نحتاج إلى التعامل بقدر كبير من الوعي والحكمة في الموقف من بعض أزمات تيار الثورة العربية الجارف هذه الأيام ، وأن لا تجرفنا الشعارات أو الأدبيات النمطية إلى مواقف غير إنسانية وغير أخلاقية تجعلنا وإن لم نقصد في صف واحد مع الديكتاتورية في أبشع صورها ، ومع دعم القتلة والمجرمين ، وفي اصطفاف مع قمع الشعوب وإرهابها واستباحتها على النحو الذي بدا في بعض الكتابات التي تتعلق بالشأن الليبي وثورة شعبه هذه الأيام على نظام القذافي وعصابة أبنائه الذين ساموا الشعب الليبي سوء العذاب وأذلوا أبناء ليبيا الأحرار وقتلوا الآلاف وشردوا عشرات الآلاف في ربوع الأرض الآن ، أكاديميين وخبراء ومهندسين وأطباء وعلماء على أعلى مستوى ، منتشرين في المنافي الكثيرة في الشرق والغرب ، ناهيك عن عشرات الآلاف الأخرى في سجونه ومعتقلاته المروعة التي كشف بعض من وحشيتها بعد تطهير الثوار مدينة بني غازي من العصابة والقتلة . لا يمكن لنا أخلاقيا وإنسانيا وإسلاميا معا أن نشاهد ونتابع طاغية مهووس ووحشي مثل القذافي يقتل شعبه ويبيد معارضيه ونقول أنه لا يصح التدخل الأجنبي بأي صورة من الصور ، مع اعترافنا بالعجز العربي عن التدخل ، لا يصح أن يكون لسان حالنا ومقالنا هو : شعبه وهو حر فيه ، يحرقه بجاز ، يولع فيه بالمازوت ، يسحق عظام أطفاله ونسائه بالدبابات ، هو حر ، ولا يحق لأحد أن يتدخل لإنقاذ هؤلاء ، هذا موقف غير مسؤول بالمرة بقدر ما هو غير أخلاقي ، وهو في المحصلة البديهية أعظم دعم يمكن أن يحصل عليه الطاغية ، الذي يحاول بكل ما يملك أن يوقف القصف الغربي لكتائبه من أجل أن يتمكن من سحق ثورة الشعب الليبي . أفهم أن نكون قلقين من نزول قوات احتلال في بلادنا ، وهو ما نرفضه قطعا ، كما أن العالم الغربي استوعب الدرس في أفغانستان وفي العراق ، فالشعوب لن تقبل أبدا بوجود قوات احتلال تحت أي ذريعة ، الشعوب وحدها هي التي تطهر بلادها وتفرض إرادتها ، ولكن عندما تكون في حالة طاغية سفاح مثل القذافي ، وأن يعرض عليك المجتمع الدولي أن تقوم طائراته بتدمير آلة القتل المروعة لهذا المجنون أو تحجيمها ، حتى يتوقف عن قصف شعبه وقتل المدنيين وإهلاك الحرث والنسل وتدمير مقومات الحياة في البلاد ، فلا يمكنك بأي وجه أن ترفض ، خاصة وأن هذا هو طلب الشعب الليبي واستغاثات قيادات المعارضة الوطنية ، كما أنها استغاثات ملايين العرب والمسلمين الذين شعروا بالعجز والهوان وهم يشاهدون وقائع القتل والاستباحة التي يمارسها القذافي يوميا دون أي قدرة على إنقاذ هذا الشعب الصابر ، وبعد أن عجزت الدول العربية ، وليس ذلك بغريب عليها ، عن أن تقوم بدورها الأخلاقي تجاه محنة الشعب الليبي . لقد أكد ثوار ليبيا ومختلف رموز الشعب الليبي أنهم لا يقبلون بوجود أي جندي أجنبي على أرض ليبيا ، وأنهم فقط يريدون دعم الطيران لوقف طيران القذافي الذي كان يتسلى يوميا على المتظاهرين والثوار ، ووقف آلياته المدرعة وراجمات الصورايخ والدبابات التي يستبيح بها المدن ويرتكب المجازر ، ولو لم يفعل المجتمع الدولي ذلك لاتهمناه صراحة بالمشاركة في ذبح الشعب الليبي ، والتواطؤ الفاضح مع القذافي وعصابته ، هذا على الرغم من أن الجهد الذي يفعله التحالف الدولي ما زال ضعيفا ومثيرا للريبة ، خاصة عندما يترك مدينة مثل مصراته طوال شهر ونصف تقصف بالمدافع والدبابات دون أن يطلق صاروخا واحدا على أي دبابة أو مدرعة من تلك التي تحاصر الشعب الليبي في المدينة ، رغم أن العالم كان يضج من آلام أهلها والقتل اليومي بالعشرات . علينا جميعا أن نتضامن مع ثورة الشعب الليبي بكل ما نستطيع ، وأن نكون سندا لهؤلاء المجاهدين الشرفاء ، وأن لا نسمح لطاغية مثل القذافي بالإفلات من المحاكمة والحساب ، وأن ندعو لأهل ليبيا بالتحرر والكرامة والنصر ، فإن الله سائلنا عن محنة هذا الشعب الطيب ، وعن تلك الدماء الزكية والأنفس البريئة التي يزهقها زبانية القذافي وأبنائه كل يوم في مدن الشرق والغرب الليبي . [email protected]