة فى طرح السؤال، والتى تضع السائل فى موضع المفعول به، تضمر الرغبة فى اتخاذ موقف الضحية من ناحية، والتنصل من أى مسئولية عما دار أو يدور من ناحية أخرى. لأن الصيغة اللغوية للسؤال ذاتها، ومن منظور المفعول به، تنطوى على تحميل الفاعل المسئولية الكاملة عما جرى أو يجرى. وتنطوى على رغبة فى استدرار العطف، وخاصة إذا ما كان فعل الجملة فعلا كريها ومقيتا كالكراهية. وهذا الأمر ليس بجديد، وليس مقصورا علينا بأى حال من الأحوال. فقد كانت الصيغة نفسها هى ما لجأ إليه الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الصغير عقب أحداث 11 سبتمبر حينما جأر: لماذا يكرهوننا؟ قالها جورج بوش الصغير وهو يستدر عواطف الأمريكيين أولا، وعواطف حلفائه الأوروبيين ثانيا. قالها وهو يرتدى ثياب الحمل الوديع الذى اعتدى عليه ذئب كاسر، سماه الإرهاب الإسلامى، وأردفها كما يذكر الكثيرون، بأن من ليس معنا فنحن أصحاب حق أبرياء فهو ضدنا. وكانت هذه الصيغة الحديثة والبسيطة بساطة مخلة: لماذا يكرهوننا؟ هى التى حددت روح الحملة العاطفية الزاعقة فى الإعلام الأمريكى، والتى تلقفها المحافظون الجدد بأجندتهم الخبيثة، وطرزوها بوشيهم المسموم، ونشروها عبر أمبراطورية «فوكس» الإعلامية الصهيونية، حتى أصبحت على لسان كل أمريكى. وكثيرا ما شاهدت صورا عديدة على شاشات التليفزيونات الأمريكية والأوروبية، وحتى العربية، لشبان وشابات يصرخون بعاطفية زاعقة لماذا يكرهوننا؟ إنهم يكرهون ديمقراطيتنا؟ إنهم يغارون من نسائنا ويريدون أن يلبسنهن النقاب؟ وغير ذلك من الهراء. لكنه كان هراء ممنهج، ووراءه رؤية وتخطيط تحشد بفاعلية ونجاج التأييد للحرب على أفغانستان، ومن بعدها على العراق.
وأذكر أنه حينما خصصت (مجلة لندن للكتب London Review of Books) وهى مجلة جادة أسست على غرارها مجلة (الكتب: وجهات نظر) هنا، عددا خاصا استطلع آراء الكتاب والمثقفين فى أحداث 11 سبتمبر، كان اتجاه الكتاب العام هو الوقوع فى فخ بوش والبحث عن أسباب تلك الكراهية، وعندما كتب ثلاثة مثقفين فقط بطريقة مغايرة تلقى باللائمة على سياسة أمريكا الخارجية فى العالم الثالث عامة، والعالم العربى والإسلامى خاصة، قامت قيامة المحافظين الجدد عليهم وتوعدوهم بالثبور وعظائم الأمور. واتهموهم بالنشاط المعادى لأمريكا، واستخرجوا مفردات القاموس المكارثى الشهير لإرهابهم. فقد حرص اليمين الأمريكى على ألا يفتح ملف ممارسات أمريكا السياسية الخاطئة مع العالم الخارجى، ناهيك عن «صندوق باندورا» الخاص بتماهى سياساتها الخارجية فى العالم العربى مع سياسات دولة الاستيطان الصهيونى فى فلسطين.
وأذكر أيامها أن الراحل الكبير إدوارد سعيد أخبرنى وقد ملأه الحزن أن تلك الموجة الكاسحة وخطابها الخبيث قد نجحت فى إخراس أصوات العقل فى أمريكا أو تهميشها، وأنها تقود أمريكا نحو الجنون أو الكارثة. لكنه أخبرنى أيضا أن من الضرورى الكشف عن المضمر فى هذا الخطاب الخبيث، وهو تسهيل العصف بالعالم العربى، وبالقضية الفلسطينية معا. وهو ما جرى بشكل منهجى ومنظم منذ ذلك التاريخ. فقد كانت غاية هذا الخطاب هى تهميش أى خطاب مغاير أو القضاء عليه كلية، والتعمية على مسئولية السياسات الأمريكية ودعمها المستمر للمشروع الصهيونى عما جرى، حتى يحقق ذلك الخطاب التبسيطى «إنهم يكرهوننا» غاياته الخبيثة التى تخدم فى المحل الأول المشروع الصهيونى، قبل المشروع الأمريكى فى المنطقة.
