أينما وجهت وجهي وجدت الله يغمرني بنعمه وعطاياه ، فسبحانه وشكرانه على ما تفضل وأعطى ، وأفاء وأنعم . من تلك النعم أن حبب الله إليَّ العلم وأهله ، حتى غدا أكثر الناس حظا من تقديري وإجلالي عالمٌ ثقة ، قد رسخت قدمه في معقول العلم ومنقوله ، ووقف على أسرار الشريعة الإسلامية ومقاصدها ، يقود الناس بعلمه إلى الله ، فيبشر ولا ينفر ، وييسر ولا يعسر ، ويجمع ولا يفرق ، ويؤمل ولا يقنط ، تتبختر حجته اتضاحا ، وتنزوي الشبهات أمامها خشية الافتضاح ، هين ، لين ، يشعر من يقترب منه بدفء الإسلام وحلاوته .
وكان ممن قدر الله لي أن أنهل من علمه ، وأرتوي من نبعه ، ويرتفع بنياني الفكري – مع تواضعه - على أصوله ومنهجه هو فضيلة العلامة الإمام «يوسف القرضاوي» ، حفظه الله .
وتعود علاقتي بالشيخ إلى المرحلة الثانوية من التعليم الأزهري ، حينما أهداني صديق كتابيه " الخصائص العامة للإسلام" و " في فقه الأولويات " فكانا لهما أثر عظيم في التعرف على القواعد التي يتميز بها الإسلام من حيث كونه رسالة الله الأخيرة إلى البشر ، وعلى القواعد التي تضبط تصور المسلم لأصولها وفروعها وتعطي لكل جزء منها حجمه ووزنه بلا غلو أو تفريط ، كما كان للكتابين فضل في الولوج إلى عالم «الإمام» الفقهي والفكري ، والمبثوث في إنتاجه الغزير ، المميز والمتنوع .
ثم لما أذن الله تعالي بالتحاقي بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية ، واختيار تخصص العقيدة والفلسفة من بين أقسامها ، كانت كتب «الإمام» رافدا رئيسا من روافد ثقافتي الفكرية ، فكنت أحرص على شرائها ومتابعة جديدها ، وإني لأذكر كيف كان وقوفي في المكتبة طويلا أتصفح بعض ما لم تسعفني قدرتي الشرائية على حيازته وقت إصداره ، حتى تيسر ذلك فيما بعد بالادخار وغيره فحصلت أكثر من تسعين بالمائة منها.
في تلك الأثناء كانت كتب الشيخ عن الصحوة والحركة الإسلامية – المباشرة وغير المباشرة – من أهم ما يشغلني ، فكنت أعمد إلى إحداها وأتناوله مع الأصدقاء والخلان بالدراسة والمناقشة تارة ، وبشرائها وتوزيعها وتدويلها بينهم تارة أخرى ، أذكر من ذلك كتابه " الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق المذموم " وكتابه " الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف " وكتابه " ثقافة الداعية ".
ومن كتبه التي حظيت بتقديري واهتمامي بعد انتهاء المرحلة الجامعية " الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد " وكتابه " ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق " وكتابه " أمتنا بين قرنين " وكتابه " حاجة البشرية إلى الرسالة الحضارية لأمتنا " علاوة على فتاويه التي سعيت في نشرها في مناسبات خاصة منذ كنت طالبا وحتى الآن لما تحويه من رسالة تنويرية تجمع بين الأصالة والمعاصرة ، وتلبي أهم الحاجات والضرورات العلمية للمسلم المعاصر .
لقد أثرى فضيلة «الإمام» المكتبة الإسلامية بالمؤلفات العلمية ، في الفقه وأصوله ، وفي علوم القرآن والسنة ، وفي قضايا الفكر والدعوة ، وفي التربية وفقه السلوك ، وفي ترشيد الصحوة والحركة الإسلامية ، وفي السياسة والتاريخ والأدب ، إلى غير ذلك من مؤلفاته التي اقتربت من مائتي كتاب ، ما بين الموسوعي والوسيط والوجيز ، فضلا عن محاضراته وخطبه ودروسه وبرامجه المسموعة والمرئية التي عايش بها هموم أمته ومشكلات عصره واجتهد أن يقدم فيها العلاج الناجع من نبع الإسلام الصافي .
إن ذلك العطاء المطبوع والمرئي والمسموع ، الذي تميز بالأصالة والوسطية والتجديد كان له الفضل - بعد الله - عليَّ ، وعلى غيري من الأجيال في أرجاء العالم ، ومهما عددت من مآثره ومناقبه ، لن أوفه حقه في سطور مختصرة ، وكيف لا وقد تناول الأعلام مشروعه العلمي وجهوده العملية – وما زالوا - بالدراسة والتحليل ، وسجل الباحثون في ذلك رسائل الماجستير والدكتوراه في كبرى الجامعات العالمية .
لا يسعني إلا أن أتقدم إلى شيخي فضيلة الإمام «يوسف القرضاوي» - وقد دخل عامه الثامن والثمانين - بأخلص الدعوات وأصدقها ، بأن يحفظ الله عليه صحته ، ويبارك في عمره وجهاده ، وينفع بجهده وعطائه ، وأن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين ، وأن يمتعه بالنظر إلى وجهه الكريم .