تحت هذا العنوان منذ قرابة قرن من الزمان كتب المفكر المسلم الشيخ عبد العزيز جاويش مقالا علي صفحات جريدة اللواء لسان الحزب الوطني حاول فيه الرد علي سلسلة هجمات حاولت النيل من التيار الإسلامي شارك فيها دعاة التغريب وأذيال الاحتلال والساعين للسلطان الذين لم يخل منهم أي عصر. ولم يتغير الأمر كثيرا رغم مرور هذا الزمن حتى أصبح الهجوم علي التيار الإسلامي موضة يلتقي حولها دعاة التغريب من أدعياء الليبرالية وبقايا اليسار. ويدرك الكثيرون أن شعب مصر بفطرته متعلق بقيم الإسلام وتعاليمه، فالصلاة المليونية في ميدان التحرير التي قاوموا بها وأثناءها خراطيم مياه الاستبداد في برد الشتاء القارس كانت ردا واضحا لم يعيه البعض . واصطفافهم خلف إمامهم القرضاوي يوم جمعة النصر العظيم وحراستهم أثناء الصلاة من أتباع السيد المسيح كانت دليلا آخر علي تسيد منهج الله علي ما سواه . وواضح أن هذا البعض من أعداء التيار الإسلامي لا يريد أن يعي التاريخ ويفهمه جيدا، فالتيار الإسلامي هو الذي قاد ثورة الشعب بزعامة عمر مكرم ضد أسوأ الأعداء وهم الفرنسيون في مطلع القرن التاسع عشر . والتيار الإسلامي هو الذي التف حول عرابي الفلاح ابن الفلاح المؤمن حافظ القرآن ليقف أمام غزو الإنجليز . والتيار الإسلامي هو الذي التف حول مصطفي كامل لمجرد أنه نادي بالحفاظ علي وحدة الأمة ضد صنائع الإنجليز مثل مصطفي فهمي صهر سعد زغلول وسعد زغلول وأخيه وبطرس غالي وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد . والتيار الإسلامي هو الذي جعل اللينبي القائد الإنجليزي لا يثق في طمأنة دعاة التغريب له بمساندة المصريين ضد حملة جمال باشا علي القناة سنة 1915 وقال مقولته المشهورة إن أي مصري سيسارع إلي الانضمام إلي أول عمامة تركية ضد أي قبعة غربية . والتيار الإسلامي هو الذي خرج من الأزهر ليقود ثورة شعب مصر 1919 ومعه الزعيم الوطني مكرم عبيد الذي قال قولته التاريخية " أنا مسيحي دينا ومسلم وطنا ولابد أن أدافع عن دين هذا الوطن وهو الإسلام " . والتيار الإسلامي هو الذي شكل الحاضنة الأولي لدفع العسكريين لطريق المقاومة وقارب بين المجموعة التي أطلقت علي نفسها الضباط الأحرار . والتيار الإسلامي هو الذي قاد وحده في الغالب المقاومة المسلحة ضد مؤامرة الغدر الغربية الصهيونية في حرب فلسطين، وكان أقوي شكيمة من العسكرية النظامية باعتراف قادتها . والتيار الإسلامي هو الذي قاد وحده حرب الفدائيين في القناة، ومعه عناصر العسكر التي شاركت تحت لوائه فأثار قلق المحتل الإنجليزي . والتيار الإسلامي هو الذي شكل ظهيرا شعبيا لحركة العسكر 1952 وردوا له الجميل بانقلابهم عليه حتى لا يجدوا رادعا لجموحهم وتسلطهم الذي أغرق البلاد ، وواصلوا شهية الاستئثار بالسلطة فشنقوا أقطابه من زعماء الفدائيين ورجال القانون ، ثم أخرجوا مسرحية المنشية لتكون حجة لسجن وتعذيب أتباعه . والتيار الإسلامي هو الذي شارك في صنع انتصار أكتوبر بعد أن فطن السادات وغيّر العقيدة القتالية إلي الله أكبر بعد أن كانت وجهتهم المهزومة متجهة إلي أنجلز ولينين وتروتسكي، وبعد أن كان اختيار رمضان والخطة بدر والاعتماد علي الله هو دافعهم الأول . وإذا كان بعض المغرضين والمشوهين للتاريخ لا يرون تاريخ التيار الإسلامي إلا من زوايا بعض المتطرفين والإرهابيين من أتباع هذا التيار فإن هؤلاء النافرين قد شكلوا رد فعل لجبروت الاستبداد والقهر من قبل أعداء منهج الله ، ومع ذلك فهم لا يمثلون في مجموعهم طبيعة التيار الإسلامي المسالم لا المساوم . فمن من التيارات يستطيع