أسعار الدولار في مصر اليوم الخميس بعد خفض الفائدة الأمريكية    بورصة الدواجن.. أسعار الفراخ البيضاء اليوم الخميس 4-9-2025 في قنا    عاجل- الرئيس السيسي يوافق على بروتوكول لتجنب الازدواج الضريبي مع الإمارات    اعتبار مشروع إنشاء الطريق المزدوج طنطا - السنطة - زفتى من أعمال المنفعة العامة    14 شهيدًا في غارات الاحتلال على قطاع غزة منذ فجر اليوم    القناة 12 العبرية: لقاء ويتكوف وديرمر في لندن محاولة أخيرة لإحياء مفاوضات غزة    الأرصاد تكشف أماكن سقوط الأمطار اليوم: الفرص ضعيفة    الرئيس السيسي يصدر 3 قرارات جمهورية جديدة.. تعرف عليها    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف بشأن الطلب على الخام    الاحتلال يوسع حملة المداهمات في الضفة ويحتجز موظفين ببلدية بيت أمر    محمد صلاح أفضل لاعب فى مباراة ليفربول أمام أتلتيكو مدريد    ترتيب الدوري المصري قبل مباراة الزمالك والإسماعيلي    جامعة حلوان تختتم فعاليات هاكاثون الأمن السيبراني Helwan Cyber Arena 2025    إجراء تحليل مخدرات لسائق توك توك بعين شمس    النشرة المرورية اليوم الخميس بمحاور القاهرة والجيزة    شديد الحرارة.. حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 18 سبتمبر 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الرقابة الصحية: إطلاق الدليل القومي للتجهيزات الطبية للمستشفيات لتوحيد معايير الشراء    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين حسب أجندة العطلات الرسمية للرئاسة    إطلاق فعاليات مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في مؤتمر صحفي بالقاهرة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الخميس 18 سبتمبر 2025    بعد تصدرها التريند.. تعرف على أبرز المحطات في حياة أيناس الدغيدي    لميس الحديدي في برومو برنامجها الجديد: أنا لا أخاف.. والإصرار سر بقائي ب الإعلام منذ 38 عامًا    كامبرباتش يتلو قصيدة محمود درويش أمام آلاف البريطانيين.. و69 فنانًا يهتفون لفلسطين    إعلام عبرى: "حكومة الدماء" تسعى لتحويل إسرائيل إلى أوتوقراطية دينية متطرفة    ترامب يعلن عزمه تصنيف حركة أنتيفا منظمة إرهابية كبرى    التاريخ يكرر نفسه.. تورام يعيد ما فعله كريسبو منذ 23 عاما ويقود إنتر للتفوق على أياكس    مورينيو: من المدرب الذي سيقول لا لبنفيكا    محمود وفا حكما لمباراة الأهلي وسيراميكا.. وطارق مجدي للفيديو    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/9/2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    تصريح بدفن جثة ربة منزل بعد ذبحها على يد زوجها بالعبور    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    غزل المحلة يحتج على حكم مباراته أمام المصري: لن نخوض مواجهة حكمها محمود بسيوني    بعد تعرضه لوعكة صحية.. محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مركز ومدينة القصاصين الجديدة    جمال شعبان ل إمام عاشور: الأعراض صعبة والاستجابة سريعة.. و«بطل أكل الشارع»    محافظ شمال سيناء يتفقد أعمال تطوير بوابة العريش وبفتتح مقراة الصالحين لتحفيظ القران الكريم (صور)    فائدة 100% للمرة الأولى.. أفضل شهادة إدخار بأعلى عائد تراكمي في البنوك اليوم بعد قرار المركزي    مسلسل حلم أشرف الموسم الثاني.. موعد عرض الحلقة الثانية والقنوات الناقلة    وزارة العمل: 50 فرصة عمل لسائقين بمرتبات 10 آلاف جنيه    لأول مرة، الأعلى للشؤون الإسلامية ينتج فيلما وثائقيا عن الشيخ محمود خليل الحصري    إصابة سيدة فى انهيار شرفة عقار بمنطقة مينا البصل في الإسكندرية    مكافحة الإدمان: علاج 100 ألف مدمن خلال 8 أشهر    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    قبل أيام من انطلاق المدارس.. تحويلات الطلاب مهمة مستحيلة!    الشاعر الغنائي فلبينو عن تجربته مع أحمد سعد: "حبيت التجربة وهو بيحكيلي عليها"    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    هتتفاقم السنوات القادمة، الصحة تكشف أسباب أزمة نقص الأطباء    حكم مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    "بعد هدف فان دايك".. 5 صور لمشادة سيميوني ومشجع ليفربول بعد نهاية المباراة    بهاء مجدي يحدد مفتاح الزمالك للفوز على الإسماعيلي    الشرع: السلام والتطبيع مع إسرائيل ليسا على الطاولة في الوقت الراهن    «الأرصاد» تُطلق إنذارًا بحريًا بشأن حالة الطقس اليوم في 8 محافظات: «توخوا الحذر»    رئيس جامعة طنطا يشهد حفل تخريج الدفعة ال30 من كلية الهندسة    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    الرئيس السيسي والسيدة قرينته بصحبة ملك وملكة إسبانيا في جولة تاريخية بأهرامات الجيزة.. صور    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يصفق الشعب المصري؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 05 - 02 - 2010

الناس صفقت لعبد الناصر 37 ثانية و للسادات 33 ثانية ولمبارك 25 ثانية و محمد نجيب أقل رئيس صفقت له الجماهير في خطبه لمدة 7 ثوانٍ فقط
نصفق حتى في مجلس الشعب
نصفق للرئيس.. نصفق للوزير.. نصفق في مجلس الشعب.. نصفق في المدارس.. نصفق في الجامعات.. نصفق في ملاعب كرة القدم.. نصفق في السينمات.. نصفق في المسارح.. نصفق في الندوات.. نصفق في الشوارع.. نصفق علي المقاهي، لذلك أعتقد لو هناك درجة أستاذية تمنح للشعوب الأكثر تصفيقًا أظن أننا سنحتكرها وحدنا لقرون قادمة فنحن نشعر أن التصفيق «اختراع» مصري أصيل، فنحن نعشق التصفيق لدرجة جعلت عندنا روادًا في هذا الفن الراسخ في وجدان المصريين منذ أيام الفراعنة الذين ابتدعوا «تقديس» الحاكم إلي أن وصلنا عصر «المصفقاتية» لكن السؤال هو: لماذا يصفق المصريون؟ الدكتور عماد عبد اللطيف يجيب عن هذا السؤال في كتابه المهم والمختلف الصادر عن دار العين للنشر- والذي يحمل نفس السؤال ويقوم من خلاله بدراسة تفصيلية للتأصيل لتلك الظاهرة لنعرف سر استمرار المصريين في التصفيق منذ الفراعنة وحتي الآن! بدأ الدكتور عماد كتابه بمقدمة حملت سؤال متي عرفت مصر التصفيق؟ - والجواب: لا يعرف علي وجه الدقة متي بدأ الإنسان التصفيق، ومن غير الممكن الادعاء بأن التصفيق عرف في مجتمع أو حضارة ما قبل المجتمعات والحضارات الأخري، لكن هذا لا يعني أنه سلوك مستحدث، فهناك إشارات عدة لوجوده في بعض المجتمعات القديمة، فكثير من النقوش المصرية القديمة تظهر المصريين وهم يصفقون، خاصة بمصاحبة الرقص والغناء، وقد كان التصفيق في مصر الفرعونية أداة الإيقاع السياسية وكان يصاحب عادة حفلات الرقص والغناء التي أبدع في فنونها المصريون بينما في الحضارة اليونانية كان التصفيق هو وسيلة إظهار استحسان الجمهور وإعجابهم بالعروض المسرحية أو الموسيقية أو الغنائية التي يشاهدونها. في الحضارة اليونانية كان التصفيق هو وسيلة إظهار استحسان الجمهور وإعجابهم بالعروض المسرحية أو الموسيقية أو الغنائية التي يشاهدونها بل إن اليونانيين ربما كانوا أقدم الشعوب التي عرفت المصفق المأجور، فقد كان بعض المؤلفين المسرحيين الذين يعرضون مسرحياتهم يؤجرون مجموعات من الجماهير تقوم بالتصفيق الحار لمسرحياتهم أمام لجان تحكيم المسابقات المسرحية، وتذكر كتب التاريخ أن نيرون طاغية روما الشهير أسس مدرسة خاصة لتعليم أصول التصفيق، وأنه كان يأمر خمسة آلاف فارس وجندي من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي يغني فيها وهو يعزف ليصفقوا له بعد أن ينتهي من العزف والغناء ! ويبدو أن التصفيق قد انتقل من المجتمعين - الفرعوني واليوناني - إلي المجتمعات العبرانية القديمة وإن اختلفت دلالته، كما عرف العرب في عصر ما قبل الإسلام التصفيق بوصفه ممارسة شعائرية تؤدي أمام الحرم المكي، وكذلك استخدم التصفيق في صدر الإسلام كأداة للتشويش علي المسلمين في بداية دعوتهم، لكن التصفيق تحول علي يد بعض "المتصوفة المسلمين" من وسيلة للتشويش علي المسلمين الذاكرين إلي وسيلة لعبادة بعض المسلمين في حلقات الذكر . وينتقل بنا الدكتور عماد إلي أهم فصول كتابه وأكثرها جرأة الذي يحمل عنوان «التصفيق في الخطب السياسية المصرية» بقوله: الخطاب السياسي المصري في النصف قرن الماضي ربما تضمن أكبر قدرًا من «مدح الذات » بأكثر مما تتضمنه خطابات سياسية أخري، فالمتصفح لخطب جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك يستوقفه هذا الإلحاح علي مدح هؤلاء الرؤساء لأنفسهم داخل الخطب، حيث لا تكاد تترك فرصة لمدح الذات إلا واغتنمت، وغالبا ما يتم هذا في الخطاب الرئاسي المصري بأن ينسب الرئيس لنفسه صفات إيجابية كحب الوطن والتضحية من أجله وحمايته والحرص علي مصالحه، والمعرفة الكاملة بما يحتاجه والشعور العميق به والسهر علي خدمة أفراده وتحمل المشاق والصعوبات في سبيله، إضافة إلي صفات مثل الذكاء الشديد وحسن تقدير العواقب ووضع الأمور في نصابها وتنزيه النفس عن كل شيء إلا حب الوطن، وغالبا ما ينسب الرئيس هذه الصفات إلي نفسه وينزعها عن فريق آخر هم معارضوه السياسيون أو من يهددون استقرار استمراره في السلطة. فالرؤساء المصريون كانوا يدركون أنهم لم يصلوا إلي الحكم بواسطة الاختيار الحر المباشر بواسطة الجماهير، بل حصلوا عليه من خلال «الشرعية الثورية»، هي صياغة مهذبة للحصول علي الحكم بواسطة القوة العسكرية أو شرعية المبايعة أو الاستفتاء وهي صياغة مهذبة للتزوير المنظم لإرادة الشعب، وعلي الرغم من حرص الرؤساء المصريين علي أن يصبغوا علي حكمهم شرعية إما بواسطة