في مقاله ليوم الخميس (5/8/2010) كتب الأستاذ محمود سلطان الفقرة التالية: "استدعاء العلمانيين واليساريين المتطرفين للاستئناس برأيهم في صوغ أجندة مصر الثقافية في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك، ذات الوجوه التي لا تتمتع بأية قبول جماهيري ولا حتى نخبوي - يعني "الافلاس" الذي يفضي إلى قناعة بأن القادم الجديد ليس لديه الجديد وقد يكون صورة مستنسخة من سلفه.. وأن المراوحة في المكان ستكون هي قدر البلاد والعباد إلى أجل غير مسمى." و يبدو أن الفقرة قد إستدعت بعض الأفكار إلى رأسي خاصة مع تذكري لبعض آيات القرآن العظيم و التي يذكر فيها ربنا على لسان بعض الناس ذكرهم لأبائهم و إتباعهم لخطاهم كعذر لكل الموبقات التي يرتكبونها و على رأسها الكفر بالله أو مخالفة منهجه سبحانه و تعالى في خلقه. نعلم أن أحد أسباب إستمرار الأمم التي سبقتنا على منهجها من الكفر و العناد هو أنها رفضت أن تتخلى عن فكر (و طريقة) أبائها و أجدادها. يقول تعالى في كتابه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُون) [البقرة/170] وقوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) [المائدة/104]. و قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف/ 28]. وقوله تعالى: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) [يونس/78]. وقوله تعالى: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [الشعراء/74]. و قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [لقمان/21]. و قوله تعالى: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ [22] وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [23]) الزخرف. حين يبدأ المرء في قرأءة الأيات المرة تلو المرة بتمعن ثم ترتيبها بحسب السور التي ذكرت فيها يلاحظ الحقائق الأتية (من ضمن أخرى بالتأكيد) الأية من سورة البقرة و أختها من سورة المائدة تتحث عن الأمر الإلهي بإتباع ما أنزل الله و أن يأتوا رسولهم ليتعلموا ضلال ما هم عليه (من إتخاذهم البحيرة و السائبة و الوصيلة و غيرها مما لم ينزل الله في كتابه أو يأمر به.) ولكنهم يرفضون ذلك بحجة أنه يكفيهم ما كان عليه أبائهم! أي أنهم حتى لا يخشون من مخالفة القديم (مبدأ إللي تعرفه أحسن من إللي منعرفوش) بل ينصرفون عن إتباع الهدى فقط لإحساسهم أنه يكفيهم ما هم عليه بعد أن رأوا أن حياة ابائهم كانت تسير بشكل طبيعي على هذا الطريق الضال! توقفت عقولهم هنا حتى عن طلب الأحسن و الأجود الذي قد يجدوه فيما لا يعرفون! الأية من سورة الأعراف تحمل معنى أخر و هو أنهم يستشهدون بأبائهم حين يصنعون الفواحش (كانوا يطوفون بالبيت العتيق عراة رجالاً كانوا أو نساء) و يمكن في حال اليوم أن تحمل هذه الأيات نفس المعنى لمن يقوم بتفضيل مصالح العدو على المصالح الوطنية مثلاً) ثم الإدعاء على الله بأنه هو من أمربها! و هنا يثور سؤال: كيف يمكن أن يأمرهم الله بالفحشاء و هم أول من يعرف أن هذا مستحيل (حاشاه سبحانه)؟ و لا حل لها - عندي - إلا أنها التفسيرات الملتوية التي يقوم بها شيوخ السلطان أو أصحاب الغرض و التي يؤيدون فيها علية القوم أياً كان ما يفعلونه. الأية من سورة يونس تتحدث عن فرعون و ملأه و هم يتهمون رسول الله موسى بأنه إنما جاء ليخرجهم عن الإطار الذي يسيرون فيه بلفتهم (أي تغيير إتجاههم) إلى غيره معتقدين أنه (و هو الرسول المرسل) إنما يفعل ذلك طلباً للملك و السؤدد وأن تكون له الكبرياء في الأرض! أي أنهم يخشون هنا على مكانتهم التي هم عليها و التي هي بالتأكيد مكانة عالية في مجتمعهم وتسمح لهم بالتمتع بمتع الدنيا و التحكم في رقاب الخلق بل وفي أرزاقهم - بإذن الله - و إلا ماكانوا رفضوا ما جائهم به رسولهم (وهو يُفسر ما نعرف من أن معظم أتباع الأنبياء يكونون من الضعفاء و المساكين الذي يرون في الدين الجديد العدل و المساواة التي يحرمهم منها مجتمعهم.) و نحن نرى الأن كيف تحارب أيات الله و حدوده التي أمرنا الله سبحانه و تعالى أن لا نعتدي عليها ممن لا يخاف على شيء قدر خوفه على ملكه و صولجانه و ثرواته. الأية من سورة الشعراء واضحة صريحة: كذلك وجدنا آبائنا يفعلون و إنتهى الأمر إلى هذا الحد معهم. لن يغيروا ما هم عليه و إنتهى الموضوع. بمعنى أخر أنهم لا يريدون (وجع دماغ) و لا يريدون حتى التفكير في ما هم عليه من مخالفة الفطرة و المنهج السليم. بقية الأيات تحمل نفس المعنى. و الحقيقة أنني ألاحظ كثرة الأيات التي تذكر أن الولد يسير على نهج أبيه أو جده حتى و لو أدى ذلك إلى هلاكه و حتى في الأمثلة الإمبراطورية أو الملكية من التاريخ نجد أنه حين يرث الإبن أباه فإنه قد يورد مملكته مورد التهلكة إذا ما سار فقط على نفس النهج القديم (نظام محلك سر كما نقول) خاصة إذا لم تكن لهذا الإبن (الوريث) خبرة بأمور دولته و أهلها و كانت بينه و بينهم المسافة التي هي بالفعل موجودة بين "الوريث" و بين الناس. الأمر مشوق فعلاً وأعتقد أن الموضوع يحتاج للتمعن قليلاً فيه وفي معاني هذه الأيات إذ ربما تكون في ذاتها جرس إنذار لنا بأن السير على خطى الأقدمين ليست هي ما اراده الله لنا من خلافته في الأرض و عمارتها إلى الأجل المسمى. فسبحان الله الذي أنزل القرآن تبياناً لكل شيء و سبحان الله على من يدّعي على القرآن أنه كتاب مخصوص لزمان مخصوص و الحمد لله على نعمة الإسلام و كفى بها نعمة حاشية/ دعوات كثيرة و مناقشات أكثر "سمعتها" من مسلمين تقول أن القرآن كتاب خاص بزمانه و لا يجوز أن تنسحب أياته و حججه على عصرنا الحالي (المتقدم الحديث) و حين أرد على بعضهم أجد في قرارة نفسي أن العيب الرئيس ليس فيهم وحدهم و لكن فيمن حصر القرآن و "حاصره" في مفاهيم مغلقة و قوالب جامدة رافضاً أن يسمح له (أي يسمح للقرآن) بالخروج للناس في حياتهم الحالية (بضوابط.) و حقيقة الأمر أنني أعتقد أن هؤلاء إنما يخشون على أوضاعهم أن تتأثر إذا ما بدأ الكلام عن العصر و مشكلاته كونه قد يكشف عن جهلهم به (أي العصر) و عدم إلمامهم بأمره و هو ما قد يكون خسارة لهم.