لأنهم حينما يفعلون ذلك ويضعون أنفسهم فى موقف الضحية، فلكى يبرروا ما ينوون اقترافه من شر وعدوان. فما هى غايات تبنى نفس الصيغة الاستفهامية عندنا، والتساؤل من موقع الضحية أيضا عن سر كراهية الغرب عامة، وأمريكا خاصة لنا وللإسلام؟ من البداية لابد من التسليم بأنه على الرغم من الاتفاق الضمنى بين كل من كتب فى الموضوع على أنهم يكرهوننا، وأن هناك مشكلة حقيقية وكبيرة فى العلاقة بين الغرب والإسلام، فإننا لا نستطيع استقراء مجموعة من الغايات المضمرة التى تشير إلى خطة عمل ناجعة كما كان الحال مع استخدام نفس السؤال فى أمريكا عقب 11 سبتمبر. فليس ثمة شىء غير الشكوى وراء الاتفاق على أنهم يكرهوننا. تتصاعد نبرتها إلى حد الصراخ أحيانا، فى الخطاب الدينى الذى يكرر أننا نؤمن برسلهم ونحترم أديانهم، وأن القرآن ملىء بالثناء على عيسى ومريم العذراء وغير ذلك مما يسمى بالانجليزية «وعظ المؤمنين» الذى لا يجدى نفعا مع غيرهم. حيث يتناسى هذا الخطاب عمدا، أنه برغم اعتراف الإسلام باليهودية والمسيحية، فإنهما لا يعترفان به. وأن اعترافهم بالإسلام كديانة واستخدامهم لمفردة «الإسلام» حديث للغاية، فلم تدخل كلمة الإسلام إلى الانجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية قبل القرن الثامن عشر. وكان التعبير السائد فى جل تلك اللغات هو «المحمديون»، أى الذين يعبدون محمد أو يتبعونه. وكان الخطاب الغربى عامة ملىء بالزراية بهؤلاء «المحمديين» الذين يعبدون من دون الله إنسانا، لا يستحق عندهم إلا أن يوضع فى الدرك الأسفل للجحيم، كما فعل به دانتى فى (الكوميديا الإلهية)، أهم نص أدبى فى اللغة الإيطالية.
أما الخطاب العقلى فقد اعترف بأن صورة بعض المسلمين وممارساتهم تثير النفور، ولكنه امتلأ فى الوقت نفسه بالشكوى بأنهم يحكمون على الإسلام حكما خاطئا وظالما. وهو خطاب يتناسى أن كل خطاب سياسى هو خطاب انتقائى، وأنه إذا كان هناك بالفعل من يرتكبون الإرهاب باسم الإسلام، فكيف تطالب الآخرين باسم تسامح الإسلام بالتغاضى عن ذلك الجانب ونسيانه وهم أول ضحاياه. كما كان هناك من يتحدثون عن الذكاء الشرير، وعن الخضوع للابتزاز الصهيونى، والوجه القبيح للحداثة الغربية التى أصبحت مثقلة بأمراضها. أو عن مشكلة خطيرة تكرر أجواء العداء للسامية التى خيمت على ألمانيا، وراح ضحيتها بضعة ملايين من اليهود. دون التطرق للسؤال الواضح هل يمكن أن تتكرر تلك المشكلة الآن، وقد تعلم اليهود الدرس، وأخذوا بأسباب القوة بعد ضعف؟ هل يمكن فى ألمانيا أو غيرها أن يمر أى خطاب معاد للسامية فى أى بلد من بلدان العالم، اللهم إلا فى عالمنا العربى، الذى لم يعد يعبأ به أحد؟ خاصة بعد أن أصبح مع بداية القرن الحادى والعشرين رجل العالم المريض، كما كانت الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض فى مطالع القرن العشرين. لكننا لا نستطيع أن نقرأ فى هذا الخطاب برغم عقلانيته النسبية أى خطة منهجية لدرء عوادى هذه الكراهية. بل نجد أن ما يجمعه مع الخطاب الدينى أكثر مما يفصله عنه. فكلا الخطابين يصدر عن منطلق التباكى والشكوى، لا اتخاذ موقف الضحية كى يبرر ما ينطوى عليه الرد المزمع من إجراءات. والفارق بين المنطلقين كبير. كما أن المسكوت عنه فى تلك الصيغة السلبية للسؤال والتى لا بد أن تتغير كثيرا. وهذا ما سنلقى بعض «الإضاءات» عليه فى الأسبوع المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.