ليس مهما لدى البعض ، خاصة المواطنين البسطاء ، الطريقة التي يأتي بها الحاكم للحكم هل بانتخابات حرة او شكلية او بانقلاب او ثورة فهذه جدليات بين السياسيين والنخبة فيها رفاهية لا يتمتع بها الفلاح والعامل والفقير وساكن المقابر والعشوائيات من الفئات المهمشة والمطحونين ، لكن المهم لديهم هل سيكون رئيساً لهم ولكل المصريين ويتقرب من الشعب ويعمل على حل مشاكلهم ام سيكون رئيساً لمراكز القوى وسكان المناطق الراقية فقط ..
ونستطيع ان نقول ان الطريقة التي سيبدأ بها الحاكم حكمه هي التي ستحدد مصيره وهل سيستمر طويلا ام سيكون عمره قصيرا .
وفي قراءة سريعة للفترات التي حكم فيها حكام مصر السابقون ، سنجد ان من يبدأ حكمه بالتقرب من الشعب بفتح أبواب الحرية وإطلاق سراح سجناء الرأي او بتبني قضايا البسطاء والمهمشين فان حكمه يستمر لسنوات طويلة وعندما يسمح الحاكم لمراكز القوى بان تعزله عن الشعب و تتغير طريقته في الحكم ليصبح فاسدا وبوليسيا ويغلق الصحف ويسجن اصحاب الرأي فانه يكتب شهادة وفاته او وفاة نظامه .
- الملك فاروق... بدأ حكمه بالتقرب للشعب وكره الإنجليز وأطلق الحريات وإصدار الصحف وانتهى عصره بتأسيس الحرس الحديدي والبوليس السياسي لملاحقة السياسيين وانتهى باللهو والفساد وسجن المعارضين له بتهمة العيب في الذات الملكية فسقط بثورة يوليو 1952...
- جمال عبدالناصر... بدأ عصره بالاقتراب من البسطاء وتوزيع اراضي على الفلاحين وبناء قلاع صناعية والسد العالي وتأميم قناة السويس وانتهى عصره بمراكز قوى اذاقت الناس ويلات العذاب وعزلت عبدالناصر عن الشعب فوقعت نكسة 67 فمات كمدا بسبب إخفاقات الداخل والخارج...
- انور السادات ... بدأ حكمه بالتخلص من مراكز القوى التي أهانت الشعب وأطلق الحريات وهدم السجن الحربي وحقق نصر اكتوبر وأنشأ الأحزاب والصحف واخرج الإسلاميين من السجون ... وانتهى عصر السادات باعتقالات واسعة للسياسيين والإسلاميين " اعتقالات سبتمبر " فقتل السادات بعد ان تخلى عنه الجميع ولم يجد له حليفا ...
-حسني مبارك... بدأ حكمه بالإفراج عن سجناء الرأي وأستقبلهم شخصيا وتقرب من الشعب فخلع البدلة العسكرية وارتدى البدلة العادية القماش بنص كم في الصيف وبكم في الشتاء رمز التقشف والتي كان يرتديها الموظفون والبسطاء وسمح للمعارضة والأحزاب بالعمل فاستمر حكمه لسنوات ..وانتهى حكمه بخصخصة القطاع العام وتشريد العمال وبسجن اصحاب الراي وإغلاق الأحزاب والصحف مثل حزب العمل وجريدة الشعب ورفض اختيار نائب له لفتح الباب امام توريث الحكم لابنه جمال الذي زور انتخابات مجلس 2010 بنسبة 100 ٪ وتجاهل مبارك مطالب الجماهير فسقط سريعا بثورة يناير 2011
- د. محمد مرسي .. جاء بعد ثورة شعبية ضد نظام مبارك فبدأ حكمه بوعود ثورية منها تطهير مؤسسات الدولة و القصاص للشهداء وتشكيل حكومة وحدة وطنية وفريق رئاسي يمثل كافة طوائف الشعب وإعادة تشكيل لجنة صياغة الدستور لتكون متوازنة في تمثيل القوى السياسية واختيار نائب له من المرأة ونائب من الأقباط .. واجتهد الرجل من خلال تشكيل لجنة تقصي حقائق في قتل الثوار وإنشاء نيابة الثورة لكنها خطوات لم تكن ذات جدوى في القصاص للشهداء لعدم فعاليتها لانها إجراءات غير ثورية ولم يتمكن مرسي من الوفاء بوعوده وبرنامجه الانتخابي ذاته إما لوقوعه تحت تأثير مكتب إرشاد الاخوان والمرشد الذي يدين له مرسي ببيعة الى جانب بيعة الشعب وخضوعه لضغوط السلفيين الذين ورطوا مرسي في دستور اتهمه