الذين دافعوا عن الرئيس السابق والحزب والحكومة سنوات طويلة يبدلون الآن مواقفهم، الذين دافعوا طويلا عن الشمولية يبشرون الآن بالحرية، الذين صدعوا رؤوسنا بالكلام عن الاستقرار يطالبون الآن بالتغيير، الذين اتهموا شباب ثورة 25 يناير بالعمالة يصفونهم اليوم بالنبل والشهامة ويذرفون دموع التماسيح على شهدائهم . لم يضيع هؤلاء وقتهم كثيرا حين احسوا بالخطر. ولأنهم انتهازيون حتى النخاع غيروا مواقفهم حفاظا على مواقعهم ومكتسباتهم، وهكذا رأينا استقالات عنترية من الحزب الحاكم على شاشات الفضائيات من اشخاص كانوا نجوما في الحزب والحكومة، كما شاهدنا رموزا معروفة بولائها للماضي تهرول الى ميدان التحرير طمعا في ان تجد لها مكانا في المستقبل. وسمعنا اصواتا كانت تتعامل باستهزاء واحتقار مع الشعب تدافع الان عن جقه في الحرية والكرامة. كنت اتوقع ان يتمسك هؤلاء المتلونون بمواقفهم السابقة من باب الوفاء لأرباب نعمتهم، كنت اظن ان يدافع هؤلاء عن اسيادهم الذين وضعوهم في المواقع التي يشغلونها، كنت اتخيل ان يستميت هؤلاء في الدفاع عمن جعلوهم من اصحاب الملايين والمليارات، كنت اراهن أنهم سوف يضحون بانفسهم دفاعا عن الذين حولوهم الى قطط سمان غارقة في المال الحرام! لكن توقعاتي كلها ذهبت ادراج الرياح، فالذين دافعوا لسنوات عن الحزب الوطني يتهمونه الان بالمسئولية عن قيام الثورة بسبب ممارساته الخائبة. والذين بشروننا بحكم امانة السياسات يوجهون الان مدفعيتهم الثقيلة ضد هذه الامانة ، والذين روجوا لاحمد عز يتبرأون منه الآن بعد احالته للتحقيق بتهمة الفساد والإفساد، الذين كانوا يروجون لجمال مبارك باعتباره رمزا للمستقبل يتهمونه الآن بانه السبب في قيام الثورة . وحتى صبيان رجال الاعمال دخولا هم ايضا على الخط. وهكذا شاهدنا الذين تربحوا من رجال الاعمال يعطوننا دروسا حول الفصل بين السلطة والثروة، الذين هبشوا العمولات والهبات يتهمون اسيادهم الآن بشفط ثروات مصر وخيراتها، ولا اعرف اين كان هؤلاء حين هيمن رجال الاعمال على كل شيء لتنمية ثرواتهم وارصدتهم! مصيبة كبيرة ان يستعين رئيس مصر القادم -أيا كانت هويته- بأمثال هؤلاء الاشخاص. الذين يهربون من المعركة فور احساسهم بالخطر لا يستحقون البقاء في مواقعهم، الذين انقلبوا علي اسيادهم بعد ان منحوهم المزايا والعطايا لا يجب ان يفلتوا من الحساب، لا اظن ان احدا في مصر ايا كان موقفه وموقعه يمكن ان ينخدع بمواقف هؤلاء. مصر الان تشهد تحولا سياسيا هائلا ربما يكون الاول من نوعه منذ ثورة 1919، وبغض النظر عما ستتجه اليه الامور فلا اظن ان بلادنا سوف تعود كما كانت في الماضي، ماحدث كان زلزالا أكد ان السلطة في واد والشعب في واد اخر، الاستقرار الذي كانوا يتغنون به تبين انه اكذوبة، معدلات التنمية التي تباهوا بها تكشف انها مجرد وهم، هرتلة الاعلام الرسمي فشلت في اقناع الناس بكل السياسات السابقة. من حق المصريين ان يتوقوا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، ومن حقهم ان يعبروا سلميا عن مواقفهم وقناعاتهم، الشعب المصري ليس اقل شأنا من بقية شعوب العالم، ومن حقه ان يتمتع بالعزة والكرامة والعدالة والمساواة، مصر ليست ملكا لاحد ولا ينبغي ان تكون، مصر ملك لكل ابنائها ولا يجب ان يحتكر حفنة السلطة والثروة ولا ان يتحكموا في مصائر كل المصريين. الاوليجاركية أو حكم الاقلية هو الخطر الحقيقي على امن واستقرار البلاد. مصر الان تنتقل الى مرحلة جديدة وكل ما نرجوه الا يكون فيها مكان للمتلونين الذين باعوا سادتهم و اولياء نعمتهم، الذين انقلبوا على اسيادهم في ذروة الازمة يجب ان يلقوا الجزاء الذي يستحقونه، وسواء انتصر المطالبون بالتغيير او أخذت الاحداث اتجاها آخر فمن الواجب محاسبة هؤلاء. الذين خانوا الاسياد القدامي سوف يخونون الاسياد الجدد. ولا اظن ان رئيس مصر القادم –أيا كانت هويته - سوف يستعين بأناس سوف يبيعونه وينقلبون عليه في وقت الخطر!