تحمل أساليب القمع الوحشية التي زاولها نظام عبد الناصر، أو التشريد والسطو والإبادة لنظام مبارك. ومع هذا خرج التيار الإسلامي أشد عودا وأقوي شكيمة لأنه يستند إلي ضمير ووعي شعب مصر ويتعلق بأهداب منهج الله . والغريب في الأمر أن المهاجمين للتيار الإسلامي من أرباع المثقفين والكارهين حين تناقشهم يسارعون بالقول بأن أتباع التيار الإسلامي يريدون الوصول إلي السلطة السياسية وأقول لهؤلاء هل السلطة السياسية في بلادنا قاصرة علي المهاجمين لمنهج الله والتابعين لمنهج ميكيافيللي الذي أوضحه في كتابه الأمير بأن السياسة لا خلاق لها ؟ هل يحق للماركسي والليبرالي والعلماني والملحد أن يسعي إلي السلطة ويحرم منها دعاة القيم والأخلاق ؟ أم أن الأمر هو سعي لتنفيذ اتجاه الغرب وإسرائيل الذين يخشون أتباع هذا التيار وأن هؤلاء يسعون لتقديم القرابين لسادة هذا الزمان دون أن يسعوا لتقديمها إلي سيد كل زمان ومكان وهو الله ؟ هل السلطة السياسية حكر علي شريحة دون أخري ؟ هل لم يتعلم هؤلاء حين تسيد المسلمون الأرض فقال إمامهم ابن الخطاب لو أن ناقة جرباء في صحراء العراق شكت لحوسب عليها عمر فينكروا علي أتباعه السلطة ويتركوها لمن يغامر بمستقبل الأمة أو يسرق أموال الشعوب ويذهب بها لأبعد مكان في الكرة الأرضية تاركا أصحابها يشكون العوز والحرمان إلي حد الموت. ولماذا وإلي متي سيظل أتباع التيار الإسلامي المؤيد من غالبية جموع المصريين سيقف موقف المدافع عن نفسه ضد هجمات أرباع المثقفين من المتسلقين والمنافقين وحملة المباخر والعملاء للغرب وإسرائيل ؟ ولماذا يصر هؤلاء علي محاصرة أتباع التيار الإسلامي وتأكيد عدم ترشح أي منهم للرئاسة وللمجالس النيابية فهل من الضروري إخلاء الساحة للمتغربين والعملاء وأتباع الجمعية الماسونية والمعتمدين علي الظهير الأمريكي المعادي لبلادنا ، أو حتى للوطنيين المخلصين شرط عدم تبعيته لهذا التيار؟ وهل يتبع هؤلاء مقولة مفكر صهيوني في قوله أن الإسلام في بدايته تسيد الأرض في خمسين عاما ، وأن كل الجهود قد نجحت عبر زمن طويل ووسائل كثيرة في محاصرته داخل قمقم وعليكم أن تراقبوه حتى لا يخرج من القمقم ويعود لتسيد الأرض . وليس من غرائب الأمور أن نقرأ اليوم عن أحد الرافضين للتيار الإسلامي وهو الدكتور جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي رفضه تأسيس أي جمعية تحمل إسما إسلاميا، فهل لا يدري أنه وزير لكل المصريين وليس مندوبا لحزب التجمع اليساري جاءوا به ليقتص من التيار الإسلامي ؟ وهل لا بد أن تسمي الجمعيات باسم لينين وستالين حتى تجد سبيلها للاعتماد لديه ؟ وهل العدل الاجتماعي الذي يطبقه المنهج الإسلامي ليس أفضل من العدل الاجتماعي الذي يأتي نتيجة للصراع الطبقي ؟ وهذا نداء من مؤرخ مسلم يرصد التاريخ كما هو وكما تفهمه وتزاوله الشعوب بحيادية كاملة وليس كما ينبغي أن يكون وفق منظور دعاة الليبرالية أو اليساريين، ابد أن يدرك الجميع طبيعة شعب مصر المتشبثة بالدين منذ رع وآمون حتى صقلتهم تعاليم السماء بمنهج المسيح ومحمد صلوات الله عليهم فلا تحاولوا أن تبحروا بعيدا عن إرادة هذا الشعب وتوجهاته. ولن أقول أن المسألة في مسعاكم مهما كانت هي تحصيل حاصل لأن هذه الكلمة أغضبت مني في السبعينات مؤرخا مصريا من مؤرخي السلطة ظن أنني أعايره بعمله الأول وهو محصل في هيئة النقل العام ، بل علي كل المعادين أن يعوا الدرس ويفهموا أن الله عز وجل ناصر جنده " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " ولن يعود الإسلام في مصر بعد اليوم غريب في بلاده . * مؤرخ مصري