من المسلمات المعروفة في العاصمة الأمريكية نفوذ وفاعلية اللوبي اليهودي علي صناعة القرار الأمريكي وفي ضوء هذه الحقيقة كنت أعتبر أن تطوع البعض من خارج فئات النخب الأمريكية بالقول انهم يشعرون بقدر من ذنب ازاء سياسيات بلادهم في منطقة الشرق الأوسط خصوصا انحيازها لإسرائيل من قبيل المجاملات التي من الممكن أن تجعل الأجواء أكثر دفئا علي اعتبار أنني من هذا الأقليم المنكوب بالسياسات الأمريكية. ولكنه كان من المثير في ضوء هذه المسلمات أن يتكرر ذات المضمون في الحوارات الصباحية من الاذاعات المحلية وهي المكالمات التي يتلقاها أعضاء الكونجرس من دوائرهم الانتخابية علي هامش الأحداث التي تضمنت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الي واشنطن ثم امتناعه عن حضور مؤتمر الأمن النووي وبينهما ماقاله وزير الدفاع الأمريكي في الكونجرس من أن حل الصراع العربي الإسرائيلي من أولويات المصالح الأمريكية. ففي هذه الحوارات تستطيع ان تلمح حجما من الاستياء لابأس به حول تداعيات الانحياز الأمريكي لاسرائيل وانعكاسه علي حياة الأسر الأمريكية التي يموت بعض أبنائها في حرب علي الأرهاب تتسع ولا تضيق. الأسئلة المطروحة في هذا الجدل من نوع هل أضر اللوبي الإسرائيلي الأمركيين والي أي مدي يمكن ان يضر المصالح الاستراتجية الأمريكية.في هذا السياق جزء من الاعلام الأمريكي بات مقتنعا أن "هذا اللوبي جزء هام من قصة الحرب علي العراق". هذا النوع من الأسئلة دفع كاتبا منحازا لإسرائيل بوزن توماس فرديمان من تحذير اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل وحكومة نتنياهو من تعطيل الجهود الأمريكية لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي لأن هذا الموقف يمكن أن يتقاطع علي نحو حاد مع رغبة الجيش الأمريكي وجهاز المخابرات السي.آي.أي . وبطبيعة الحال هذا التقاطع كما يري فريدمان ليس من مصلحة هذا اللوبي. ومايهمنا نحن المكتوين بنار هذا اللوبي هو محاولة أكتشاف مدي عمق هذا الجدل وقابليته علي إنتاج تحولات إيجابية من نوع أوجد مستوي معقولا من التوازان في العلاقات الإسرائيلة الأمريكية يمكن ان يساهم في حل قضايانا علي نحو عادل وطبقا لحقوق الفلسطينيين المشروعة. ربما يكون من الجدير بالملاحظة أنه خلال العقد الأخير قد جري أمران الأول صدور عدد من الكتب في الولاياتالمتحدة تناقش وتقيم دور اللوبي الإسرائيلي والثاني نشوء مؤسسات يهودية تناهض اللجنه الأمريكية الأسرائيلية" أيباك" ذات الصبغة الصارخة في تأييد إسرائيل. في السياق الأول صدر كتاب ديفيد ديوك عام 2003 تحت عنوان عودة الوعي حيث حمل هذا الكاتب الامريكي بجهد علمي موثق اللوبي اليهودي مسئولية سياسات الهجرة الأمريكية منذ بداية القرن والتي وصل فيها الي استناج أن اليهود يسعون الي السيطرة علي الأمة الأمريكية عبر تفتيتها الي أعراق وذلك بمساندة تشريعات اعوام 1923، و1965 التي فتحت ابواب الهجرة الي الحد الذي يتوقع معه مكتب الاحصاء الأمريكي ان يصبح الأمريكيون البيض أقلية في الولاياتالمتحدة مع حلول منتصف القرن الحالي خصوصا وانها تخطط لاستقبال 50 مليون مهاجر حتي هذا التاريخ. وفي عام 2006 ثارت ضجة واسعة حول دراسة قامت بتقييم أدوار اللوبي الإسرائيلي علي السياسات الأمريكية لاتزال أصداؤها حاضرة في الجدل السياسي الأمريكي حتي الآن بسبب نشرها في لندن حيث اضطر كل من ستيفن والت الاستاذ بجامعة هارفارد و البروفيسور ميرشهايمر من جامعة شيكاغو الي اللجوء لنشردراستهما خارج الولاياتالمتحدة بعد أن رفضت مجلة أتلانتك التي كلفتهما بهذه الدراسة من نشرها، ثم تبرأت منها جامعة هارفارد التي ينتمي اليها الكاتب الأول. الكتاب الثالث في هذا السياق نشر خلال هذا الشهر تحت عنوان" اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة حدود القوة وآفاق التغيير" يسعي مؤلفه دان فلشر نحو ترشيد أداء اللوبي الإسرائيل في واشنطن في محاولة لتحجيم خسائر قد تكون متوقعة في الفترة المقبلة. يبدأ فليشلر كتابه بالتساؤل حول إمكانية قيام لوبي جديد يقوم علي التوفيق بين مصالح إسرائيل والمصالح الأمريكية وليس هذا فحسب بل ومراعاة الحقوق المشروعة للفلسطينيين بما يحقق تسوية دائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. بل ويدعو الكاتب إلي تشكيل لوبي أمريكي يضم اليهود وغير اليهود المعنيين بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بصورة عادلة. و يتساءل المؤلف في المقدمة التي نشرتها مجلة بوليسي ريفيو لماذا تسيطر إيباك اليمينية المحافظة علي تمثيل اليهود في الولاياتالمتحدة علي الرغم من تبني غالبية يهود الولاياتالمتحدة لتوجهات ليبرالية معتدلة؟. وكيف يمكن تمثيل مواقف اليهود الليبراليين في الولاياتالمتحدة بما يوازن نفوذ إيباك وتأثيرها علي السياسة الخارجية الأمريكية. ويتوصل المؤلف لاستنتاج مبدئي مفاده أن سياسة أمريكية أكثر اعتدالاً وتوازنًا تجاه عملية التسوية في منطقة الشرق الأوسط سوف تسهم في تعزيز المصالح الأمريكية علي عدة مستويات: أهمها تحسين علاقات الولاياتالمتحدة مع دول العالم الإسلامي. الشاهد أن واشنطن تحفل بنوع من الجدل مفيد للعرب وقضاياهم ولكنهم عنه غائبون وتبدو مؤسساتهم المدنية الضعيفة هنا أصلا شبه غائبة ومستسلمة لمقولات التأثير اليهودي علي صناعة القرار الأمريكي. قدر من الجهد العربي الإسلامي يمكن أن يزحزح الفيل اليهودي قليلا في الحجرة الأمريكية فقد يكون المناخ مواتيا للحظات ربما لن تتكرر كثيراً فهل نطمح أن تستحدث النظم الرسمية مؤسسات عربية يمكن ان تقوم بهذا الدور أو تدعم الموجودة أصلا أو تتفاعل مع مؤسسات مثل المصلحة العامة أو جي ستريت. فيبدو أن فعل مقاومة إسرائيل يبدأ من واشنطن.