عندما سقطت القدس في يد الحملة الصليبية الأولى عام 1099 بعد ان سقطت الرها عام 1096 وإنطاكية 1098 و فوجئ الغزاة أن الشرق متهاو ، وان إماراته ومدنه تتساقط كأوراق الخريف بدون مقاومة . انتشر الخبر بسرعة البرق فى أوروبا ، ونزل المنادون فى الأسواق والشوارع والجهات ، يبشرون الناس بالأخبار السعيدة ، ويعلموهم بأن الشرق خال ، و على من يرغب فى الأرض و الثروة ، أن يعد العدة ويشد الرحال الى هناك ، وما عليه بعد ذلك سوى أن يشهر سيفه و يمد يده ، ليحصد ما يريد ، فيناله بلا مقاومة وبلا تعقيب . وبالفعل تدافع الفرنجة من كل لون ، مهرولون الى ديارنا ، يتسابقون فى الاستيلاء على كل ما تطوله أياديهم ، وحملت لنا السفن كل يوم الآلاف من أوباش أوروبا . وتوالت الحملات التى بلغ عددها سبعة حملات كبرى من عام 1096 حتى 1291 * * * كان ذلك قبل أن تتمكن الأمة من استرداد توازنها و إعادة تنظيم صفوفها وتحرير أراضيها المغتصبة ، فيحرر عماد الدين زنكى إمارة الرها عام 1144 ، وصلاح الدين الأيوبي القدس عام 1187 ، الى ان تحررت آخر إمارة صليبية وهى عكا عام 1291 على يد الأشراف خليل بن المنصور قلاون . * * * و ما أشبه اليوم بالبارحة : فبعد ضياع جنوب السودان ، نرى اليوم الطائفيين فى كل مكان يجوبون الأروقة والطرقات ، يبشرون كل من يرغب فى اقتطاع ما يستطيع من ديارنا . نراهم فى مزارع ومراعى دارفور ، و فى كردستان العراق و بين الطوائف فى لبنان وفى أطراف صحارى المغرب ونراهم فى كنائس مصر ومساجدها . ولما لا وقد سقطت جنوب السودان بدون مقاومة ؟! فنحن لم نعد نرغب فى القتال ، وفلسطين والعراق خير شاهد على ذلك . و لم نعد نمثل خطرا على أحد ، و أصبحنا كائنات أليفة ، لا تضر ولا تنفع . وكل المطلوب معنا ، بضعة اضطرابات ، وسيارة مفخخة ، ثم يضغط الأمريكان ، فنجبن و نستسلم ونستبيح أوطاننا لكل من هب ودب . هزلت . [email protected]