دائما ما كان أهل الخبرة والعقل والحكمة يخرجون على الناس بكلمات بسيطة قليلة لكنها كانت تلخيص وتوصيف كامل لحالة شخص ما أو فئة ما من فئات المجتمع . من ذلك مثلا هذا المثل الذى يقول ( أسمع ضجيجا .. ولا أرى طحنا ً ) كلمات بسيطة لكنها تعبر تعبيرا ً واضحا ً عن حال هؤلاء القوم الذين تعلو أصواتهم وتنخفض حركتهم ، ويكثر كلامهم ، ويقل فعلهم بل إن منهم من لايوجد له فعل على الإطلاق . فى المشهد المصرى ملمح من ذلك وصورتين بينهما اختلاف وتمايز واضح ، الصورة الأولى هى لأصحاب الضجيج والصوت العالى الذين لا نشعر بوجودهم إلا من خلال أصواتهم العالية وفقط .. هم يتحدثون كثيرا ً ، يساعدهم فى ذلك منابر الإعلام التى ترفع رايتهم ، وبعض الصحف التى تعيش على المتناقضات وتلعب دور الشريك المخالف ، لكنهم بين الناس لا وجود لهم .. لا أحد يعرف عنهم شيئا .. لم يعرفهم الناس ولم يلتقوا بوجوههم إلا ن خلال الشاشات والجرائد أما أن يقابلوهم فى أزمة من أزمات المطحونين أو مشكلة من مشاكل أسرة يقسم أفرادها أوقاتهم ليقف كل منهم فى طابور الخبز أملا فى الحصول على الرغيف ، فذلك ليس من شأنهم لأنهم النخبة المثقفة .. النخبة التى تصنع للشعب المسكين طريق المستقبل المفقود وتضيئ له أنوار الديمقراطية ، وبالتالى فهم وحدهم الذين يملكون قوارب النجاه ، وهم وحدهم الذين يعرفون شفرة حل المعادلة. هؤلاء الذين ملئوا الدنيا ضجيجا ً عن الدستور وأولوية وضعه والانتخابات وضرورة تأجيلها حتى تتماسك سائر القوى السياسية ويكون لها دور فاعل فى الشارع المصرى وحتى تستطيع تكوين قاعدة جماهيرية عريضة ، هؤلاء لم نسمع عن أفعالهم شيئا ولم نراهم فى الشوارع والحوارى – على الأقل فيما قمت به من حالات متابعة للقوى الفاعلة فى المجتمع المصرى قبل كتابة هذا المقال – يتعرفون على الناس ويحاولون المساهمة فى حل مشاكلهم وتخفبف معاناتهم وفى كل مكان كنت أذهب إليه لم أكن أقابل أحدا من هؤلاء ولم أكن أجد إلا أصحاب الصورة الثانية الذين يسمونهم الإسلاميين على اختلاف مسمياتهم وتكويناتهم كنت أراهم يعملون ولا يتحدثون يصنعون طحينا ً لا ضجيجا ً والأمثلة على ذلك كثيرة منها على سبيل التوضيح أزمة أنابيب البوتاجاز والتى كان لهم دور كبير فى تيسيرها للناس وبأسعار رمزية وكذلك توفير الخضروات والمواد الغذائية ، والمحافظة على النظام فى طوابير الخبز ، وتوفير الأدوية لمن يحتاجها ولا يملك ثمنها وغيرها مما لا يسمح به المجال الآن .كنت أرى طحينا ولا أسمع ضجيجا.ً إن الذى يتحدث كثيرا دون أن يفعل شيئا ً هو فى حقيقته مفلس لا يملك شيئا يقدمه للناس. والغريب حقا ً أنهم لا يكتفون بالضجيج وفقط وإنما يتهمون أهل الطحين بأنهم الأكثر تنظيما والأكثر عملا والأكثر تحركا بين الناس إذ المفروض أن يكتفوا بالضجيج وفقط مثلهم حتى يصاب الجميع بالصمم وليت ضجيجهم ضجيجا لصوت ماكينات المصانع التى تعمل أو صوت إنتاج يعلو بسببه دخان العمل يغطى سماء بلادنا بدلا من سحابة الأرز التى كانت تغطيها فى النظام البائد ولكنه ضجيجا يصيبنا بالصداع ووجع الدماغ والله يرحم عمنا بيرم التونسى حينما قال ياهل المغنى دمغنا وجعنا شوية سكوت لله ( مع كامل الاحترام والتقدير لكل صاحب موهبة ). ياسر داود [email protected]