بشكلٍ دراماتيكي وسريع تطوَّرت الأحداث والمواقف في الساحة اللبنانيَّة بعد إعلان رئيس تكتُّل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، عدم تمكُّن المساعي السعوديَّة السوريَّة من التوصُّل إلى حل للأزمة اللبنانيَّة المتمثلة في تداعيات صدور القرار الظني عن المحكمة الدوليَّة الخاصة بلبنان، بدأت بإعلان المعارضة اللبنانية إعطاء مهلة لم تتجاوز الأربع والعشرين ساعة لرئيس الجمهورية من أجل الدعوة لجلسة للحكومة لمناقشة بند واحد فقط هو مواجهة المحكمة الدوليَّة التي تعمل بحسب المعارضة على ضرب المقاومة، وتعتبر حلقة من حلقات التآمر الدولي عليها، مع علم المعارضة المسبق بأنه -وبحسب الدستور اللبناني- فإن دعوة الحكومة للانعقاد هي من صلاحيات رئيس الحكومة حصرًا، أما جدول الأعمال فيكون بالتنسيق مع رئيس الجمهوريَّة، وبذلك أرادت المعارضة حسب وجهة نظر الكثير من الشخصيَّات المحايدة في لبنان أن تضع رئيس الجمهوريَّة في الزاوية من خلال هذه المهلة القصيرة، أو ربما أرادت اتخاذ خطواتٍ لاحقة، وهذا ما وضح من خلال التقدم باستقالة وزرائها من الحكومة، ودعوة رئيس الجمهوريَّة إلى تنظيم استشارات ملزمة –سحب الدستور- لتسمية رئيس جديد للحكومة، بعد أن فقدت الحكومة التي يرأسها الحريري أكثر من ثلثي أعضائها ما يعتبرها بحكم الدستور منتهية وساقطة، وبالتالي فقد فتحت المعارضة بهذه الخطوة، المرحلة على أفق جديد غير معروف حتى الساعة، إذ أنها لم تفصحْ عن خطواتها التالية التي تنوي القيام بها، وقد استدعى ذلك مواقف محليَّة وعربيَّة ودوليَّة محذِّرة من خطورة المرحلة المقبلة، لا سيما إذا قرَّرَت بعض القوى السياسيَّة الانزلاق بالشارع نحو الفوضى وضرب الاستقرار، إلا أن بيان المعارضة المتمثلة بحزب الله وتيار العماد ميشال عون، وحركة أمل، أكد أن الخطوة ستبقى في إطار العمل المؤسساتي، ولن تخرج عنه، موحيةً في ذات الوقت إلى إمكانية التحوّل إلى خيارات أخرى بديلة قد يكون منها الشارع. خطوة المعارضة اللبنانيَّة بالاستقالة من حكومة الوحدة الوطنيَّة التي كانت مصابة بالشلل منذ ما يقارب الشهرين، والتي كانت غير فعَّالة منذ ولادتها لأكثر من سبب وسبب، ربما فتحت الباب على مرحلة جديدة، بدأت التكهنات بشأنها في الشارع اللبناني، ولا يمكن التكهُّن بمداها، إلا أن الشيء المؤكد أن هذه الخطوة أنهت حالة المراوحة التي حكمت المرحلة الماضية، فماذا في أفق المرحلة التالية؟ الشارع اللبناني تخوّف وأبدى قلقه في البداية من خطوة المعارضة، خوفًا من اللجوء إلى الشارع من أجل تحقيق الغايات السياسيَّة، وهذا ما من شأنه أن يدخل البلد في أتون فتنة حارقة قد تمتد لتشمل مناطق أخرى ودول أخرى في المنطقة، وقد تجد فيها "إسرائيل" فرصتها لتحقيق رغبتها ومخططاتها التي تنوي القيام بها في لبنان، وفي المنطقة. إلا أن قلق الشارع اللبناني بدأ يتراجع دون أن ينحسر بشكلٍ نهائي مع تراجع منسوب المواقف المتشنِّجة، ومع التأكيد العربي والدولي والإقليمي على الخط الأحمر المتمثِّل بعدم السماح بالانزلاق بالأمور نحو الشارع والفوضى، ولكن ذلك يعن بالنسبة للمواطن اللبناني انتهاء الأزمة، وانتفاء تجدُّدها. في التقديرات السياسيَّة وضع