عندما نتدبَّر حال باكستان للحظة، نجدها تشبه مصر إبان عهد مبارك, فكلا البلدين لديه جيش قوي وحكومة مدنيَّة ضعيفة, وكلاهما يمثلان حليفًا لأمريكا بشكلٍ واضح في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة, إلا أن البلدين يضجران من الضغوط الأمريكيَّة, بالإضافة إلى أن شعبيهما لا يتوقفان عن الحديث عما يلحق بالدولة من الخزي والذل في ظلّ الهيمنة الأمريكيَّة. وقد أدَّى هذا القدر من الضغط الشعبي المتواصل في مصر إلى اندلاع ثورة كان شعارها الأعلى تحقيق "الكرامة", لذا فمن المرجَّح أن يمتد هذا الاضطراب ذاته إلى باكستان، ونظرًا لقوة التوجه الإسلامي المتشدِّد في باكستان, فإن هذا سيكون له عواقب وخيمة, وفي الوقت ذاته ستصبح العلاقة بين إسلام أباد وواشنطن أكثر تأزمًا خلال أسبوع. ولكن ما الذي يكمن وراء اختلال هذه العلاقة؟ وما هو الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى إصلاحها؟ وهل هناك طريقة لحثّ وتشجيع الباكستانيين للمطالبة بالمزيد من الحرية والاستقلال دون تمزيق العلاقات مع الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة؟ في بعض الأحيان تبدو الشئون الدوليَّة وكأنها ساحة معارك أكثر من ميدان دبلوماسي, وذلك لأن الدول تشعر, عند الإساءة إلى العلاقات الدوليَّة, "بعدم الاحترام", بل إنهم في بعض الأحيان يضعون الشرف أو المجد الوطني قبل المصالح البراجماتيَّة, فبعدما كانوا يتحدثون إلى بعضهم البعض في الماضي, كما كان حال مبارك وسلسلة من رؤساء الولاياتالمتحدة لسنوات عديدة, تنفجر بينهم العلاقات، ثم يتساءل الشعب لماذا حدث؟ ماذا حدث؟ وفي ذات السياق, تسير العلاقة بين الولاياتالمتحدةوباكستان, حيث حدثت أربع لقطات مؤخرًا تدلِّل على سوء الفهم بين الطرفين, حيث يشكِّك كل طرف في الآخر بسوء النية، وتلكم هي اللقطات الأربعة: اللقطة الأولى: قبل شهر, ذهب الجنرال أحمد شجاع باشا, رئيس أجهزة الاستخبارات الباكستانيَّة, إلى واشنطن لمقابلة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيَّة, ليون بانيتا, لرأب الصدع في النزاع الذي اندلع بشأن اعتقال ريموند ديفيس, المقاول مع وكالة المخابرات المركزيَّة إلى جانب الحديث عن توقف الهجمات الأمريكيَّة بدون طيار, وبرغم أن الاجتماع قد انتهى كما يبدو على ما يرام, فإن الجنرال شجاع باشا خسر ثقة أهل بلده قبل عودته من واشنطن, حيث أن الولايات شنت هجومًا ضاريًا بدون طيار في منطقة شمال وزيرستان في اليوم الذي غادر فيه. اللقطة الثانية: قبل أسبوعين, سافر الأدميرال مايك مولين, رئيس هيئة الأركان المشتركة, إلى باكستان في محاولة منه لإصلاح ذات البين, وفي طريقه توقف في أفغانستان, وحصل على إحاطة ومعلومات مثيرة حول اتصالات الاستخبارات الباكستانيَّة مع شبكة حقاني, المرتبطة بحركة طالبان التي تعتبر الخصم الرئيسي لأمريكا في شرق أفغانستان, وخلال مؤتمرين صحفيين, حمّل مولين الباكستانيين المسئوليَّة الكبرى, مما أثار انزعاج الباكستانيين بسبب توبيخهم على الملأ. اللقطة الثالثة: في العام الماضي, التقى الجنرال أشفق كياني, قائد الجيش الباكستاني, مع ريتشارد هولبروك, الموفد الأمريكي الخاص السابق لأفغانستانوباكستان, حيث كان كياني يحمل نسخة من كتاب "حروب أوباما" للكاتب الأمريكي بوب وودوارد, والذي يتضمن بعض الانتقادات الواضحة لباكستان بواسطة كبار المسئولين الأمريكيين, لذلك سأل كياني "هل يمكن, سيدي السفير, أن تقول لي كيف حدث هذا؟". اللقطة الرابعة: هجمات الطائرات بدون طيار المتوالية بعد ذلك: حيث زادت الإدارة الأمريكيَّة في العام الماضي من هجماتها المفترسة على شمال وزيرستان, والذي أكَّد مسئول عسكري باكستاني قائلا: إن هذه الهجمات الأمريكيَّة بالطائرات بدون طيار بلغ عددها خلال العام الماضي حوالي 118, إلا أن تنظيم القاعدة لم تتكبدْ خسارة مطلقًا إلا في هجوم واحد فحسب, بينما اشتعل غضب الشعب الباكستاني ضدّ ما اعتبروه انتهاكًا للسيادة الباكستانيَّة. إن أحد سبل تعزيز السيادة الباكستانيَّة, والتي تعتبر نموذجًا مصغرًا للثورة, هو قدرة باكستان على أن تلعب دورًا أقوى وأهم في إنهاء تمرُّد طالبان والذي تقوده واشنطن بتعاون بسيط مع إسلام أباد, حيث أوجز لي مسئول في المخابرات الباكستانيَّة ما هو "إطار المفاوضات", أن باكستان ستطلب من جماعات طالبان التي تتصل بهم, ومنهم بطبيعة الحال شبكة حقاني, بالتوصل إلى اتفاق من خلال رفض تنظيم القاعدة ووقف القتال وقبول الدستور الأفغاني, أما فيما يتعلَّق بمجموعات طالبان التي سترفض إطار السلام هذا, فيقول مسئول في المخابرات الباكستانيَّة, سيكون "العلاج العسكري" هو الحلّ. في نهاية المطاف, ربما تكون باكستان في حاجة إلى ثورة شعبيَّة, كثورة مصر, والتي طالب فيها الشعب بالقيام بدور أكبر في تحديد مستقبلهم, إلا أنه لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كان الباكستانيون سينالون حريتهم, سواء بطلاق وانفصال الدولة الباكستانيَّة تمامًا عن التبعية الأمريكيَّة أو قد يتحقَّق ذلك دون إلحاق الضرَر بهذه العلاقة عن طريق أن تتحدث الولاياتالمتحدة على الأقلّ عن الرغبة الوطنيَّة الباكستانيَّة لنيْل الكرامة والاستقلال وكيفيَّة تحقيقها ترجمة : الاسلام اليوم