الاستفتاء أو المبايعة أو الانتخابات شبه الصورية، فإن أزمة شرعية الحكم ظلت مسألة تحتاج إلي معالجة خطابية، ومن هنا يأتي دور مدح الذات في الخطاب السياسي المصري ليعطي الرئيس للجمهور مبررات شرعية لحكمه ويطلب منه التصديق علي استمراره. مدح الذات ينطوي علي رسالة ضمنية مؤداها: إذا لم أكن قد وصلت إلي الحكم بطرق كاملة الشرعية فإنني - بصفتي الحميدة الآتية - جدير بالاحتفاظ به، ويتزايد حضور مدح الذات في الخطاب السياسي المصري في أوقات الأزمات أو في الانتصارات، ففي وقت الأزمات يحرص رجل السياسة علي التأكيد أنه مازال أهلا للحكم وقادرا عليه، وفي زمن الانتصارات يحرص رجل السياسة علي أنه يرتبط بهذه الانتصارات، ويظهرها بوصفه إنتاجًا لعظمة شخصيته وعظيم خصاله، وفي جميع هذه الحالات اعتادت الجماهير المصرية علي التصفيق لرؤسائها أثناء قيامهم بمدح أنفسهم. الأمثلة التي رصدها الدكتور عماد لتصفيق المصريين لرؤسائهم كثيرة ومهمة ومنها تصفيق الجمهور للرئيس محمد نجيب الذي لم يستمر التصفيق له أكثر من 7 ثواني أما الرئيس جمال عبد الناصر فالتصفيق له يدخل موسوعة الأرقام القياسية ففي خطبته في جامعة القاهرة في ذكري الوحدة العربية عام 1966 - أي قبل عام من النكسة -استمر التصفيق لمدة 37 ثانية وهذه أطول مرة صفق فيها الجمهور وذلك حين قال عبد الناصر : الجماهير العربية ستكشف بكل سرعة تزييف الدين وستكشف الجماهير العربية استخدام الدين لوضع البلاد العربية داخل مناطق النفوذ وستسقط الشعوب العربية الحلف الإسلامي المزعوم كما أسقط حلف بغداد. وبالنسبة لأكثر مدة تم فيها التصفيق للرئيس السادات فكانت أثناء خطابه في ممثل الشعب الفلسطيني عام 1972، فالمصريون الذين كانوا يعانون من مشاعر الذل والعار في تلك الفترة التي كانوا يتشوقون فيها إلي الثأر من الهزيمة التي لحقت بهم في عام 1967، فبمجرد أن ذكر الرئيس السادات كلمة قتال استمر التصفيق لمدة 33 ثانية حتي قاطعه الرئيس ليتوقف بعد 35 ثانية وهو يقول: أنتم ونحن الأكثر تعرضا لشراسة العدو وهو يحاول تنفيذ مخططاته العدوانية . أنتم ونحن كتب علينا أن نتحمل، وأن نصمد، وأن نعيش أصعب الظروف . أنتم ونحن لا سبيل أمامنا إلا القتال (تصفيق حاد)، لكن في خطبة السادات في يونيه 1977 صفق الجمهور لمدة 11 ثانية إثر ذكر السادات لاسم مبارك متبوعا بدوره في حرب أكتوبر. ويذكر الدكتور عماد مثالا لمدح الرئيس لنفسه وقت الأزمات، ففي خطاب الرئيس مبارك يوم 4 فبراير 2009 في عيد الشرطة بعد الحرب الإسرائيلية علي غزة يقول: «إنني بحكم مسئوليتي كرئيس للجمهورية أقوم بالتقدير الدقيق للموقف قبل اتخاذ أي قرار.. إنني متحمل مسئوليتي كرئيس جمهورية، سأواصل العمل بأقصي الجهد لتحقيق تطلع شعبنا للعيش في عزة وكرامة وسلام تحميه القوة». لكن أبرز مثال ذكره الدكتور عماد عبد اللطيف في كتابه «لماذا يصفق المصريون؟» هو تصفيق أعضاء مجلسي الشعب والشوري أثناء خطابه الشهير الذي تخلي الجمهور عن تصفيقه الذي يتم عبر الطرق التقليدية المحفوظة والتي تتم عن طريق عدة فخاخ - علي حد تعبير الكاتب - استخدمها الرؤساء محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك منها: ذكر اسم شخص أو تاريخ أو حدث يحظي باحترام الجمهور واستخدام الفكاهة والمفارقة أو السخرية.. فكان التصفيق يومها بحرارة شديدة عندما أعلن الرئيس مبارك أنه سوف يظل في الحكم حتي آخر نبضة وقال: اجتزنا من قبل أوقاتًا أزمات صعبة وتغلبنا علي مشكلات وتحديات عديدة، سأواصل معكم مسيرة العبور إلي المستقبل متحملا المسئولية وأمانتها مادام في الصدر قلب ينبض ويتردد (وظل السادة أصحاب الحصانة يصفقون لمدة 25 ثانية) ثم أضاف: لا أهتز ولا أتزعزع، لا أفرط في مصالح الوطن أو سيادته أو استقلال إدارته، لا أقبل أي ضغوط ولا أنحني إلا لله (تصفيق 15 ثانية بعد هذه الجملة). والسؤال الذي يطرحه دكتور عماد هنا هو: لماذا يكافئ المصريون رؤسائهم علي مدح أنفسهم بالتصفيق؟ ربما تكمن الإجابة عن هذا السؤال في موقف «التقديس» الذي يشعر به معظم المصريين نحو الحاكم، فنتيجة لقرون طويلة من ظلم الحكام وطغيانهم، أصبح المصري يخاف الحاكم وسلطته خوفًا مرضيًا ربما يحتاج إلي عقود طويلة للشفاء منه ،فقد كان الحاكم الفرعوني هو «إلههم» الذي يفعل بهم ما يروق لإله أن يفعل بعبيده، ونظرة واحدة إلي الهرم الأكبر كفيلة بإثارة أقسي مشاعر الحزن ،حين نتذكر أنه شاهد علي كيف تمت التضحية بآلاف الأرواح المصرية بهدف أن يبني أحد الحكام - الآلهة - لنفسه مقبرة خالدة!، وبالتالي فإن التصفيق للحاكم وهو يمدح نفسه أقل ما يقوم به من يشعر بأنه تحت رحمة الحاكم. لكن ليس كل المصفقين للرؤساء المتباهين هم ممن يخشون سيف المعز، أو يؤمنون بصدق دعواه، فكثير من التصفيق هو لأجل «ذهب المعز» الذي يقتنصه صاحب التصفيقة الأعلي، وإذا أضفنا إلي ذلك حقيقة أن معظم «المصفقين» هم من المنتفعين من الأوضاع القائمة فسوف يضاف إلي التصفيق أثناء مدح الحاكم لنفسه. ويتطرق الكاتب إلي الحديث عن المصفقاتية والهتيفة - هؤلاء الذين اخترعهم الشعب العربي عامة والشعب المصري علي وجه الخصوص- بقوله: لدي معظم الشعوب العربية شك في ممارسات التواصل السياسي ويزداد هذا الشك ضرورة حين تصدر في مواقف لا تحظي بشعبية حقيقية بين الجماهير.. هذا الشك يطال استجابات جماعية متنوعة مثل الهتاف والتصفيق والتلويح والصفير وإنشاد الأشعار وإطلاق الشعارات والقيام وقوفا وإنشاد مقاطع غنائية جماعية، من بين هذه الاستجابات حظي التصفيق والهتاف بأعلي درجات الشك، ومن ثم أعلي درجات النقد، ونحت الشارع العربي مفردتين جديدتين تشيران إلي البشر الذين يقومون بوظيفة إنتاج استجابات مزيفة في سياق التواصل الجماهيري، هما مفردتا «الهتيفة والمصفقاتية» والمفردتان هما صيغتا مبالغة من فعلي الهتاف والتصفيق، وتشيران إلي مجموعات من الأشخاص تقوم بدور المصفقين والهتافين بهدف إظهار وجود شعبية جماهيرية لأفعال أو أقوال أو شخصيات لا تحظي بهذه الشعبية، وحين تستخدمان في صيغة الإفراد - هتيف ومصفقاتي - فإنهما تعنيان الشخص دائم التأييد لأفعال شخص آخر أو أقواله بشكل كامل ومطلق ودون إيمان حقيقي. هذا الشك في استجابات شريحة من الجماهير دعمه وجود تراث هائل من الحرص علي تنظيم الاستجابات الجماعية في المجتمعات الديكتاتورية فمنذ بدأ الوعي بوظيفة «المصفقاتية والهتيفة» بدأ من