عندما تصاعد موجة الإعتراض الدولي والشعبي العالمي على غزو العراق إبان عام 2003 تعاملت إدارة جورج بوش بالتجاهل التام مع مشاعر المعارضة العارمة ضد هذه الحرب بسياسة دعه يمضى دعه يمر, وكذلك فعلت الإدارة الأمريكية عند التعامل مع المذابح الصهيونية ضد العزل الفلسطينين وضد إنتهاكات أبو غريب البشعة فصمتوا دهرا ثم نطقت كفرا حيتهم الرقطاء كونداليزا رايس فقالت ببرود أعصاب أي نمر انتهى للتو من التهام فريسته "إن هذا مخاض لبناء شرق أوسط جديد"! هكذا لخصت كل هذه الدماء وألوف القتلى وألوف الجرحى وألوف الأيتام والأرامل ومئات البيوت التي دمرت وصار أصحابها في العراء أنها مجرد "مخاض" لولادة شرق أوسط يؤمن بالقيم الأمريكية ويرى النموذج الغربي الأمريكي هو الحل الأمثل لحياتنا والقصد هو إزالة الرؤوس المناوئة للسياسات الأمريكية أو "غير المتعاونة" مع اللأهداف الإستراتيجية الأمريكية وعملا بمبدأ "اضرب المربوط يخاف السايب" فقد نجح الإنذار الذي أرسله البلطحي الأمريكي فتوة العالم الجديد بعد أن إنتهى من ضرب ضحيتيه علنا أمام حارة النظام العالمي الجديد ويقف وراءة صبييه الإسرائيلي والبريطاني وهم يضحكون متشفين ثم يلتفت لبقية سكان حارة النظام العالمي الجديد ولسان حاله الويل لم يخالف ديموقراطيتي ,الويل لمن تحدى الإرادة الأمريكية السامية ليدرك حكام المنطقة كلهم أن السبيل الوحيد للبقاء في مناصبهم إلى يوم يلقون ربهم هو رضى فتوة الحارة اللأمريكية فسارع كل منهم إلى إسترضاء البلطجي وقبضاياته الإسرائيلي خصوصا والغربي عموما فذهب القذافي ليعرض التصالح في قضية لوكريبي ويدفع تعويضات خرافية لأهالي ضحايا الحادث المشكوك في صلة ليبيا به ثم يعلن فتح ليبيا للتفتيش النووي ويتبعه طاغية مصر بمعاونة إسرائيل على الحصار الظالم لأهل غزة وليستأسد وزير خارجيته الجسور أبو الغيط على جوعى غزة ويعلن أن من يتعدى الحدود المصرية فسيكسر ساقه وهو الذي لم يحرك ساكنا والقصف الإسرائيلي يصل لرفح المصرية ولم نر بطولته إلا على إخوانه من أهل غزة ونسى هو وزبانيته أن الحرة تجوع ولا تأكل بثديها ولكن ماذا على من احترف الدعارة السياسية من حرج وعلام يلام من اعتاد على الأكل بثدي مصر ؟ وبجانب هذين توالت تنازلات حكام المنطقة العربية وقرابينهم للبلطجي الأمريكي فمن قمع للتيار الإسلامي بكافة صوره وأطيافه ومن تغريب المجتمعات الإسلامية كحال تونس التي أقيم فيها مسبح مختلط في ساحة جامعة الزيتونة درة مساجد المغرب العربي والذي لا نظير له في إفريقيا إلا الأزهر ومن تحريم لبس الحجاب ومعاقبة من تلبسه ومعاقبة المواظبين على الصلاة وغير ذلك كثيرا. وتناسى هؤلاء جميعا خطورا تصاعد الغضب الشعبي الداخلي عليهم وعاقبة ظلمهم فهم لم يستمعوا يوما لأنين شعوبهم وهم الذين اعتادوا على السخرية من ألام شعوبهم سواء كانت نعوشا طائرة عائدة من العراق أو عبارة غارقة أو قطار محروق أو قصر ثقافة مشتعل أو دويقة جديدة ويصرف تعويض لأهل الضحية فيها ما يساوي قيمة غسالة جيدة – وهي نفس الجملة التي قالها أحمد الجار