بدا اعضاء الكونغرس الأمريكي وهم يهبّون للتصفيق وقوفا لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو اشبه بأعضاء مجلس الشعب السوري او المصري. ولم يكن ينقص اعضاء الكونغرس سوى الهتاف بحياة الزعيم الاسرائيلي، والقاء القصائد والأزجال في مدحه كي يحار المشاهد، ويكتشف ان 'كله صابون' عند اعضاء مجالس الشعب ، كما تقول العرب. هناك خلافات احصائية طفيفة بين وسائل البعض، البعض يقول ان النواب والشيوخ الامريكيين هبوا تصفيقا 31 مرة، والبعض ينزل عدد المرات الى 29. لكن هناك ما يشبه الاجماع ان عدد مرات القفز عن المقاعد لا سابق له، وان النواب والشيوخ الامريكيين طربوا لصوت الزعيم الاسرائيلي، واقتنعوا ان ما قاله حق لا جدال فيه، وصار في مقدورهم الآن استخدام صور قفزاتهم وتصفيقهم من اجل تمويل حملاتهم الانتخابية! هكذا اضاف الامريكيون الى قاموس الممارسة الديموقراطية مفهوم الوقوف او القفز عن المقاعد من اجل التصفيق. وهي ممارسة تذكّرنا بظاهرة رفع الأيدي التي ابتدعها العميد الراحل غازي كنعان، حين افهم النواب اللبنانيين بضرورة التجديد للرئيس الهراوي برفع الأيدي، وصاغ امره بلجة تهديد لا التباس فيها. وعندما نشر احد الصحافيين خبر التهديد متهكما، تلقى اتصالا هاتفيا من مكتب العميد السوري بأنه سوف يحوله الى هامبرغر. نجا زميلنا الصحافي من مصير الهامبرغر بعد وساطة من احد السياسيين الذين عرف عنه حبه للركوع في مكتب العميد السوري في عنجر، اعلانا للولاء المطلق للرئيس الأبدي، وهذه حكاية تستحق ان تروى عندما يأتي اوانها. غير ان ممارسة رفع الأيدي تحولت الى تقليد ديموقراطي! وبذا نستطيع ان نقول ان النواب الامريكيين كانوا مجرد مقلدين لأعضاء مجالس الشعب العربية،وانه لولا الحياء لانضم جميع اعضاء هذه المجالس غير المنتخبة الا بشكل صوري الى زملائهم الامريكيين في القفز تهليلا للسيد الاسرائيلي! غير ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، بعض اعضاء مجلس الشعب المصري في السجن، بينما ينتظر زملاؤهم السوريون مصيرا مشابها، لذا وجد السيد نتنياهو نفسه مضطرا الى الكذب، مدعيا سروره بالثورات الديموقراطية، وهو الذي بقي حتى اللحظات الأخيرة يناشد الامريكيين الدفاع عن نظام حسني مبارك، بعدما بكى مصير بن علي، ويقال والله اعلم انه ارسل سلاحا الى القذافي عبر متمول فلسطيني عرفت عنه علاقاته الخاصة بالاسرائيليين، ويعمل شريكا لقائد امني كان اول الهاربين من غزة، وتلك حكاية اخرى لا بد ان تروى يوما ما. خطاب السيد نتنياهو كان مجموعة من الأكاذيب، وهذا هو سبب التصفيق الامريكي قفزا. اذ ذهل اعضاء الكونغرس من القدرات التمثيلية التي يتمتع بها الزعيم الاسرائيلي، فالرجل يكذب من دون ان يرف له جفن، يتهدج صوته حين يتحدث عن يهودا والسامرة وهي في عرفه ارض اسرائيلية، ويتحدث عن استعداداته للسلام، شرط ان يبتلع نصف الضفة، ويؤكد استيلاءه على القدس، ويطلب من الفلسطينيين نسيان حق العودة، ويمنن سكان البلاد الأصليين بديموقراطية مواطني الدرجة الثانية. لا شك ان التصفيق والقفز في الكونغرس كان تأييداً للسلام. فالسلام في عرف نتنياهو هو ما بعد الاستسلام. اي ان على الفلسطينيين القبول بأنه لا وجود لهم، والتنازل عن كل ما لهم، فيعطيهم الاسرائيليون سلام التلاشي والموت. لكن اعضاء كونغرس الشعب الأمريكي لا يبالون، المهم هو سلامة اسرئيل وتجبّرها واستمرار قمعها للفلسطينيين، اما قيم العدالة والحرية والديموقراطية، فهي تصلح في كل مكان من العالم، ما عدا في فلسطين. هذا الاستثناء الفلسطيني يجعل من ما سميت يوما بعملية السلام مجرد اضحوكة. ففي ظل عملية السلام تصادر الأرض ويبنى الجدار وتهدم البيوت وتجرف اشجار الزيتون، هكذا يكون السلام. اي على السلام كي يتحقق ان ينهي الوجود الفلسطيني بشكل كامل. النقاش مع نتيناهو واضرابه عقيم وبلا جدوى. دولة تريد قتلك، تحاورك والمسدس مصوب اليك، وعليك في عرف اعضاء الكونغرس ان تشارك في حفلة القفز والرقص، لأن تأييد اسرائيل هو مقياس التحضّر والمدنية في هذا العالم الذي انقلبت قيمه رأسا على عقب. ما لنا ولخطاب نتنياهو، فهو لا يستحق التعليق لولا التصفيق قفزا مرات لا تحصى في كونغرس الشعب الامريكي. لا اعرف اذا كان جمع النواب والشيوخ الامريكيين مناورة من الجمهوريين من اجل احراج اوباما قبل عام من الانتخابات الرئاسية الامريكية. قد يكون هذا صحيحا، لكنه لا يبرر هذا التنافس بين الجمهوريين والديموقراطيين على التصفيق والنطّ. اذ مرة اخرى يثبت ان الرهان على الامريكيين من اجل الوصول الى تسوية الحد الأدنى في فلسطين، هو شراء للوهم. ما تنتظره فلسطين من ابنائها هو لغة نضالية جديدة، ومناخ عربي جديد يخرجنا من حفرة التكلّس التي فرضتها انظمة الاستبداد. عندما تنحل نهائيا مجالس الشعب المزورة في العالم العربي، وتصير الحكومات تعبيرا عن الارادة الشعبية، ويتوقف الرقص في مجالس نوابنا، عندها فقط سوف تجد اسرائيل ان النطّ الامريكي لا يفيد، وان هذا التصفيق الكاذب ليس سوى الفصل الأخير من هذه المسرحية الرديئة. فليعطهم العرب مجالس الشعب وحماقات التصفيق والطرب بالكذب والادعاء والتشبيح، كي ينصرفوا الى بناء مجالسهم التمثيلية الحقيقية، ويستعيدوا بلادهم من لصوص الاستبداد ، وعندها سوف يتبين للاسرائيليين، ولكن بعد فوات الأوان، انهم صدقوا كذبتهم، وعليهم ان يدفعوا ثمنها. الياس خورى القدس العربي