يمسكون مقاليد السلطة السيطرة علي هذه الاستجابات من خلال: أولا: إقصاء كل المستمعين المستقلين أو المعارضين غير المتحمسين. ثانيا: توزيع عدد من المصفقين والهتيفة في أرجاء المكان. ثالثا: تقريب الأفراد الذين يقومون بدور الهتيفة والمصفقاتية من وسائل تكبير الصوت، وتسليط الأضواء عليهم. رابعا: إجبار الأفراد الذين لا يظهرون الحماسة الكافية للتصفيق علي تعديل «أدائهم» من خلال نشر مراقبين من رجال الأمن في أركان المكان الذي يتم فيه إلقاء الخطبة. خامسا: صياغة الخطبة علي نحو يحفز علي التصفيق من خلال حشوها بفخاخ التصفيق البلاغية والمعنوية. لقد دفع الدور الذي يقوم به «الهتيفة والمصقفاتية» في تزييف ردود أفعال الجماهير الكثير من أفراد الشعوب العربية إلي الربط بين التصفيق والنفاق السياسي، وأصبح فعل التصفيق في سياقات التواصل السياسي الجماهيري يدرك بوصفه جزءا من مسرحية سياسية تؤدي علي خشبة باتساع الوطن ذاته، البعض يراها مسرحية كوميدية تستمد طابعها الفكاهي من المفارقة التي توجد بين حرص السلطة الحاكمة علي أدائها ووعي الجمهور بزيفها، والبعض الآخر يراها مسرحية تراجيدية تصور واقع الأوطان التي تعيش مأساة الأنظمة الديكتاتورية والشعوب العاجزة. ويكشف الدكتور عماد في كتابه دور التصفيق في الوقت الراهن بقوله: التصفيق الآن أصبح مكونا أساسيا من مكونات الخطابة السياسية في معظم ثقافات العالم، فالخطبة
السياسية المعاصرة تكاد تتكون من سلسلة متتابعة من الكلام الذي يتلوه تصفيق أو التصفيق الذي يتلوه كلام، وقد توغل التصفيق في الخطب السياسية علي حد انه في بعض الأحيان يشغل مساحة زمنية تكاد تقل كثيرا عن المساحة الزمنية لكلام الخطيب، ويمكن لمستمع الخطب السياسية المصرية أن يستنتج بلا جهد أن رجال السياسة المصريين يسعدون بكل الاستجابات الاستحسانية التي يقوم الجمهور بإنتاجها مثل التصفيق والهتاف والزغاريد، وفي معظم الخطب كانت هذ الاستجابات تحظي بدعم رجال السياسة الذين يستمعون إليها بسعادة بالغة ويفسحون لمن يقوم بها الوقت اللازم لإنتاجها، ويشجعونهم عليها من خلال التعرف علي الأشخاص البارزين من الهتيفة أو المصفقاتية، ويشير الكاتب إلي أنه في حالات نادرة لم يكن هناك تشجيع كامل لبعض الاستجابات الاستحسانية خاصة حين كانت تعوق الخطيب عن أداء خطبته، وفي حالات أقل ندرة كان رجل السياسة يطلب من الجمهور التوقف عن إنتاج هذه الاستجابات، ففي خطبة الرئيس الراحل محمد نجيب في إيتاي البارود بمناسبة مرور عام علي قيام الثورة وتوزيع الدفعة الأولي من الأراضي ضمن مشروع توزيع الأراضي علي صغار الفلاحين، طلب الرئيس من الجمهور بشكل صريح أن يتوقف عن الهتاف فيوضع التصفيق السياسي في بعض المجتمعات العربية في مقابل الواقع، فالتصفيق ينظر إليه علي أنه محاولة لتزييف «وعي الجماهير» عن عمد بواقع الذي يعيشونه بواسطة إظهار أن من يمتلكون السلطة يحظون بتأييد شعبي كبير علي عكس ما هو عليه الأمر في الواقع كما أن التصفيق يوضع أحيانا في مقابل الوعي. يكشف كتاب «لماذا يصفق المصريون؟» سببا مهما في تطور التصفيق مع الزمن هو انتشار ثقافة القطيع التي تحكم المجتمع المصري فالكل ينتظر