الله الكاتب الكويتي من قبل وأثار عليه عاصفة من الغضب وكأنها ليست الحقيقة – ولم نر عقابا حقيقيا لمقصر أو لمجرم. نسي حسني مبارك وزبانيته أن مصر التي قزموها وأهانوها وصار شعبها ينظر بحسرة لمواقف أردوغان وهو يهين بيريز على الملأ دمعا لفلسطين وينسحب من منتدى دافوس الإقتصادي احتجاجا على العدوان الغاشم على غزة في الوقت الذي يحاصر حسني فيه أهل غزة الباسلة ونسي أنه ليس محافظا لولاية تكساس إنما رئيس لدولة عظيمة لطالما دافعت عن كل البلاد الإسلامية والعربية طوال تاريخها وحتى مع سيطرة العلمانيين على مصر في القرن الماضي لم تبع مصر القضية الفلسطينية في عهد الملك فاروق ولا سلفه عبد الناصر حتى جاء عهد السادات ومعاهدة الإستسلام المذلة نسي هؤلاء أن مصر التي طالما هتف العرب والمسلمون بإسمها في كل نازلة التي قهرت الصليبيين وكسرت شوكة المغول وأسرت لويس التاسع وأودعته دار ابن لقمان بالمنصورة لما تجرئ ووضع قدمه على التراب المصري, نسوا أن مصر هذه هي التي كسرت شوكة الجيش الذي لا يقهر ودعمت حركات التحرر في كل البلاد الإفريقية والعربية قزموها حتى صار المصريون يخشون اليوم الذي يتحدث فيه أبو الغيط أو المتحدث بإسم الخارجية المصرية حتى صار الشعور بالخجل من تصريحاتهم المزرية التي يستحي أن يصرح بها إبليس نفسه ثم انتقلنا من خانة التصريحات المثيرة للشفقة إلى خانة تصريحات العار التي لوثت شرف مصر وسط كل هذه الأجواء كانت المنطقة العربية تغلي غضبا وغيرة وكان البنزين ينسكب في كل مكان في كل شبر من الأراضي العربية بإنتظار شرارة صغيرة لتشتعل المنطقة نارا وجاءت هذه الشرارة لتتطاير من يد شرطية تصفع مواطنا تونسيا بسيطا إسمه محمد البو عزيزي الذي لم يتحمل ذل البطالة وألم الفقر والفاقة إلى جانب الذل والإهانة لينتحر البوعزيزي وكانت شعلة اللهب التي أحرقته وانطلقت ألسنتها لتشتعل المنطقة كلها نارا ولم يصدق التونسيون أنفسهم وهم يسمعون رئيسهم على بئس العابدين وهو يعتذر لهم ويقول أنه فهمهم ولات حين مناص حتى سقط الصنم التونسي غير مئسوف عليه ولم يصدق الشباب العربي أن هذا يحدث حقيقة وتصاعد أمل خفي في نفوس الشعوب كلها لتنطلق ملحمة مشرفة صاغها شباب مصر الذي أثبت أن الرجولة معادن وأن أحفاد عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز التي تجري في عروقهم الدم العربي الأبي اذي يأبى الظلم فخرج يبغي إسقاط الطاغية والموت دونه ثورة مذهلة رائعة تضافرت فيها كل معاني البطولة. ليسقط الصنم المصري وتنتقل الشرارة لليبيا واليمن والأردن وسوريا ويتراجع البلطجي الأمريكي أمام ثورات الشباب العربي ويتراجع مفزوعا هذا الذي يحدث لا يمكن تصوره, إن البلطجي الأمريكي الذي كان يعمل في ظل خدمة القبضايات العرب وبطشهم الأمني وهراواتهم الغليظة وظباط أمن نظامهم المجرمين لا يمكن أن يتصور أن كل مجهوده خلال الأربعين عقدا الماضية ذهب هباءا منثورا وأن البيوت التي طالما داخلها الحزن وكللها العار والذل قد استشرفت لزمان جديد وعز جديد لتختار فيه حكامها بأنفسها بلا