تصادف مرور ثلاث سنوات على الغزو الأمريكي للعراق، مع صدور دراسة بالغة الأهمية عن كلية كندي للحكم في جامعة هارفادر، قامت بها مجموعة من الباحثين من جامعتي هارفارد وشيكاغو، ونُشرت مقتطفات منها على الموقع الإلكتروني لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، أكدت أن السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط يسيطر على توجيهها اللوبي الصهيوني النافذ في واشنطن، وأنها سياسات صيغت لخدمة إسرائيل، وأنها تضر بالمصالح القومية للولايات المتحدةالأمريكية!؟ لقد قيل هذا الكلام من قبل – ولكن بصيغ مخففة وبأساليب دبلوماسية - من قبل لجان دراسية شكلتها الحكومة الأمريكية نفسها، ومن قلة من كتاب توافرت لديهم الجرأة للجهر بالحق، ومن مؤلفين ذوي مكانة ونفوذ من أشهرهم مايكل شوير وهو من كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات الأمريكية لأكثر من عشرين عاما، ورئيس الوحدة المكلفة بمطاردة أسامه بن لادن في كتابه الأخير بعنوان ( الفوقية الأمريكية: لماذا يخسر الغرب الحرب ضد الإرهاب؟ ) والذي نشرت ترجمته العربية مؤخرا في بيروت، لكن أحداً لم يجرؤ من قبل على وضع النقاط على الحروف بمثل هذه القوة والوضوح. * * * لقد أكدت الدراسة أن سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط لا تخدم المصالح القومية الأمريكية، وإنما تحددها جماعات الضغط " اللوبي " الموالي لإسرائيل في البلاد، وأوضح الباحثون في الدراسة أنه لم يتمكن أي لوبي قط من تحويل مسار السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدا عما تقتضيه المصلحة القومية، كما هو الحال حاليا، في الوقت الذي يتم فيه إقناع الأمريكيين بأن مصالح إسرائيل والولاياتالمتحدة متطابقتان، وأشارت الدراسة الى الاتهامات التي تؤكد أن الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل دفعوا الولاياتالمتحدة لشن حرب على العراق، وأوردت في هذا الصدد أسماء كبار المسؤولين في إدارة بوش الذين دفعوا البلاد لغزو العراق، ويعرف عنهم تأييدهم لأسرائيل، ومن بينهم بول وولفوتيز، دوج فيت، دايفيد ورمسر. وأكد الباحثون أن تأثير اللوبي الموالي لإسرائيل يعد مصدر قلق بالغ، وأضافوا أن هذا التأثير تسبب كذلك في أضرار لإسرائيل بعرقلة توصلها الى حلول وسطى مع جيرانها بشأن الأزمات الناشبة بين الجانبين. وحسب الدراسة التي كتبها جون ميرشايمر من جامعة شيكاغو، وستيفت والت من جامعة هارفارد فإن اللوبي المناصر لإسرائيل في الولاياتالمتحدة تمكن من إقناع النواب والمسؤولين والرأي العام الأمريكي، بدعم إسرائيل حتى حينما يتعارض هذا الدعم مع مصالح أمريكا القومية. وقالت الدراسة التي جاءت في أكثر من 80 صفحة إن التوجه القوي للسياسة الأمريكية في المنطقة يعود كليا الى السياسات المحلية داخل الولاياتالمتحدة، وخصوصا أنشطة اللوبي الإسرائيلي، وبحسب الدراسة فإنه لم تتمكن أي مجموعة ضغط أخرى من التأثير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، مثلما هو الحال مع اللوبي الإسرائيلي، وحرفها باتجاه معاكس للمصالح القومية للولايات المتحدة، بينما تمكن من إقناع الأمريكيين بأن مصالح الولاياتالمتحدة واسرائيل هي متطابقة من حيث الجوهر. وتسعى الدراسة الأكاديمية التي يتمتع مؤلفاها بشهرة واسعة بين الأكاديميين في مجال العلوم السياسية، إلى إسقاط كل الحجج التي يستخدمها مناصرو إسرائيل في الولاياتالمتحدة. وتؤكد الدراسة أن دعم إسرائيل لا يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة القومية، والأكثر من ذلك فهي تزيد تعقيد موقف الولاياتالمتحدة وقدرتها على محاربة الإرهاب، وكتب المؤلفان أن أسرائيل هي عبء على واشنطن في الحرب على الإرهاب، وفي الجهود الواسعة المبذولة للتعامل مع ما تسميها واشنطن بالدول المارقة، وترجع الدراسة مشكلة الولاياتالمتحدة مع الإرهاب، في درجة ما، الى وقوفها القوي مع إسرائيل لا العكس، وتحاجج الدراسة الأكاديمية أيضا بأن الولاياتالمتحدة ما كانت لتقلق من إيران والعراق وسورية لولا أواصرها الوثيقة بإسرائيل. كذلك تقول الدراسة التي صدرت عن جامعة هارفارد، بإن إسرائيل ليست حليفا ذا قيمة بالنسبة للولايات المتحدة، وهي ليست حقا دولة ديموقراطية، وأنها تستخدم وسائل التعذيب التي تتعارض مع القيم الأمريكية. ويصل مؤلفا الدراسة الى استنتاج مفاده بأن اللوبي الإسرائيلي القوي في الولاياتالمتحدة يقف وراء السياسة الأمريكية المنحازة بالنسبة للقضايا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، وهما يشيران الى نشاطات إيباك في الكونجرس، وفي أجهزة الدولة التنفيذية، وتحدثا عما يزعم من التلاعب بالإعلام ومراقبة الأكاديميين، من أجل الحفاظ على الولاياتالمتحدة نصيرا ملتزما لإسرائيل، وقال المؤلفان إن إيباك استخدمت ما يعرف بالمعادة للسامية كسلاح لإسكات الآخرين ومنع أي نقد ضد إسرائيل. ( الشرق الأوسط 20/2/1427). * * * ستثير هذه الدراسة كما فعل غيرها من قبل عاصفة وجدلاً حاداً داخل الولاياتالمتحدة، لكنها لن تفلح في إضعاف القبضة الصهيونية الحديدية على السياسات الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي، ليس لقوة هذه القبضة فحسب، بل لعدم وجود قوة أمريكية أخرى مماثلة، تخوض معركة إنقاذ هذا البلد العظيم من سيطرة أقلية لا تتجاوز 3%، وتسخير مقدراته والإضرار بمصالحه العليا، من أجل شعب أجنبي عنصري، يعيش على الجريمة والغصب والإرهاب، ولفشل العرب والمسلمين لأكثر من نصف قرن، في منازلة هذه القبضة الصهيونية وإلحاق الهزيمة بها، وهو أمر – لو صحت العزيمة وتوحدت الكلمة – ليس بالعسير!؟ [email protected]