ذلك السحر الذي يهبط علي الموعودين فيجعلهم يحلقون في سماء باهرة الألوان بأجنحة شفافة تتجاوز الأرض لتنثر عبير الحياة وتزهو بين الزهور بجمالها وتفتن الطيور بزقزقتها وغنائها ثم تسبح وسط عرائس البحر ونجمات الليل المضيئة ، لعلك جربته ومن المؤكد أنك سمعت عنه إنه الحب الذي تغني به الشعراء وكتب عنه الأدباء وملأت أخباره وأحلامه آفاق الدنيا . الحب ذلك الحلم الذي تنتظره الفتاة في سكون ويبحث عنه الشاب في عيون الصبايا هل نحتاجه فعلا ؟ وبمعني آخر وماذا لو لم نقابله ؟ إنها شكوي بعض الشباب من الجنسين لتبرير تأخر الزواج ( لم أقابله بعد ) كيف؟ ( فرص التعارف التي أتيحت لي شعرت خلالها بمشاعر محايدة وعادية تجاه الطرف الآخر ولم أشعر بشئ مميز أو مختلف ) وما العمل لو لم يقابلنا سحر الحب أو نقابله ؟ هل نؤجل الزواج إلي ما لا نهاية ؟ أم نتزوج بلا حب لكي لا تتسرب سنوات العمر ؟ وهل ينتظرنا قطار السعادة طويلا ؟ أم أنه سينطلق ليتركنا لرياح الصقيع علي أرصفة الانتظار ؟ ألا تمتلئ البيوت تعاسة نتيجة الاستعجال ؟ هل نرضي بالمتاح ؟ أم إما كل شئ أو لا شئ ؟ أسئلة مشروعة ترددت كثيرا علي الألسنة الشابة المتلهفة العطشي للسحر الحلال والحب المشروع الذي يبني بيتا سعيدا ويحصن نفوسا طيبة تجد سكنها وراحتها مع وليفها ونديم روحها ، ولكن ألا نتأمل قليلا في حقيقة ما نبحث عنه ؟ حتي لا نصبح مثل من يعيش علي وهم العثور علي الكنز المفقود وفي النهاية قد لا يجده أبدا أو يجد أن قيمته لا تساوي لحظات العمر الثمينة التي أضاعها البحث عنه . إن من خلقنا وسوانا وهو عليم بخلجات نفوسنا ونبض قلوبنا وصف ما بين الزوجين بمشاعر المودة والرحمة ولم يقل أنها الحب ، المودة والرحمة مشاعر لطيفة منسابة تصلح أن تكون تيارا للحياة تعيش الأسرة والأبناء في ظله طوال العمر ، وهي مشاعر تتولد برفق بين عروسين متفاهمين يمنح كل منهما الآخر تدريجيا أعمق مشاعره و أصفاها ، أما الحب الصارخ فقد يحدث في بداية التعارف والزواج كشرارة ملتهبة سرعان ما تطفأها العادة والألفة وتحولها إلي مودة ورحمة ، وقد لا يحدث مبكرا وتسبقه المودة والرحمة ثم تسطع نجومه تدريجيا . الحب الصارخ درجة متطرفة للحب والدرجة المبالغ فيها من أي شعور تقترب كثيرا من المضاد له وهو هنا الكراهية ، والدليل علي ذلك ما فعلته امرأة العزيز مع سيدنا يوسف عليه السلام فقد ( شغفها حبا ) بنص القرآن ولم يستجب لها فكادت له ولفقت له اتهاما ألقي به في السجن ! يا لقسوة الحب الصارخ وما أشد اقترابه من الكراهية ، إذ ماذا كان سيفعل العدو الكاره أكثر من ذلك ؟ الحب الصارخ أنانية وحب تملك واتساع لشعور واحد علي حساب غيره وطغيان للعاطفة العمياء علي العقل والدين والأدب أيضا ، يتفق العلم الحديث مع هذه النتيجة تماما فهو يقول أن نوعا من الهرمونات الصاخبة تنطلق في الجسد أحيانا لدي وقوع المرء في الحب ولكنها سرعان ما تخمد بعد وقت قصير تاركة وراءها خواء أو نفورا ، أما العلاقات الزوجية الممتدة فهناك نوع آخر تماما من الهرمونات يكونه الجسم ببطء ولكن بانتظام ليتكيف الطرفان معا ويعيشا طويلا في ظل مشاعر المحبة الهادئة الصحية . ليس معني ذلك انتفاء الحب الزوجي من أي لمحة صارخة ، هناك ومضات تضئ سماءه كنجوم السماء الساطعة الجميلة تظهر عند الغيرة أو الغياب أو التهديد بالفقد أو لمجرد أن تظهر فحسب ، وهناك دائما شروق وغروب ومد وجزر وأمواج عاتية تضرب الشاطئ محاولة التحرر من أسره فيردها برفق مكانها وكل ذلك يعطي للحياة معانيها ومذاقها المتعدد . الحب الزوجي الذي يبنيه طرفان مخلصان هو طوق ياسمين في عنق المحبوب يمتعه شذاه ويزينه ولا يثقله بعبء أو قيد ، أما الحب الصارخ فهو قيد من حديد يكبل من يقبله ويعيق حركته فيضيق به ويبحث عن خلاصه منه بأية طريقة ، أما لماذا تغني به الشعراء وبالغ في وصفه الأدباء فلمجرد أنه مثير ومبالغ فيه مثل كل ما يهتم الناس بمتابعته ، وماذا قالوا عنه ؟ قالوا أنه نار ونحن لا نحتاج من النار إلا شرارة واحدة نوقد بها مدفأتنا لتهبنا وهجا هادئا وليس أكثر من ذلك . عند الاختيار تكفيك شرارة الإعجاب واترك لها بعد الزواج الوقت اللازم لتوهجها وحافظ عليها من تيارات الهواء المعاكسة واطعمها دائما وقود الاهتمام والرعاية ولا تبحث بعيدا عن كنزك المفقود فسوف تجده يوما في حديقة بيتك . [email protected]