البعض خطوة المعارضة في إطار العمل الجاد والجدي من أجل إعادة الإمساك بالسلطة في موازاة الاقتراب من موعد إصدار القرار الظني عن المحكمة الدوليَّة، ومحاولة جادة وفعليَّة لإعادة الأمور إلى ما قبل العام 2005، بمعنى إنهاء مفاعيل ما تعتبره المعارضة انقلابًا نفَّذته قوى 14 آذار بعد اغتيال الرئيس الحريري في العام 2005، وما تعتبره قوى 14 آذار ثورة قام بها اللبنانيون وأطلقوا عليها تسمية "الاستقلال الثاني"، وفي هذا السياق يؤكِّد هؤلاء أن خطوات المعارضة ستكون متدحرجة ومتتالية بهدف الإمساك بتلابيب القرار اللبناني من جديد، حتى ولو كان ذلك على حساب الأمن والاستقرار، خاصةً وأن المعارضة تنظر إلى المحكمة الدوليَّة باعتبارها أداة من أدوات الغرب لضرب المقاومة ووحدة المنطقة العربيَّة. ويرى أصحاب وجهة النظر هذه في مواقف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) النائب محمد رعد، والذي قال: إن المعارضة تريد في رأس الحكومة المقبلة رئيسًا مقاومًا ومقتنعًا بخيار المقاومة، مما يؤكد أن المعارضة ماضية في طريقها للإمساك بالبلد من جديد، وهنا تكمن الأزمة الجديدة التي تعيد فتح الأزمة من جديد، تعيد الأمور إلى المربع الأول، أو حتى ربما تدخل البلد في أتون الحرب الأهلية والفتنة الطائفيَّة والمذهبيَّة. ويرى البعض أن الأمر يدخل في إطار تظهير الاتفاق السوري السعودي الذي لا يعلم من تفاصيله إلا القليل، إلى حيز التنفيذ المتدحرج والمتسلسل دون إعلان مسبق عن ذلك، بحيث تشكل قضيَّة استقالة الحكومة والشروع في تشكيل حكومة جديدة واحدة من مفردات الإخراج غير المحرج لأي من الأطراف، وبالتالي يمكن أن يصدر القرار الظني الذي يشكل النقطة الرئيسيَّة في الخلاف اللبناني اللبناني في وقت تكون فيه الحكومة في حالة تصريف الأعمال، فلا تستطيع تلبية متطلبات المحكمة الدوليَّة، وبذلك يتم تجاوز هذه المسألة في وقتٍ لاحق مع الحكومة المقبلة، وهذا ما كان يريده الرئيس الحريري، بحيث كان يريد صدور القرار الاتّهامي من ثم بعد إجراء التسوية، في حين كان فريق حزب الله يصر على التسوية قبل صدور القرار، ويبدو أن الحالة التي حدثت رغم سوداويتها إلا أنها قد تشكل المرحلة الأولى من مراحل الاتفاق السوري السعودي، وتعتبر نقطة وسط بين طرحين متناقضين. ولكن هذه الصيغة وإن كان الهدف منها والنيَّة من ورائها الشروع في مراحل حلّ الأزمة، ستفتح البلاد على مرحلة جديدة عنوانها الشروط في الكثير من المفاصل التي سيعمل كلُّ فريق على تكريسها في المرحلة المقبلة، خاصةً عند اختيار رئيس الحكومة، أو حتى عند تشكيل الحكومة، وربما نكون أمام مشهد عراقي جديد قد يمتد لعدة شهور في سبيل تشكيل حكومة، هو الوقت المطلوب في العامل التفاوضي بين الدول المعنيَّة بالأزمة اللبنانيَّة وبغيرها من الأزمات. المرحلة الجديدة في لبنان هي مرحلة التفاوض بالنار، حتى ولو كان ما جرى جزءًا من الحركة الإخراجيَّة لمراحل الحلّ، ليس لأن اللبنانيين يريدون ذلك، بل لأن أدوات التفاوض الخارجي قد تستدعي ذلك، ومن هنا يلفّ الضباب المرحلة المقبلة، وهذا ما يستدعي الحذر على كافة المستويات، وهذا ما يعيشه اللبنانيون اليوم صباح مساء. المصدر: الاسلام اليوم