تغيرت لهجة الصحف القومية الناطقة بلسان الحكومة بشكل واضح عما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير، وذلك بعد الكثير من الانتقادات التي وجهت لها من المثقفين والإعلاميين، بسبب تحاملها الواضح على الثورة الشعبية وأحداث ميدان التحرير، وتلون الإعلام الحكومي كاملاً بين العداء لهذه الثورة، ومحاولة إجهاضها والتقليل من شأنها، والطعن في وطنية القائمين عليها، بأقذر حملات التشويه والتحقير والتخوين. وقد أصدر أكثر من 200 فنان ومثقف وصحفي مصري بياناً أعلنوا فيه براءتهم من الإعلام الحكومي، واتهموه بتزوير الحقائق، والتشويه المتعمد لصورة الشباب المصري، وقد وقع عليه مجموعة من الصحفيين، في مقدمتهم إبراهيم منصور وجمال فهمي ويحيي قلاش وياسر الزيات وكارم محمود. تأتي هذه الانتقادات الموجهة للإعلام المصري وسط أنباء تكشف عن خلافات داخل هذه المؤسسات الحكومية، فقد قام مجموعة كبيرة من صحفيي الأهرام بالاعتراض علي السياسة التحريرية المنشورة، وأصدروا بياناً قالوا فيه: إنهم لا يقلون وطنية عن صحفيي الصحف الأخري، وأكدوا أن السياسة التحريرية القائمة بالأهرام تعبر عن رؤية رئيس التحرير وحده، ولوجهة نظر العاملين بالمؤسسة، وقد تعرضت بعض المؤسسات الصحفية القومية للاقتحام من قِبل متظاهرين، لولا تدخل رجال الجيش القابعين أمام هذه المؤسسات لحراستها، ويبدو أن ذلك كله قد أدى إلى إيجاد حالة من الضغط على رؤساء تحرير هذه الصحف، وأدى إلى تغيير اللهجة التي كانوا يتحدثون بها قبل حدوث الانتفاضة الشبابية. فقد خرجت الجمهورية في عنوانها الرئيسي صباح الأحد الماضي "بدأ التغيير" وكتب رئيس تحريرها مقالاً بعنوان "لا وراثة ولا توريث"، وشنت هذه الصحف علي غير العادة هجوماً عنيفاً علي أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني المستقيل، بعدما كانت تصفه بالرجل المعجزة قبل أيام قليلة، وقد كتبت الأخبار "سقوط أحمد عز"، ثم أضافت "خربها واستقال"، وكتبت مجلة آخر ساعة التي يرأس تحريرها رفعت رشاد، وهو قيادي بارز بالحزب الوطني "أحمد عز.. السقوط في بئر الفشل"، ولم تكتف الصحف القومية بذلك فحسب ولكنها وجهت هجوماً حاداً لحبيب العادلي وزير الداخلية السابق، بعد أيام قليلة من حواريه المنشورين بالأهرام وروزاليوسف، وخرجت آخر ساعة بعنوان يلفت الانتباه حيث كتبت "وزراء ضد الشعب"، ووضعت صوراً لأحمد نظيف وحبيب العادلي وأحمد زكي بدر. وقد بات التغيير الذي حدث لتغطية الصحف القومية بين ليلة وضحاها لافتا للأنظار، فبعدما كتبت الأهرام صباح الأربعاء الدامي "الملايين خرجت لتأييد مبارك"، وبعدما قال عبدالله كمال رئيس تحرير روزاليوسف علي الثورة إنها أعمال فوضي وشغب مدبرة، وجدنا طارق حسن رئيس تحرير صحيفة الأهرام المسائي التي كانت أحد أبواق النظام، يدعو إلي التطهر وتأدية صلاة الغفران، وأكد أن الحزب الوطني ارتكب أعظم الأخطاء في حق مصر. وعلى هذا التحول الرهيب، قال يحيي قلاش عضو مجلس نقابة الصحفيين: إن ما حدث هو تلون واضح، فمن يواجهون اليوم فساد المسئولين، هم الذين دافعوا عن النظام ودافعوا عن الفساد، وزينوا للمصريين فسادهم، وكانوا أداة قمع من قبل النظام في مواجهة الشعب، فقد وصل الأمر لتعيين رؤساء التحرير بالانتماء الحزبي، والانتماء الأمني، والانتماء لفريق أمانة السياسات، أو لوبي رجال الأعمال، والدليل علي ذلك واضح فقد اشتري هشام طلعت مصطفي في "عز" أزمته وهو مُدان العديد من الصحف التي كانت تدافع عن براءته، ناهيك عن أحمد عز وصفوت الشريف. إن ما يحدث الآن من تلون هو أكبر دليل علي أن هناك خللا في قيادات الإعلام الرسمي، وأكبر شهادة تؤكد أنهم لا يصلحون أن يكونوا ضميراً للشعب، وأداة للتعبير عن الرأي العام، لذلك لابد من وجود تشريعات تحمي الإعلام من التلون، ولابد من إيجاد الحرية الكاملة للصحافة في التعبير، فلم تكن عندنا حرية تعبير كما يظن البعض بل كان عندنا حرية تنفيس وحرية كلام، لقد كان عندنا صحافة هامشها يتسع ويضيق حسب رؤية الحاكم، فإذا سمح منح وإذا غضب منع.