كشف رئيس الوزراء الصهيوني ايهود أولمرت الأسبوع الماضي النقاب عن خطته الهادفة لاستكمال ترسيم حدود دولة الاحتلال بحلول العام 2010. وتنص الخطة التي أطلق عليها خطة " الانطواء " على إضفاء الشرعية على ضم معظم المستوطنات اليهودية التي أقيمت بعد العام 1967، والتي تنتظم فيما يعرف بالتجمعات الاستيطانية الكبرى رسمياً للدولة العبرية، وإسدال الستار على أي فرصة للتباحث حولها في أي تسوية سياسية مستقبلية. إلى جانب ضم منطقة " غور الأردن " التي تمثل حوالي 25% من مساحة الضفة الغربية، وضم المناطق التي تحتوي على مصادر المياه العذبة، سيما في جنوب الضفة الغربية، ناهيك عن استكمال تهويد القدسالمحتلة ، ومضاعفة مساحتها عبر ربطها بالمستوطنات اليهودية المجاورة، سيما مستوطنة " معاليه أدوميم " التي تعتبر أكبر مستوطنة في الضفة الغربية. وقد وعد أولمرت بأن تكون أول مرحلة من مراحل هذه الخطة بناء 3500 وحدة سكنية في المنطقة التي تفصل القدسالمحتلة عن " معاليه أدوميم ". الأمر الأكثر في خطورة في خطة اولمرت هو أنه لا يكتفي بالأراضي الفلسطينية الشاسعة التي التهمها جدار الفصل العنصري، بل يؤكد أن هناك حاجة لتغيير مساره نحو الشرق ليضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. أولمرت يدعي أنه يقدم على تنفيذ هذه الخطة لأنه بعد فوز حركة حماس لم يعد هناك ثمة شريك فلسطيني يمكن التوصل معه إلى تسوية سياسية. وهذا الزعم يثير سخرية حتى جميع المعلقين في الدولة العبرية، الذين يؤكدون أن خطة " الانطواء " كانت جزءاً من الخطوات أحادية الجانب التي اتفق عليها كل من اولمرت و سلفه أرئيل شارون في منتصف العام 2003، حتى قبل أن يخطر على بال أحد في الساحة الفلسطينية تنظيم انتخابات تشريعية. إسرائيل وبمعزل عن المتغيرات في الساحة الفلسطينية توصلت إلى قناعة مفادها أن عليها أن تستعيض عن التسوية الثنائية مع السلطة الفلسطينية بخطوات أحادية الجانب ، لضمان تحقيق خارطة مصالحها الإستراتيجية، و بالتالي كانت خطة " فك الارتباط "، في قطاع غزة، وشمال الضفة الغربية. وتعكس الخطوات أحادية الجانب هذه إدراك الدولة العبرية أنه لا يمكن أن يتوفر شريك فلسطيني يمكن أن يوافق على تسوية تضمن تحقيق خارطة المصالح الاستراتيجية لإسرائيل في الضفة الغربية. من هنا فإن القادة الإسرائيليين يدركون أن الخطوات أحادية الجانب هي الخيار الوحيد لضمان مصالح كيانهم ، لأن ما يطرحونه في أي تسوية لا يمكن أن يقبل به حتى أكثر الأطراف الفلسطينية مرونة و" اعتدالاً ". وقد اختلفت النخب المثقفة المرتبطة بدوائر صنع القرار في الدولة العبرية في تقييم خطة " الانطواء ". وهناك من الباحثين الصهاينة من أثنى على توجهات حكومته ، وحثها على المزيد من الخطوات أحادية الجانب. فقد قال جاي باخور المستشرق والباحث في مركز " هرتسليا " للأبحاث أن فوز حماس يمثل حدثاً إيجابيا لإسرائيل ، لأن الدولة العبرية أصبحت حرة في أن تحدد حدودها وحدها، كما فعلت في قطاع غزة، من غير أن تعالج قضية اللاجئين، أو القدس أو قضايا أخرى، لأن أحداً في العالم لا يمكن أن يعتقد أن إسرائيل بإمكانها مناقشة هذه القضايا مع حكومة بقيادة حركة حماس. ويحث باخور أولمرت على تسريع وتيرة الفصل الديموغرافي بين الفلسطينيين واليهود، حيث إن الدولة العبرية ستكون قادرة على إغلاق حدودها إغلاقا تاماً أمام العمال الفلسطينيين،مشيراً إلى أن الفلسطينيين والإسرائيليين " لا يمضون اليوم إلى زواج بل إلى طلاق"على حد تعبيره. لكن هناك في إسرائيل من يرى أن القيام بخطوات أحادية الجانب رداً على فوز حركة حماس ستكون له تأثيرات سلبية على الدولة العبرية، لأن الخطوات أحادية الجانب تعني أن مستقبل الصراع سيظل مفتوحاً على كل الاحتمالات، كما يرى المستشرق متان شتينبرغ، الذي شغل منصب كبير المستشارين للشؤون الفلسطينية في جهاز المخابرات الإسرائيلية الداخلية " الشاباك" . ويرى شتينبرغ أن إسرائيل بدلاً من الخطوات أحادية الجانب بإمكانها القيام بخطوة كبيرة ، تمثل دق إسفين بين حركة حماس والشعب الفلسطيني. وحسب رأيه فإن إسرائيل بإمكانها وضع الحكومة والمجتمع الفلسطيني أمام اختبار صعب ، في حال قامت ببلورة خطة إسرائيلية للتسوية تقوم على خطة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون. ويرى أن مثل هذه الخطوة ستسمح بدق إسفين بين حماس وفتح ، وبين حماس وبين الشعب الفلسطيني. ويضيف أن مثل هذه الخطة ستدفع أزمة انتصار حماس إلى السطح. ويشدد شتينبرغ على أن إسرائيل مطالبة بالعمل على توضيح الفوارق والتباينات في المجتمع الفلسطيني وليس طمسها، منوهاً إلى أن ذلك سيتيح لأبي مازن إبداء المرونة ، ويوفر الشروط لإحداث تغيير في نتائج الانتخابات الفلسطينية القادمة. على كل.. وإزاء هذا المخطط الصهيوني الخطير، وأمام المقاربات الإسرائيلية التي تنطلق من تصفية القضية الفلسطينية كهدف، فإنه من المؤسف أن يتصرف الفرقاء في الساحة الفلسطينية وكأن ما يجري هنا، يحدث على كوكب آخر لا يعنيهم. فحركة " فتح " مثلاً التي ترفض الانضمام لحكومة حماس، وتصر على الانتقال للمعارضة تتصرف وكأن السلطة الفلسطينية دولة اسكندنافية لا مشاكل أمامها ولا تحديات. في حين أنه يتوجب أن تتوفر جبهة فلسطينية شاملة ، للوقوف أمام التحديات التي تشكلها خطة " الانطواء ". إن الارتهان للحسابات الحزبية والتنظيمية الضيقة في الساحة الفلسطينية حالياً يعني بشكل غير مباشر التساوق مع المخطط الإسرائيلي ، الهادف لتصفية القضية الفلسطينية . فبدلاً من المناكفات، يتوجب على حركة " فتح " الانضمام لحكومة حماس بناء على برنامج التصدي للمخططات الصهيونية الخطيرة، على اعتبار أن هذه هي المعركة الكبرى التي يخوضها الشعب الفلسطيني، وكل من يتخلف عن هذه المعركة لن يزداد إلا بعداً عن الشعب الفلسطيني وخياراته الوطنية . المصدر : الاسلام اليوم