البعض بانه طائفي من خلال المادة المفسرة للشريعة والتي أصر عليها النور السلفي واستقال بسببها الليبراليون والقوى السياسية والثورية من لجنة الدستور ، وإما لم يتمكن مرسي كذلك من الوفاء بوعوده بسبب العراقيل التي وضعتها مؤسسات الدولة العميقة امام مرسي الذي ساعدهم على ذلك بتركيزه بعد نجاحه على إظهار نفسه بانه الرئيس الاسلامي الذي جاء لإقامة دولة دينية قريبة الشبه من ايران من خلال تصويره وهو يصلي في قصر الرئاسة ومن خلفه قيادات السلفيين و الجهاديين و الاخوان .. ونشر هذه الصور في القنوات الفضائية والصحف وفي صفحات الأخوان والسلفيين على الفيس بوك وتويتر.. وهناك فئات اخرى من الشعب أصابها الرعب من ذلك مثل الأقباط والعلمانيين وغير الإسلاميين بل والجيش نفسه والشرطة التي كانت في صراع تاريخي مع الجهاديين، وهؤلاء المرعوبون من حكم الاخوان لم يجدوا الا الحزب الوطني والمؤسسة العسكرية ليستنجدوا بهما من خطر وهمي صوره لهم اعلام الاخوان في القنوات الفضائية الاسلامية التي أساءت الى الدكتور مرسي إساءة بالغة بتكفير وتفسيق القوى السياسية والدينية المعارضة للدكتور مرسي بل وصلت لدرجة إهدار دم المعارضين لمرسي .. وتطوع بعض الأشخاص برفع دعاوى قضائية ضد صحافيين وإعلاميين معارضين لمرسي واضطر هو لتحسين صورته بالتنازل عن قضايا رفعت ضد الإعلاميين بسبب اهانتهم للرئيس .. كما بدأ الاخوان ومرسي في اخر عهده في تجاهل مطالب المتظاهرين في اكثر من محافظة واستهان الاخوان بها سواء كانت مظاهرات طبيعية ام مدبرة لكن أساء مرسي التعامل معها وفشل في استيعاب المعارضين له من القوى السياسية والثورية التي لولا أصواتها ما نجح امام شفيق .. وسمح مرسي بزيادة الفراق بينه وبين القوى الثورية وفي ذات الوقت قام بما وصف وقتها بانه تصالح مع نظام مبارك من خلال ضم اعضاء من الحزب الوطني كأعضاء معينين في مجلس الشورى و اعداد قانون للتصالح مع رجال الاعمال و رموز نظام المبارك لإعادة الأموال المهربة مقابل العفو عنهم .. لكن الصورة النهائية كانت قد رسمت بسبب سذاجة الاخوان ومرسي او بتعمد من المعارضين غير الإسلاميين وتلك الصورة المشوهة هي ان مرسي يسعى لدولة دينية وستطبق الحدود .. وفي النهاية تدخلت المؤسسة العسكرية التي شعرت بان الدولة التي يريدها الاخوان تهددها وتهدد بعض الفئات في الشعب .. وانتهى حكم مرسي وهو مستسلم لمخطط الإطاحة به أستسلاما غريبا ومثيرا .. ولم يشفع لمرسي تخليه عن هموم الشعب بابتعاده عن المسار الثوري في الحكم بل وسعيه لفرض ضرائب جديدة وسعيه للتصالح مع رموز نظام مبارك وتخلى عنه السلفيون والقوى الثورية والجيش فسقط سريعا ..
فأي مصير يريده السيسي او ينتظره ؟ .. والإجابة ستحددها الطريقة التي سيحكم بها .. هل سيبدأ بالطريقة الطبيعية التي بدأ بها رؤساء مصر السابقين وضمنت لهم البقاء في الحكم لسنوات وهي التقرب من الشعب والعمل على حل مشاكله ؟ ام سيبدأ السيسي حكمه بما انتهى به عهد الرؤساء السابقين وأدى لسقوطهم في النهاية ، من خلال اعتمادهم على الحكم البوليسي والتقرب من رجال الاعمال والأغنياء والابتعاد عن البسطاء والمهمشين وعدم النظر في مشاكلهم ومن خلال سياسة الاضطهاد وملاحقة المعارضين وإغلاق الصحف و سجن اصحاب الرأي و السياسيين ؟ الأيام وحدها وطريقة السيسي في الحكم ستجيب على تلك التساؤلات المشروعة وتحدد مصيره في السلطة .. ونسأل الله ان يحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء ..