يتلاعب اللوبي المؤيد لإسرائيل في سياسات واشنطن في الشرق الأوسط لدرجة أن الولاياتالمتحدة هي التي تقوم بمعظم أدوار الحرب والموت وإعادة البناء بينما تجني إسرائيل معظم المكاسب الأمنية. هذا ما تؤكده دراسة جديدة قام بها اثنان من العلماء الأمريكيين. وتقول الدراسة المكونة من 83 صفحة، والتي صدرت بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الأمريكية الخارجية": "إن هذا الوضع لا مثيل له في التاريخ السياسي الأمريكي". ويتساءل مؤلفا الدراسة، جون ميرشيمر بجامعة شيكاغو، وستيفن والت بكلية جون كينيدي للحكومة بجامعة هارفارد: "لماذا ترغب الولاياتالمتحدة في أن تنحي جانبا أمنها وأمن الكثير من حلفائها من أجل تقديم مصالح دولة أخرى؟" والإجابة هي نفوذ اللوبي المساند لإسرائيل، وذلك بحسب الدراسة، التي أدت فعليا إلى إثارة الجدل بشأنها في الدوائر الأكاديمية، والغضب بين المنظمات المؤيدة لإسرائيل. ومن بين هذه المنظمات لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية، والمعهد اليهودي لشئون الأمن القومي (جنسا)، ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤخرا، المنظمات المسيحية الصهيونية. وقد نُشرت نسخة مختصرة من الدراسة في لندن ريفيو أوف بوكس في 10 مارس الجاري. ويقول المؤلفان إن بحثهما قوي لدرجة أنهما يشكان في إمكانية أن تجرؤ أي من الإصدارات الأمريكية السائدة على نشره. والدراسة مبنية على مصادر عدة من بينها علماء وصحفيون إسرائيليون، ومنظمات دولية معنية بحقوق الإنسان، وشهادة من اللوبي نفسه وتأييد من دبلوماسيين لهذه الشهادة. وتقوم الدراسة بتقصي كيفية قيام اللوبي المؤيد لإسرائيل بتطوير نفوذه في واشنطن، كما تقول إن إرهاب هذا اللوبي للصحافة ومؤسسات التفكير والوسط الأكاديمي قد قاد إلى تقديم صورة مضللة عن إسرائيل. وتشير الدراسة إلى أن الولاياتالمتحدة قامت منذ الحرب العالمية بتوجيه 140 بليون دولار دعما لإسرائيل. وتعترض الدراسة على الفكرة القائلة بأن إسرائيل تمثل "حليفا حيويا في الحرب على الإرهاب؛ لأن أعداءها هم أعداء أمريكا". ويقول مؤلفا الدراسة: "إن القول بأن إسرائيل والولاياتالمتحدة يوحدهما تهديد إرهابي مشترك يعكس العلاقة السببية، ولكن العكس هو الصحيح؛ فمشكلة الولاياتالمتحدة مع الإرهاب ترجع في جزء كبير منها إلى كونها متحالفة بقوة مع إسرائيل، وليس العكس". ويضيفان: "إن الأمر باختصار هو أن معاملة إسرائيل باعتبارها أهم حلفاء أمريكا في الحملة ضد الإرهاب والدكتاتوريات العديدة في الشرق الأوسط، يبالغ في قدرة إسرائيل على المساعدة في هذه القضايا، وفي نفس الوقت يتجاهل الأساليب التي تجعل بها سياسات إسرائيل مهمة الولاياتالمتحدة أكثر صعوبة". وقد قامت منظمات اللوبي المساند لإسرائيل، بحسب الدراسة، باستغلال الحساسيات لدى وسائل الإعلام الرئيسية والسياسيين الأمريكيين للناحية المالية والتبرعات من أجل إدارة حملات مساهمات للحفاظ على تعاطف هؤلاء مع إسرائيل، بغض النظر عما تفعله في المنطقة. فخلال مؤتمر الإيباك السنوي، والذي انعقد في وقت سابق من هذا الشهر، وهو الحدث الذي جذب كبار المسئولين الأمريكيين وقيادات الكونجرس، تعهد الزعيم الجديد للأغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي جون بونر بعدم السماح مطلقا بدخول أي تشريع مناهض لإسرائيل إلى المجلس. حيث قال بونر: "باعتباري الزعيم الجديد للأغلبية في الكونجرس فإنني أستطيع أن أؤكد لكم أنه لن يحدث في ظل قيادتي أن يتم بأية طريقة ممكنة مناقشة أي تشريع مناهض لإسرائيل في مجلس النواب". وتشير الدراسة أيضا إلى دعم واشنطن الثابت لإسرائيل في الأممالمتحدة؛ حيث تقول الدراسة إنه منذ عام 1992 استخدمت الولاياتالمتحدة حق النقض –الفيتو– ضد 32 قرارا لمجلس الأمن ينتقد إسرائيل، وهو عدد يفوق مجموع مرات استخدام الفيتو من جميع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن. كما أعاقت الولاياتالمتحدة جهود الدول العربية لوضع الترسانة النووية الإسرائيلية على أجندة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي الداخل عمل اللوبي المساند لإسرائيل بقوة من أجل قمع منتقديها، وهو ما يعتبر مؤلفا التقرير أنه ليس في صالح الديمقراطية، وخاصة بالنسبة لديمقراطية تدعي أنها تقوم بتعزيز الحرية في العالم العربي. ويضيفان: "إن إسكات المتشككين من خلال تنظيم قوائم سوداء وعمليات مقاطعة –أو من خلال الإشارة إلى أن المنتقدين معادون للسامية– ينتهك مبدأ الجدل المفتوح الذي تعتمد عليه الديمقراطية". وقد هوجمت الدراسة فور صدورها من قِبل عدد من المنظمات الداعمة لإسرائيل. وعلى سبيل المثال قالت لجنة الدقة في أخبار الشرق الأوسط في أمريكا (المعروفة اختصارا باسم كاميرا)، وهي منظمة مناصرة للصهيونية، في بيان لها إن الدراسة تضمنت العديد من الأخطاء، وأن "أي طالب تقدم بهذه الورقة سوف يرسب". كما نشرت صحف مثل نيويورك صن، المعروفة بموقفها الداعم لإسرائيل والتي تصدر في نيويورك حيث اكبر تجمع لليهود الامريكيين، ردودا مؤيدة للدراسة من عنصريين بارزين من البيض ومن الإخوان المسلمين في مصر كدليل على أن مؤلفي الدراسة يخدمان الميول المتشددة. كما قال إليوت إنجل، وهو عضو ديمقراطي بالكونجرس ويهودي من نيويورك، إن الورقة "تستحق بالفعل احتقار الشعب الأمريكي"، كما وصفها بأنها تمثل "نفس الهراء القديم المعادي للسامية والمعادي للصهيونية". من جانبه قال البروفيسور ميرشيمر في تصريح لآي بي إس: "لقد كنا مدركين تماما أن اللوبي سوف ينتقم منا. لقد توقعنا أن ما قدمناه في المقالة سوف ينطبق علينا بعد نشرها. ونحن لا نشعر بالدهشة من تعرضنا لهجوم اللوبي". وتشير الورقة إلى أن اللوبي المساند لإسرائيل كان مدعوما أيضا من مسيحيين إنجيليين بارزين، أو من يسميهم البعض متشددين، مثل جاري بوير، وجيري فالويل، ورالف ريد، وبات روبرتسون، إضافة إلى أعضاء الكونجرس ديك أرمي، وتوم ديلاي الزعيم السابق للأغلبية في مجلس النواب، حيث يعتقد جميع هؤلاء أن إحياء إسرائيل هو تحقيق لنبوءة توراتية ودعم لأجندتها التوسعية. أما المحافظون الجدد "الأمميون" مثل جون بولتون، وروبرت بارتلي المحرر السابق لصحيفة وول ستريت جورنال، وويليام بينيت وزير التعليم السابق، وجين كيركباتريك سفيرة الولاياتالمتحدة السابقة في الأممالمتحدة، وكاتب العمود المؤثر جورج ويل، هم أيضا مساندون ملتزمون للوبي المؤيد لإسرائيل. وتؤكد الدراسة أنه رغم إدارة اللوبي المساند لإسرائيل لعدد من النجاحات لصالح إسرائيل إلا أن التكلفة التي تقع على الولاياتالمتحدة في تزايد مستمر. وتقول الدراسة: "إن هذا الموقف مقلق بشدة لأن تأثير اللوبي يتسبب في مشكلات على جبهات عدة، ومن بينها الزيادة المحتملة في الخطر العسكري الذي تواجهه كل الدول، بما فيها حلفاء واشنطن الأوروبيين. ويقول المؤلفان إنه بسبب منع اللوبي للقادة الأمريكيين من الضغط على إسرائيل من أجل صنع السلام جعل اللوبي المؤيد لإسرائيل من المستحيل إنهاء الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، وهو ما يعطي للمتشددين وسيلة فعالة للتعبئة، كما يؤدي إلى توسيع اتفاق المتشددين المحتملين. كما يرى المؤلفان أن المحاولات الجديدة التي يبذلها اللوبي ل"تغيير أنظمة الحكم" في إيران وسوريا يمكن أن تقود الولاياتالمتحدة إلى مهاجمة هذه البلاد، وهو ما يحتمل حدوث نتائج كارثية. وتقول الدراسة في هذا الصدد: "إننا لا نريد عراقا أخرى؛ فعداء اللوبي لهذين البلدين [إيران وسوريا] يجعل من الصعب بمكان أمام واشنطن أن تدرجهما في المعركة ضد القاعدة والتمرد في العراق، في الوقت الذي توجد فيه حاجة ماسة لمساعدتهما". وقد أحصى المؤلفان عددا من التأثيرات السلبية الأخرى على كل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ومن بين هذه التأثيرات الطريقة التي تقوم من خلالها الولاياتالمتحدة في الوقت الحالي بمساندة سياسات إسرائيل التوسعية في الضفة الغربية، وهو ما يجعل واشنطن تبدو متورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان. وتقول الدراسة إن الدعم الأمريكي قد شجع المتشددين على رفض عدد من الفرص لعقد اتفاقيات سلام مع دول عربية مثل سوريا، ومع الفلسطينيين، ورفض تنفيذ اتفاقيات أوسلو. وقال ميرشيمر إنه قد تحرك، وزميله وولت، تجاه كتابة الدراسة بعد سنوات من دراسة السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وقال في تصريح لآي بي إس: "لقد كان واضحا لنا أن الكثير من الناس يفهمون المشكلة التي نصفها في التقرير، لكنهم خائفون من الحديث بشأنها... لأن اللوبي سوف ينتقم منهم". المصدر (آي بي إس)