لا أدري كيف كانت مشاعر "المثقفين" الذين استجابوا لدعوة جمال مبارك الاجتماع بهم "سرا" وتحت الارض؟!.. الدعوة جاءت من قيادة سياسية باتت في مركز جدل الخلافة في مصر، وأعادت السؤال مجددا حول هوية نظام الحكم وما إذا كان سيبقى على التقاليد الجمهورية أو سيعيد انتاج النظام الملكي الذي اسقطته حركة الجيش عام 1952؟! المشكلة ليس في الاستقطاب على هوية النظام وإنما في "شرعية" المشروع الذي يمثله نجل الرئيس مبارك.. إذ لا يستقيها إلا من "شرعية العائلة" و"الأمر الواقع" الذي قد تفرضه الأجهزة الأمنية على الجميع.. وهي الشرعية التي يرفضها أي مثقف شريف يؤمن بالديمقراطية وبحق الشعوب في اختيار من يحكمها. أنا لست قلقا على النظام الجمهوري.. فالأخير له قوة تحميه.. معروفة وجاهزة وهي التي صنعته داخل رحم الثكنات.. ومصر أكبر بكثير من أن يحكمها "الهواة".. غير أن ما يستلفت النظر أن أختيار من وصفوا ب"المثقفين" يعكس "العزلة" التي يعيشها "الرئيس المحتمل" وعدم درايته بالمشاعر المصرية العامة، وأنه قد يتورط في إيذائهم وأيلامهم حال استند إلى ذات الوجوه التي أعادت مصر إلى زيل الدول المتقدمة ثقافيا وإعلاميا ناهيك عن مواقفها المعادية لعروبة مصر وإسلامها. استدعاء العلمانيين واليساريين المتطرفين للاستئناس برأيهم في صوغ أجندة مصر الثقافية في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك، وذات الوجوه التي لا تتمتع بأية قبول جماهيري ولا حتى نخبوي.. يعني "الافلاس" الذي يفضي إلى قناعة بأن القادم الجديد ليس لديه الجديد وقد يكون صورة مستنسخة من سلفه.. وأن المراوحة في المكان ستكون هي قدر البلاد والعباد إلى أجل غير مسمى. المدهش أكثر أن دعاة "الحداثة السياسية" و"الدولة المدنية" ومن حشدوا أقلامهم ومنابرهم الاعلامية لمجابهة "الظلامية" التي "عطلت" قطار الحداثة في مصر.. من المدهش أن يقبلوا "الخدمة" في البيوت الملكية ولم يجدوا في قلوبهم حرجا من بيع أقلامهم لمشروع "التوريث" ومصادرة حقوق المصريين وسوقهم بعصا "الحداثة" و"التنوير" و"العقلاينة" إلى حيث يسلمون البلد تسليم مفتاح لمن دعاهم إلى حفل "عشاء" سري وتحت الارض. التيار الحداثي في نسخته المصرية، يعلن صراحة "خيانته" للحداثة وللإصلاح السياسي وللديمقراطية وللحقوق المدنية وحقوق الإنسان.. تحول إلى سمسار كبير يطمع في "العمولة" ولا يهمه إلا "ثمن " الصفقة.. حتى لو كان مستقبل بلد كبير ومهم في حجم مصر. [email protected]