من يتحرك ليتحرك خلفه وفي أي اتجاه دون النظر لأسباب أو توجهات لأن المصفقين قد يمثلون شريحة المغيبين الواقعين تحت وطأة التضليل إضافة إلي ذلك كثيرا ما يوضع التصفيق في مقابل قوة الشخصية ووضوح الاختيارات الفردية حيث ينظر لمحترفي التصفيق بوصفهم مجرد «إمعات» لا يملكون سوي السير في ظلال الآخرين إن صفق الناس صفقوا وإن هتف الناس هتفوا. فالتصفيق في الوقت الراهن أصبح مهنة، فهؤلاء الذين يتقنون التصفيق ربما لا يتقنون شيئا آخر خاصة بعد أن تحول التصفيق والتشجيع والتهليل إلي مهن يقتات منها بعض المصريين والمصريات الذين يملأون ساحات البرامج الحوارية أو فضاء الملاعب الرياضية والخطب السياسية. وينهي الدكتور عماد عبد اللطيف كتابه بالحديث عن مستقبل التصفيق في مصر (طبعا مستقبل رائع!) قائلا: علي مدار العقود الماضية لم يبلور وعي نظري لدي المصريين بأهمية التصفيق كفعل سياسي مؤثر، فغالبا ما كانت ممارسته تتم دون تفكير مسبق، ودون محاولة حقيقة للإفادة منه، فهو يقدم بشكل مجاني ربما لمن لا يستحقه، وذلك علي الرغم من أن التصفيق قوة حقيقية في أيدي الجماهير تستطيع إذا ما أحسنت استغلاله أن تحقق قدرا كبيرا من مصالحها الحقيقية، فالسياسيون يتشوقون للتصفيق، والجمهور يمتلك القدرة علي أن يصفق أو لا يصفق، فهو لديه بالفعل قوة يستطيع المساومة عليها بنبل، وما يحتاجه الجهور هو فحسب إدراك أن التصفيق حين يكون مدفوعا بأسباب أخلاقية وعقلانية يمكنه أن يحقق الكثير. ويختتم الكاتب رصده لظاهرة أسباب انتشار التصفيق في مصر بقوله: إن تاريخا طويلا من إساءة استعمال التصفيق في المجال السياسي لا يعني أنه لا يمكن إعادة الاعتبار إليه، فالتصفيق إحدي الوسائل المحدودة التي يمتلكها الجمهور ويستطيع استخدامها في الوصول إلي أهدافه، فالجمهور يملك القدرة علي منح التصفيق أو حجبه، والسياسيون الذين يرغبون بشدة في هذا التصفيق علي استعداد دائم لدفع ثمنه.
خطبة عبدالناصر في جامعة القاهرة في ذكري الوحدة عام 1966
عبدالناصر: الجماهير العربية ستكشف بكل سرعة تزييف الدين، وستكشف الجماهير العربية استخدام الدين لوضع البلاد العربية داخل مناطق النفوذ، وستسقط الشعوب العربية الحلف الإسلامي المزعوم ، كما أسقطت حلف بغداد
الجمهور: (تصفيق استمر لمدة 37 ثانية)
عبدالناصر: (والسلام عليكم ورحمة الله)
الجمهور: هتاف نسوي وذكوري (لمدة ست ثوان)
خطبة السادات في القوات المسلحة في 7/6/1977
السادات: النائب حسني كان قائدًا للقوات الجوية
الجمهور: (تصفيق لمدة 11 ثانية)
خطبة مبارك أمام مجلسي الشعب والشوري في نوفمبر 2006
مبارك: سنتغلب علي ما نواجهه من تحديات علي أرض مصر وفي منطقتها من العالم، فلقد اجتزنا من قبل أوقاتًا وأزمات صعبة وتغلبنا علي مشكلات وتحديات عديدة، سأواصل معكم مسيرة العبور إلي المستقبل متحملاً المسئولية وأمانتها ما دام في الصدر قلب ينبض ونفس يتردد.
الجمهور: (تصفيق لمدة 25 ثانية)
مبارك: لا أهتز ولا أتزعزع، لا أفرط في مصالح الوطن أو سيادته أو استقلال إرادته، لا أقبل أي ضغوط ولا أنحني إلا لله (..)
الجمهور: (تصفيق لمدة 15 ثانية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.