سماح لتزوير إرادتها ولن تسلم نفسها ثانية للعلمانيين التغريبين ولن تسلم نفسها ثانية لمن يسبحون بحمد البلطجي الأمريكي ويقبلون رجله ليلا ونهارا وسرا وجهارا, لن تقبل بمن يرى أن الحياة الأمريكية هي الحياة المثلي وأن غيره من البشر يعيشون كالأنعام أو أهم أضل سبيلا, لن يقبل الشعب المظلوم مرة أخرى أن يسلم أذنه لمن يسبحون بحمد الديموقراطية الأمريكية والليبرالية اللواطية والسحاقية , ليبرالية الزنا المتفشي والتجارة بأعراض النساء لن تقبل الشعوب العربية مرة أخرى ديموقراطية على الدبابات الأمريكية ولن يقبلوا بحرية من يمنعون النقاب في بلادهم ويسمحون بسب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أنها حرية شخصية لن تقبل الشعوب مرة أخرى الوصاية من سيدة النظام العالمي الجديد التي تلوثت يداها بدم المسلمين في العراق والبوسنة وفلسطين وليبيا وأفغانستان لن تقبل الشعوب مرة أخرى الإنحناء للبلطجي الغربي الذي أذاق المسلمين سوء العذاب في البوسنة وسربنتيشا وكوسوفا اليوم تنتصر الجماهير التونسية والمصرية والليبية واليمينة التي خرجت أيام الجمعة ومن ساحات المساجد إلى ساحات الغضب, التي إنتصرت لهويتها ولإسلامها ولعروبتها الذي صلوا جماعات وأفرادا في الميادين والشوارع الذي قدموا المشايخ والمجاهدين الحقيقين ليقودوهم نحو الحرية هؤلاء الشباب الذين عرفوا عدوهم الحقيقي وبطلهم الحقيقي, هؤلاء الذي فرحوا بذل صاحب "أول طلعة جوية" هم أنفسهم من مشوا في جنازة البطل الفريق سعد الدين الشاذلي أحد أهم أبطال مصر في تاريخها المعاصر الذي لاقى التنكيل من حكومة الطاغية الأسبق كحال كل شرفاء مصر , هؤلاء الشباب مشوا يبكون الفريق سعد الدين الشاذلي ويشيعون جنازته ويضعون صوره على الفيسبوك وشعارهم لقد عرفنا الأن الشريف من الوضيع, رسالة رمزية وصلت يوم دفن الفريق سعد الدين الشاذلي هو نفسه يوم تنحي الطاغية, إن ثمن الحرية كان غاليا ولكن كما يقول الشاعر جزا الله الشدائد عني كل خير عرفت بها عدوي من صديقي إن كل المحاولات الأمريكية لإحتواء و"أمركة" الثورات الشعبية في البلاد العربية ومحاولة إظهار التعاطف الأمريكي مع الشعوب حين تشعر أن المسئلة وصلت لخط اللارجعة يثبت في الأذهان الإنطباع الأولي عن إنتهازية البلطجي الأمريكي فالبلطجي الذي باع شاه إيران الأسبق جنديه الأسبق في المنطقة مع ثقته أن الثورة الإيرانية على وشك النجاح وتسميته "الخازوق" في كل الرسائل المتبادلة فيما بعد نجاح الثورة الإيرانية وهو نفس النظام الذي طالما أيد زين العابدين بن علي وحسني مبارك واعتبرهما حلفاء إستراتيجيين ثم يتنكر لهما حين يشعر أنهما قد احترقا وأنه لا فائدة ترجى منها كل هذه المحاولات وأخرها زيارة هيلاري كلينتون لميدان التحرير ومحاولتها مقابلة الشباب قد أوصل رسالة شديدة الخطورة للولايات المتحدة أن المرحلة التي تمر بها دول الشرق الأوسط مرحلة مخاض ستسفر فعليا عن ولادة شرق أوسط جديد ولكن أغلب الظن أنه لن يكون الذي حلم به بوش ورامسفيلد وديك تشيني وكونداليزا رايس ونتنياهو